الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هبة عثمان تكتب: تداعيات تطور الوضع في القرن الإفريقي

صدى البلد

أعلن مكتب رئاسة الوزراء الإثيوبي في السابع من ديسمبر الجاري انتهاء العمليات العسكرية في إقليم تيجراي، مضيفا أن المهمة تتركز الآن على إيصال المساعدات الإنسانية للسكان، كما تعهدوا بتأمين وصول المساعدات الإنسانية لمواطني الإقليم وإعادة توطين من أجبروا على عبور الحدود. (بحسب وصفهم).
هذا بعد أن حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأن 100 ألف من اللاجئين الإريتريين الفارين (إما من التجنيد أو الملاحقات الأمنية أوالفقر...) كانوا يعيشون في مخيمات في شمال إقليم تيجراي الإثيوبي الذي شهد نزاعا عسكريا مؤخرا بأنهم يعانون من نفاذ المواد الغذائية، هذا بخلاف ما يعانية سكان تيجراي الأصليين، فطبقًا لإحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن حوالي 600 ألف فرد من سكان التيجراي يتلقون بالفعل مساعدات قبيل اندلاع القتال الذي بدأ منذ شهر تقريبا بين قوات الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
تأثير التوترات الإثيوبية على السودان 
وعلى اثر هذه العمليات العسكرية شهدت الأسابيع القليلة الماضية نزوح حوالي 50 ألف لاجئ من منطقة تيجراي في شمال اثيوبيا إلى منطقة "القضارف" شرق السودان، ذلك البلد الذي يعاني من الركود الاقتصادي فتشكلت بذلك ضغوط جديدة تضاف إلى قائمة تحديات الحكومة السودانية، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية في خضم جائحة "كوفيد 19"، هذا بالإضافة إلى أزمة الجوع والجراد والفيضان.
إن تداعيات هذة العمليات العسكرية قد تلقي بظلالها على دول الجوار في منطقة القرن الأفريقي، بل وربما ابعد من ذلك، حيث أن نزوح تركيبات إثنية ذات تداخلات عرقية وأخرى متصارعة قد يضفي إلى تحول ديمغرافي في المنطقة. وخاصة مع توتر العلاقات بين إريتريا والتيجراي بعد اتهام الأخيرة بمساندة آبي أحمد ضدهم.
فبخلاف الصراعات القائمة بين القبائل السودانية والتي قد تتزايد وتيرتها بعد نزوح الآلاف، فقد تؤول الأحداث إلى اندلاع مناوشات إثنية (عرقية) خاصة وأن الخرطوم لاتزال تعاني من صراع سياسي ذي طبيعة قبيلة. والتي قد تؤول إلى زيادة نزوح اللاجئين إلى منطقة الخليج العربي عبر جيبوتي الواقعة على مضيق باب المندب ومنها إلى اليمن، وربما يستغل الحوثيون هؤلاء الشباب لتجنيدهم كمرتزقة في الحرب القائمة باليمن ضمن مليشياتهم المسلحة.
تأثير التوترات الإثيوبية على الصومال 
إن انسحاب القوات الأمريكية من الصومال بقرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطار خفض القوات الأمريكية على مستوى العالم سيكون له تأثير سلبي على الوضع الأمنى في البلاد وربما على المنطقة بأكملها، حيث أنها تقوم بمهام مختلفة ولها قواعد عديدة في أكثر من مكان، وتساهم في الحرب ضد تنظيم حركة الشباب المتطرفة وفرض السيطرة عليهم، وبالتالي فإن انسحابها سيكون له تداعيات سلبية على مسار الحرب ضد هذا التنظيم الذي مازال يتمتع بنفوذ كبير في أكثر من منطقة استراتيجية في جنوب ووسط الصومال، آخذين في الإعتبار المساعي التركية الطامعة لبسط نفوذها في الصومال على غرار ليبيا. 
وقد تستغل حركة الشباب المتطرف اختلال الأوضاع في إثيوبيا للثأر من الجيش المركزي الإثيوبي مستغلة حالة الإنقسامات الداخلية للجيش، كما أن وجود جماعات مسلحة وفقر بالغ وفصائل متصارعه كلها عوامل تشكل بيئة خصبة لنمو آفات إجتماعية متطرفة، وتهيئ المناخ لنشوب توترات متسارعة.
وفي ظل تطورات الأضاع فقد زادت تركيا من تدخلاتها في الصومال بإبرام عقد إمداد لناقلات جنود مسلحة للحكومة الصومالية مؤخرا، هذا بإضافة إلى قاعدتها التي أنشأتها في 2016 في مقابل موافقة الحكومة الصومالية على قيام شركة النفط والغاز التركية بالتنقيب عن الطاقة أمام السواحل الصومالية. وقد بدأت تركيا بالاستفادة من هذه القاعدة في نقل عدد من الضباط الصوماليين الذين تم تدريبهم فيها للقتال في ليبيا، إلى جانب القاعدتين التركيتين في قطر لتدريب المرتزقة والميليشيات، هذا وتسعى تركيا مؤخرا لإيجاد موطئ قدم لها في اليمن لبناء قاعدة عسكرية جديدة.
وفي هذه الأثناء تخطط روسيا لإنشاء قاعدة بحرية في "بورتسودان" بالبحر الأحمر.
تأثير توترات القرن الأفريقي على مصر 
إن مصر تخوض معركة دبلوماسية شاقة مع الجانب الإثيوبي الذي يظهر تعنتا مستمرا يعوق الوصول إلى إتفاق ثلاثي مشترك لحل أزمة سد النهضة. وإستمرار توترات الأوضاع في إثيوبيا قد تستغله حكومة آبي أحمد لتعطيل مفاوضات سد النهضة، وذلك قد يؤدي إلى تجميد المباحثات بسبب عنصر الوقت قبل البدء بعملية الملء الثانية للسد في شهر يوليو القادم.
كما أن التواجد التركي في الصومال والذي يعد أحد مصادر انتاج المليشيات المسلحة في المنطقة، يلقي بتبعات خطيرة على الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر، لذا تحتم على مصر مواجهة تلك التحديات ببعض الإجراءات لتأمين المنطقة، منها على سبيل المثال:-
انشاء  قاعدة "برنيس" أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا لحماية وتأمين السواحل على البحر الأحمر، وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية، وتأمين حركة الملاحة العالمية من البحرالأحمر حتى قناة السويس والمناطق الإقتصادية المرتبطة بها.
 كما سعت لتأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ويضم (مصر-السعودية -اليمن-الصومال-السودان-الأردن-إريتريا-جيبوتي) والذي تأسس في  يناير 2020.
إن تداعيات تطور الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي تتسارع في اتجاهات متعددة وكل المؤشرات تشير إلى حالة من التجاذب والتضاد بين قوى الشر التي تسعى لتأجيج الصراعات وإثارة المنطقة وسرقة ثرواتها، وبين قوى الخير التي تعمل على تهدئة الأوضاع لخلق مناخ صالح للتعاون والتنمية.