الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بقيت فيروز وذهب ماكرون


احتفى أهل الثقافة الفن بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقيثارة السماء في منزلها قبل يومين وتحدثوا عن تقدير ماكرن لشجرة الأرز اللبنانية، وأخرج قصر الإليزيه بيانا بعنوان فنجان قهوة مع جارة القمر وتصدرت صورة فيروز المواقع والصحف العربية والفرنسية بألقابها الذهبية فهى رغم عمرها الذى تجاوز الخامسة والثمانين مازالت فتاة الجبل وياسمينة الشام وعصفورة الشرق وصوت لبنان، ورغم تقدير المواطن اللبنانى لخطوة ماكرون توجهت الأنظار إلى "الرابية" شمال شرقي بيروت لا للاحتفال بل للاحتجاج حيث استغرق اللقاء بين الرئيس الفرنسي والسيدة فيروز قرابة الساعة وربع، حظي خلاله بهدية منها، بدا أنها لوحة فنية، وقوبل عند خروجه بهتافاتٍ غاضبة من متظاهرين احتشدوا أمام منزل فيروز، ورفعوا أصواتهم عاليًا في وجه ماكرون، بشعارات "ثورة"، وأخرى رافضة لرئيس الوزراء اللبناني المكلف حديثًا مصطفى أديب.


توقف ماكرون للحديث مع المحتجين بعد انتهاء الزيارة، وقال إنه "قطع التزاما أمام فيروز، مثلما أقطع الأن التزاما لكم هنا الليلة بأن أبذل كل شيء حتى يحصل لبنان على ما هو أفضل وتطبق الإصلاحات، أعدكم بأنني لن أترككم. 


لم يكن الكلام كافيا فلا حديث عن التركيبة السياسية الطائفية ولا كلمة عن معاقبة الفاسدين ومغادرتهم الحلبة السياسية، كما لم يجرؤ ماكرن على التطرق الى زراع إيران فى لبنان وترسانة الأسلحة التى جلبت الخراب للبنانيين وتنامى الشعور باليأس بأن حزب الله أقوى من فرنسا والناتو، ودول الاتحاد الأوروبي لن تواجه ترسانة حزب الله نيابة عنهم بل ستبقى نذر الموت تتربص بهم إذا ما اندلعت الحرب بين الحزب إسرائيل وسيظل الخطاب الطائفى هو الطاغى على المشهد.


غادر ماكرون دون أن يلمس أيا من الألغام التى تهدد الشعب اللبنانى والحديث عن أرفع وسام فرنسى وهو "جوقة الشرف" الذى منحه ماكرون للقيثارة لم يشعر به اللبنانيون. كيف؟  وهذه ليست المرة الأولى التي تتقلد فيها "السيدة فيروز" أوسمة فرنسية رفيعة، حيث قلدها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وسام "قائد الفنون والآداب" أحد أرفع الأوسمة الأوروبية، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كما قلدها الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك وسام "جوقة الشرف" من رتبة فارس أواخر التسعينيات، وهو الوسام ذاته الذي قلدها إياه الرئيس إيمانويل ماكرون، وشعاره الشرف والوطنية، والذي أسسه قائد فرنسا التاريخي نابليون بونابارت مطلع القرن التاسع عشر.


 وحازت "جارة القمر" خلال تاريخها، على وسام الشرف اللبناني من رتبة فارس، ومنحها إياه الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون، كما قلدها الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب وسام الاستحقاق، ووسام الأرز، وهو أرفع وسامٍ لبناني، وكذلك الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية الذي قام بتقليدها وسام جوقة الشرف.

كأنهم "اللبنانيين" يخاطبون ماكرون بأن وسامه لفيروز لم يضف لها شيئا ولم يكن هذا الذى ينتظرونه من ماكرون.


الجارديان نشرت تقريرا لمراسلها من بيروت مارتن شولوف بعنوان "ماكرون يلتقي صوت لبنان سعيا لتغيير النغمة السياسية في البلاد. يتحدث عن المقابلة التي أجراها الرئيس الفرنسي مع المطربة فيروز البالغة من العمر 85 عاما في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة سياسية كبيرة بعد انفجار ميناء بيروت قبل أسابيع. ويقول إن ماركون حاول فعل كل شيء من قبل حيث وبخ نظيره اللبناني وامتدح بعض الوزراء وقدم مساعدات وحث الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد على تغيير طريقة إدارتها لإنقاذ لبنان بأي شكل. لكن هذه المرة وصل بيروت بمنظور مختلف حيث حرص على لقاء واحدة من الرموز التي توحد اللبنانيين وهي المطربة فيروز التي كانت بمثابة صوت لبنان ككل طوال 50 عاما وكانت الرسالة الواضحة من المقابلة هي أن لبنان أكبر بكثير من مجرد نخبة سياسية تتداول الحكم فيما بينها. 


وإن تواصله مع الأيقونة الثقافية يعد محاولة لإعادة إطلاق جهود الإصلاح بأسلوب مختلف بعدما فشلت كل الأساليب السابقة حتى عندما أصبحت البلاد تواجه خطرا متزايدا يهدد وجودها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط