الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد الغنام يكتب: الإرهاب والتوظيف السياسي

صدى البلد

ما حدث في فرنسا مؤخرًا  من قطع رأس أستاذ التاريخ من قِبل  مسلم شيشاني لا يعرف احد إلي من ينتمي وإلي أي مذهب وما الديانة التي تحثه علي فعل هذا الجرم والذي لا تقبله الانسانيه ولا تقبله الاديان السماويه إنّما يندرج ضمن الجريمة البشعة، التي لا يتحمل مسؤوليتها إلاّ القائم بها.


ولكن مع الأسف ما نلاحظه أن هناك إصرارًا على الربط بين الإسلام والإرهاب، فقط لأن المجرم حامل للديانة الإسلامية وهل هذا مبرر كاف لكي ندرج الاسلام والمسلمين حول العالم تحت الارهاب الديني ولكن هي مسميات لا اساس لها من الصحة فالإرهاب لا دين له ولا دولة.


يبدو لي أن المأزق العالمي الإنساني بدأ مع رواج مفهوم الإرهاب الذي أصبح يعني الجريمة الدينية أو العنف باسم الدين، في حين أن أصل معنى الإرهاب لا صلة له بالدين تحديدًا.


وهكذا نفهم الخطاب  الذي ظل يحوم حول مفهوم الإرهاب الذي لا يخلو من توظيف سياسي ومن موقفه من الإسلام بشكل خاص.


المشكل أن الالتباس المقصود تمت مواجهته من طرف معظم النخب بنوع من السلبية والاستسلام، والمشكله الأكبر أن النخب التنويرية العلمانية في المجتمعات العربية والإسلامية وقعت في الفخ المراد من الالتباس الموجه.


ورغم أن هذه النخب تعرف أن النص شيء والتأويلات شيء آخر، وليس موضوعيًا أن يتحمل النص وزر التأويلات المنحرفة والمريضة، فإن الكثير من المثقفين العرب يمارسون الربط نفسه، أو لنقل إنّهم يُبررونه ويقدمون حججًا تفيد الدعوة إلى «الجهاد» وغير ذلك، ويتغافلون عمّا يُسمى أسباب نزول الآية والظرف التاريخي الذي وردت فيه فالدين الإسلامي لا يحض علي العنف أو القتل بل التروي والصبر وحسن الظن.


كما أن الاستمرار في هذه الرؤية وإشهارها في لحظات تأجج الرأي العام الدولي لا يزيد إلا الالتباس تعقيدًا، وهذا أمر ليس في صالح أي طرف بقدر ما يمثل مصدر استمرارية لمثل هذه الجرائم التي تتخذ من الدين سببًا وذريعة للتغطية عن الأسباب الحقيقية التي قد تكون مرضًا نفسيًا لدى القاتل أو أنه يعاني من تهميش اقتصادي، أو تعرض لغسيل دماغ ويخدم مصالح الشبكات «الجهادية» التكفيرية، التي هي أصلًا تم بعثها وتمويلها وحمايتها دوليًا كي تصنع الالتباس حول الإسلام، وتزيد في إضعاف المجتمعات الإسلامية.


كل العمليات التي سميت إرهابًا هي جرائم يعاقب عليها القانون، ولكن تخصيصها بقاموس خاص هو ما زاد في تنامي هذه الجرائم الدينية والالتباس؛ ذلك أن توصيف حادثة ما بكونها جريمة، ينزع عنها الآيديولوجي ومواضيع الصراعات المعروفة، في حين أن الإرهاب مفهوم يتطفل على عالم الجريمة ويجرفه نحو التوظيف والتوجيه وينتقل به من مجال الفرد إلى مجال المجموعة.


فالحديث عن الجريمة يستلزم مجرمًا، والحديث عن الإرهاب يستهدف مجموعة وطائفة ودينًا والمنتمين لذلك الدين.. والمزعج في هذه الالتباسات هو الزيغ عن حقيقة المشكلة الأصلية والانحراف بها إلى معانٍ ومقاصد تمثل بدورها نواة ظهور جرائم أخرى يثأر فيها ضحايا ممن شملهم الزيغ بالأحداث من معنى الجريمة إلى معانٍ أخرى.


لقد حصلت منذ أشهر مضت عمليات إبادة للمصلين في المساجد قام بها حامل للديانة اليهودية وحينها انخرط الخطاب العالمي بلهجة لينة في حديث عن الإرهاب وفكرة أن الإرهاب لا دين له.


وفعلًا الإرهاب لا دين له ولا ثقافة له، هو سلوك إجرامي يجب أن يقاوم من منطلق كونه جريمة، وتتصدى له المجتمعات كما تفعل بالنسبة إلى جرائم الاغتصاب والقتل والخطف.


ربما نحن بحاجة إلى مدونة خطاب دولي تولي أهمية لمفهوم الجريمة وتتحاشى تفاصيل ديانة مرتكب الجريمة، وقد تكون هذه الطريقة ناجحة من ناحيتين، الأولى فك الارتباط بين الدين والجرائم، والناحية الثانية إعادة تشكيل فكر الآخر الذي بات عنده الربط بين الإسلام والإرهاب آليًا وأصبح أمرا مسلما به بأن اي جريمة تحدث في بقاع الارض لابد وان تلصق إلي الاسلام والاسلام منهم براء. 


وفي مقابل هذا الالتباس ماذا فعلت نخبنا ومؤسساتنا من أجل تبديد هذا الالتباس وتخليص الأديان من هذا التوظيف المضر للعالم جميعًا قاتلًا وضحية؟.


لم نفعل ما يجب، ولم نفعل حتى القليل من الكثير الذي يجب أن نقوم به، مجتمعاتنا تعاملت بإيجابية مع ظاهرة الإسلام السياسي، الذي زاد في الالتباس وزاد في استعمال الدين، وهي أحزاب جعلتنا نعود إلى الوراء في كل شيء.


من ناحية ثانية هناك انغلاق غير مبرر في مدارسنا وجامعاتنا، ولم نهتدِ بعد إلى الانتباه إلى الأديان ونشر القيم الدينية الإنسانية التي تسهم في تنشئة الناشئ وفق مضامين الإنسانية والخير واحترام الآخر والعقل.


ولقد آن الأوان كي تنفتح مدارسنا على الأديان وتدرسها من الزاوية التاريخية الموضوعية والتركيز على «القيمي»، الذي يتعاضد مع الحوار والتسامح والقبول، كما أن النخب التنويرية بدل المشاركة في الالتباس والخطاب المنحرف حول الإسلام، فإن دورها هو التمييز بين النص والتفسيرات وتنزيل النص الديني في سياقه وإطاره.


فما تعرض له أستاذ التاريخ الضحية هو جريمة، والإسلام الذي بوأ العلماء منزلة عالية بريء من هذه الجريمة وغيرها، لنحاول التركيز على خطاب الجريمة من دون سواه، ونخلص كل هذه الجرائم من تفاصيل الهوية الدينية وأن نخرج وننحي الدين جانبا عن اي جريمة تحدث «ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».