الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية كتاب.. «دلائل النبوة» للعلَّامة الحافظ أبي بكر البيهقي

الأزهر
الأزهر

واصل مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تقديم حلقات مشروعه التثقيفي «حكاية كتاب» وفي هذه الحلقة يقدم المركز حكاية الكتاب العاشر، عن «دلائل النبوة» للعلَّامة الحافظ أبي بكر البيهقي -رحمه الله- (384هـ / 994م - 458هـ / 1066م)

مؤلف الكتاب
ولد شيخ الإسلام الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الخرساني بـ«خُسْرَوْجِرد»، وهي قرية من قرى بيهق بنيسابور (مدينة إيرانية حاليًّا)، في شعبان عام: 384هـ.

ونشأ نشأةً علمية، وتتلمذ على يد أكابر علماء عصره من الفقهاء والمُحدِّثين، أمثال شيخ المُحدِّثين أبي عبد الله الحاكم صاحب المُستدرك على الصّحيحين.

وللإمام رحلة عظيمة في طلب العلم، طاف فيها العديد من البلدان؛ مُتلقيًا العلم على أكابر علمائها، مثل رحلته إلى: نيسابور، وأسد آباد، وأسفرايين، والدامغان، وطوس، وبغداد، وشط العرب، والري، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وغيرها، وصنَّف التَّصانيف النَّافعة، وخَلَّف أمهاتٍ كثيرةً في العلوم والفنون، ككتابه «السُّنن الكبرى»، الذي قال فيه الذَّهبي: ليس لأحد مثله، وكتابه «معرفة السنن والآثار»، و«أحكام القرآن»، و«الألف مسألة»، و«فضائل الصَّحابة»، وغيرها الكثير.

قالوا عنه
قال عنه عبد الغافر في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعًا باليسير، مُتجمِّلًا في زهده وورعه، وقال فيه الإمام ابن كثير: كان أوحد زمانه في الإتقان، والحديث، والفقه، والتصنيف، وكان فقيهًا مُحدِّثًا، أصوليًّا، وقال الإمام الجويني: ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه مِنَّة إلا أبا بكر البيهقي.

وبعد حياة حافلة بالعلم والتعليم والتنصيف أصاب البيهقيَّ المرضُ في رحلته العلمية الأخيرة إلى نيسابور، فتُوفِّي عام: 458هـ، وله من العمر أربع وسبعون سنة، رحمه الله رحمة واسعة. 

سبب تأليف الكتاب
يقول المؤلف -رحمه الله- في مقدمة كتابه الجامع: فإني لما فرغت -بعون الله وحسن توفيقه- من تخريج الأخبار الواردة في الأسماء والصفات، والرؤية، والإيمان، والقدر، وعذاب القبر، وأشراط الساعة، والبعث والنشور، وغير ذلك مما يتعلق بالأصول وتمييزها؛ ليكون عونًا لمن تكلم فيها؛ أردت -والمشيئة لله تعالى- أن أجمع بعض ما بلغنا من معجزات نبينا محمد ﷺ، ودلائل نبوَّته؛ ليكون عونًا لهم على إثبات رسالته. 

فاستخرت الله تعالى في الابتداء بما أردته، واستعنت به في إتمام ما قصدته، مع ما نقل إلينا من شرف أصله، وطهارة مولده، وبيان أسمائه وصفاته، وقدر حياته، ووقت وفاته، وغير ذلك مما يتعلق بمعرفته ﷺ على نحو ما شرطته في مُصنَّفاتي، وبالله التوفيق، وهو حسبي في أموري، ونعم الوكيل. 

منهج المؤلف
يعدُّ كتاب «دلائل النبوة» من أعظم كتب الحديث والسيرة النبوية ذخرًا وفضلًا، ولقد تلقته الأمة بالعناية والقبول والاستحسان، وعده كثير من العلماء من الكتب التي لا نظير لها؛ فقد قال فيه الإمام تاج الدين السبكي: «أما كتاب دلائل النبوة، وكتاب شعب الإيمان، وكتاب مناقب الشافعي، –وهي كلها للإمام البيهقي–  فأُقسِم ما لواحد منها نظير».

وعَرَض الإمام البيهقي في هذا الكتاب سيرة المصطفى ﷺ، وسَرَدَ شمائله، وفضائله، ومناقبه، ومعجزاته في صورة حديثيّة مُحكَمة؛ مُوردًا العديد من الأحاديث والآثار في ذلك، ومكتفيًا بالصحيح والمعروف من السَّقيم والغريب، إلا فيما لم يتضح المراد من الصحيح أو المعروف دونه فيوردهما، مع الاعتماد على الصحيح أو المعروف عند أهل المغازي والتواريخ.  

وقد كان للإمام منهج للتمييز بين الصَّحيح والضعيف، حيث كان يورد الآثار التي يضعفها بصيغة مبهمة، وربما تساهل في إيراد الأحاديث الضعيفة التي تناولت الفضائل والشمائل، أو التي تشرح ما أُبهِم وخفي في الصحيح، كما روى البيهقي -رحمه الله- فيه كثيرًا من المرويات عن شيخه الحاكم النيسابوري، وأكثر من النقل عن سيرة ابن إسحاق، ومغازي موسى ابن عقبة.

