الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لبنان يصل إلى طريق مسدود.. هل يخوض البلد المنكوب حربًا أهلية جديدة.. خطوط الفصل الطائفي تمزق بيروت.. وهيمنة حزب الله تخنق الشارع المتفجر بالرفض والاحتجاجات

احتجاجات لبنان
احتجاجات لبنان

طوائف لبنان تعيش حالة تشكك متبادل غير مسبوقة
أصوات هامسة في المجتمع المسيحي اللبناني تنادي بدولة مستقلة
سلاح حزب الله الرقم الصعب والعقدة الأضخم في السياسة اللبنانية

لثلاثة عقود منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، ظلت أحياء العاصمة بيروت مقسمة على خطوط طائفية، في انعكاس لنظام تقاسم السلطة على أسس طائفية بموجب الدستور، وفقط قبل نحو عام إلا قليلًا من الآن تعرض هذا الترتيب السياسي لتحدي وجود.


في أكتوبر الماضي، خرج لبنانيون من مختلف الطوائف الدينية إلى الشوارع وتظاهروا ضد زعمائهم السياسيين، واصمين إياهم بالنخبة الفاسدة التي تخدم مصالحها، وعندما زلزل انفجار مرفأ بيروت البلد كله الشهر الماضي، لم يدمر عدة أحياء بمحيط المرفأ فحسب، وإنما كشف خطوط التصدع الطائفي بين الأحياء كذلك.

وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تعيش الطوائف اللبنانية الآن حالة من التشكك المتبادل في بعضها أكثر من أي وقت مضى في تاريخ لبنان الحديث، وفي خضم هذا الجو المشحون هناك طرف يمسك بورقتي الفوضى والاستقرار معًا: حزب الله.

على مقهى صغير بحي الأوزاعي في الضاحية الجنوبية لبيروت ذات الأغلبية الشيعية، تتعالى أصوات رواد المقهى من مؤيدي حزب الله متهمة المحتجين بالعمالة للخارج، ويزعم أبو علي، صاحب المقهى، أنهم أدوات لتحقيق مصالح إسرائيلية وأمريكية، وأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء عندما علقوا دمية للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله متدلية من مشنقة، مطالبين الحزب بتسليم سلاحه للدولة.

وقال أبو علي إن سلاح حزب الله ضروري، ليس في مواجهة إسرائيل فقط، وإنما لحماية الطائفة الشيعية الأكثر فقرًا وتهميشًا في تاريخ لبنان، وحاول التدليل على زعمه بالحديث عن مظاهر الثراء التي تبدو على بعض المحتجين ضد هيمنة حزب الله على السياسة اللبنانية.

وأوضحت المجلة أن عناصر حزب الله اصطدموا مرارًا مع المحتجين، الذين اختبر العديدين منهم ثمن المعارضة الصاخبة ضد سلاح حزب الله الخارج عن إطار سيادة الدولة، وقال الأستاذ الجامعة الأمريكية في بيروت ناصر ياسين إن الحزب لن يتورع عن احتلال الشوارع بقوة السلاح إذا ما تعرض لخطر يهدد وجوده ونفوذه، كما وقع عام 2008 حين احتلت ميليشيات الحزب شوارع بيروت بالسلاح بعد شروع الحكومة في تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب.

ونقلت المجلة عن زياد علوكي، القيادي السابق بأحد الميليشيات السنية في طرابلس شمالي لبنان، أن حزب الله وصل إلى درجة من القوة والنفوذ إلى حد أن أحدًا لا يستطيع إجباره على تسليم سليم عياش المتهم باغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، والمدان بحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومن جانب آخر هناك شعور لدى الطائفة السنية في لبنان بأنها تُركت رهينة تحت رحمة حزب الله والسياسة الإيرانية في المنطقة.

وأضافت المجلة أن هناك في المجتمع اللبناني من يفضل أن تتولى قوى غربية مسئولية نزع سلاح حزب الله، ونقلت عن سيدة من مؤيدي حزب القوات اللبنانية ذي الشعبية الكبيرة في الأوساط المسيحية "ماذا يمكن أن نفعل مع سلاح حزب الله؟ الولايات المتحدة هي من تستطيع أن تفعل وليس نحن".

وتابعت المجلة أنه منذ انفجار مرفا بيروت بدأت الاحتجاجات تنحو منحى أكثر طائفية مما سبق من احتجاجات ضد الفساد عابرة للطوائف، وفي عبارة ذات دلالة لا تخفى أضافت السيدة المؤيدة لحزب القوات اللبنانية "سيكون من الأفضل أن يحصل المسيحيون على دولة منفصلة وأن يكون لحزب الله دولته الخاصة"، في إشارة نادرة الصراحة إلى رغبة عامة لدى أغلبية مسيحيي لبنان لا يجهرون بها في العادة على الملأ.

ونقلت المجلة عن عشرات المحتجين أن الاحتجاجات اكتست بلون طائفي نتيجة اختراقها من جانب قوى طائفية، على رأسها حزب الله والجيش اللبناني نفسه، وقال الناشط جلبير ضومط "منذ 1990 هناك أمراء حرب يفرضون على المواطنين نفس المقايضة: نحن نحميكم وبالمقابل نسرقكم، وكلما هددتم مصالحنا سنشعل حربًا أهلية بذريعة حماية الطائفة".

واستغل التنظيمان الشيعيان الرئيسيان في لبنان، حزب الله وحركة أمل، الاحتفالات بذكرى استشهاد السيد الحسين في يوم عاشوراء، ونظما موكبًا بالدراجات النارية والرايات والشعارات الدينية الطائفية في قلب العاصمة بيروت، وفي في استعراض للعضلات لا تخطئه العين.

وخلصت المجلة إلى أن لبنان وصل إلى طريق مسدود أصبح فيه الثمن الوحيد لتفادي الحرب الأهلية هو القبول بهيمنة حزب الله، والوقوع في فخ إدامة الوضع الراهن: اقتصاد فاشل وسياسات طائفية تغذي بدورها احتمالات الحرب الأهلية، ليستمر البلد الصغير المنكوب بالدوران في دائرة مفرغة بين الحرب الأهلية وهيمنة حزب الله، فلا يهرب من أحدهما إلا ليجد نفسه أسيرًا للآخر.