وكانت أغلب صيغ تحديثه عن شيوخه هي عبارة: «أخبرنا»، وأحيانا يستخدم عبارة: «أنبئنا» عند روايته للحديث بالسند يعزوه بعد روايته، إلا أنه لا يعزو إلا إلى البخاري ومسلم، أما غير ذلك فلا يعزوه. 

بين يدي الكتاب
عَنوَن البيهقي لكتابه الذي بين أيدينا بـ «دلائل النبوة»، والمقصود بدلائل النبوة هي ما أكرم الله عز وجل به نبينا محمدًا ﷺ من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر البشر؛ مما يدل على صِدقه ونبوته، سواء كانت لتحدي مَن يُكذِّبه، أو لا.

وباعتبار أن كماله الخُلقي والخِلقي، وجميع ما اشتمل عليه من الفضائل، وما حواه من كريم الشمائل، ودروس سيرته، وتصديق الواقع لما أخبر على الوجه الذي أخبر به كل هذا من دلائل نبوته، وقد قسَّم الإمام البيهقي كتابه تقسيمًا بديعًا، جمع فيه ما يتطلع إلى معرفته كل مسلم عن خاتم الرسل سيدنا محمد ﷺ. 

القسم الأول: ذَكَر فيه جماع أبواب مولد النبي ﷺ، وما يتصل به من الأبواب في نذر جدّه عبد المطلب، والآثار التي ظهرت عند ولادته، وقبلها وبعدها، وكيف فعل ربنا بأصحاب الفيل في العام الذي ولد فيه، وما جاء في تصدُّع إيوان كسرى وسقوط شُرَفِه، وغير ذلك من الإرهاصات الشريفة.

وتكلم فيه  -أيضًا- عن اسم نبينا ﷺ، وكنيته، وشرف نسبه، وحياته ﷺ وهو في مُقتبَل عمره. 

القسم الثاني: أودعه ما جاء في وصفه ﷺ، وبيان بهائه، وجماله، وحُسْن طلَّته، وصفة وجهه، وعينه، وشعره، وكفِّه، وريحه، وصفة خاتم النُّبوة بين كتفيه، وكثيرٍ من خلاله ﷺ. 

القسم الثالث: وعنونه بـ(جماع أبواب ما ظهر عن رسول الله ﷺ من الآيات بعد ولادته، وقبل مبعثه وما كانت تجري عليه أحواله حتى بُعِث نبيًّا ﷺ).

فأورد فيه حادثتي شق الصَّدر، واستخراج حظّ الشيطان من قلبه ﷺ، وإخبار الأحبار والرهبان بقرب مبعثه ﷺ، وصفته التي سيخرج عليها، وحاله التي ذكرت في كتبهم.

وتناول فيه الآثار التي قصَّت بدء مبعثه، وبدء الوحي إليه، وعمره حين بعث، وذِكْر بعض السابقين الأولين ممن أسلموا برسالته ﷺ ونصروه. 

وما ورد في رحلة الإسراء والمعراج، وقصة حصار النبي ﷺ والمسلمين في شعب أبي طالب، وقصة الهجرة للحبشة، ووفاة زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، وهجرته ﷺ إلى المدينة، وزوجاته اللائي أنعم الله عليهن بصبحته ﷺ، والعيش في كَنفِه.
   
القسم الرابع: وذَكَرَ فيه جهاد سيّدنا رسول اللهﷺ في سبيل الله؛ لردِّ اعتداء المُعتدين، وسراياه التي باركها؛ فأمده الله بنصره ومدده.

والمطالع لهذا القسم من الكتاب تتجلى له شجاعته ﷺ، وبركته، ورحمته ورأفته بالمخلوقات والكائنات، من إنسان وحيوان ونبات وجماد.

القسم الخامس والأخير من الكتاب: عَنوَن له بعنوان: (الشمائل ونحوها).

وفيه خلال النبي ﷺ، وصفاته الخُلقية والخِلقية، وبعضًا من دلائل نبوته ومعجزاته، التي يعجز عن مثلها البشر، كمشي العذق إليه، وانقياد الشجر له، وبركة غرسه، وبركة طعامه، وبركة دعائه، وبركة نفثه، وطيبه بالطيب وبدونه، وصدق خبره على الوجه الذي أخبر به في حياته، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى.

وخَتَمَ كتابه -رحمه الله- بذكر خبر وفاته ﷺ، وآخر كلامه للناس، وعمره حين توفي ﷺ، وصفة غُسله، وقبره، وهيئة دفنه، وعِظم المصيبة التي نزلت بالمسلمين بوفاته ﷺ. 

فهذا الكتاب يُعَدُّ بذاته مكتبة إسلامية زاخرة، تُحيي الإنسان في رحاب هدي خير البرية ﷺ؛ وتعرّفه جوانب شخصيته المعصومة ﷺ؛ فيؤمن عن يقين برسالته، ويتخلق بخلقه، ويمتثل أمره، ويجتنب نهيه، ويحبه حقَّ المحبة، ويحيا بسيرته العطرة، وسنَّته المُطهَّرة.