الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طلاق مبكر.. لماذا ؟


كان أستاذي عاصم حنفي الكاتب الصحفي الكبير خلقا ومهنية مهتما وبارعا جدا في دراسة الإحصائيات التي تعدها الجهات الرسمية عن مجمل الأوضاع في مصر سواء السياسية او الاقتصادية أو الاجتماعية أو  المواليد وعدد السكان حتى مختلف الأحوال في القطاعات الهامة ، وبدأ شغفي بالأرقام والإحصائيات ودراستها انطلاقأ مما تعلمته من استاذي ، وكان هو أحد أقطاب مجلة روزاليوسف العريقة  بالإضافة لعمله في جريدة الأهالي والتي تعلمت وعملت فيها على يد اساتذة عظام، مثل الاستاذين الراحلين الكبيرين حسين عبد الرازق وصلاح عيسي، وكنت محررا بها وذات يوم طلبت مساعدة استاذي في وضع محاور لتحقيق صحفي عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية ، حينها ربت على كتفي وقال  هاجيبلك يا نجم أرقام وإحصائيات اشتغل منها .  


كنت لازلت في بدايات العمل ولم أكن أعرف معنى وأهمية الإحصائيات ، وصبيحة اليوم التالي أكرمني بعدة أوراق بها نسب وأرقام قائلا :  اشتغل من الأرقام دي وتعالي بلغني فهمت إيه . عكفت في مكتبي أحاول أن أستنتج محاور وأسبابا لأخلص بنتائج . لكن أعترف أني لم استطع . وتعجبت كيف توضح تلك الأرقام أحوالنا السياسية والاجتماعية ، وهداني تفكيري لمصارحته بعدم قدرتي على قراءة ودراسة الإحصائيات والأرقام ، وحين أبلغته بقلق خشية إحراجي . كانت ابتسامته الرقيقة كفيلة بتهدئة روعي . ثم دعاني لمكتبه حيث فنجان قهوة عم عبده ( الله يرحمه) . وتعلمت على يديه أهمية الأرقام والإحصائيات ، وبدأ شغفي وولعي واهتمامي بها ودراستها منذ ذلك الحين ..


ومنذ ساعات قليلة كنت أتصفح بعض المطبوعات التي وصلتني ووقع تحت بصري إحصائية عن نسب الطلاق المبكر  والتي أشارت النسب المئوية فيها إلى ارتفاع معدل الطلاق بين الشباب حديثي الزواج وهو ما يعرف بالطلاق المبكر ، وبمقارنتي للبيانات الأولية لنشرة الزواج والطلاق العام الماضي ومنتصف العام الحالي ، أوضحت النسب تراجعا كبيرا في عدد عقود الزواج هذا العام ، ربما يعود ذلك للظروف التي تمر بها البلاد بل والعالم أجمع ، وبرغم أن النسبة المئوية للتراجع في عقود الزواج قلت حوالي 4% إلا أن تحويل النسبة المئوية لأرقام قد يفزع المتابعين ، كذلك ازدياد نسب الطلاق المبكر والذي اختلفت اسبابه طبقا للإحصائيات بنسب متقاربة وتفاوتت الأسباب بين بخل الزوج أو الخيانة وعدم قدرة أحدهما على الإنجاب وعدم التوافق الفكري والنفسي والتغيرات التي طرأت على الزوج للعكس بالمقارنة بفترة الخطوبة ، وأسباب مختلفة أخرى، وقد تكون من الزوجة الشابة نفسها ولكنها قلة في الإحصائيات ، فمن الثوابت أن العلاقة الزّوجية تعد بناء جديدا يجب ان يكون على أساس متين لروحين متقاربين في التفكير،  وأن ينشأ بينهما احترام متبادل يقدر فيه كل منهما الآخر، ويراعى فيها الزواج ثوابت تكاد تكون أسسا تسير عليها الحياة الزوجية، أولها احترام كيان الأنثى وتقدير مشاعرها وتقدير واحترام حياتها السابقة واحترام العائلة التي خرجت منها، وإثبات الزوج القدرة على تهيئة المناخ الصحي لبناء عش سعيد تشارك فيه الزوجة بإخلاص وصدق . 


ولاشك ان قيام الزوج بمسؤولياته الأساسية في الإنفاق على الزوجة وعدم البخل في مسؤولياته تجاه منزله تعد لبنة أساسية لبناء بيئة زوجية صالحة ، فالزوج البخيل هو أقسى ما تكرهه المرأة ولا تطيقه مهما تعايشت معه لأن البخل ليس ماديا فقط لكنه يندرج إلى بخل المشاعر  والأحاسيس أحيانا يشعر الزوج الشاب بأنه امتلك زوجته بمجرد زواجه منها ظنا منه أنها اختارت وكتبت نهايتها معه بالزواج منه  وأنها مضطرة لأن تعيش معه . فيهمل مشاعرها و التحاور معها والإنفاق عليها ولا يوفر متطلبات المنزل إلا بالكاد ويراقب ما يوفره ويشعرها بأنها مسرفة ويحاول ان يقلل من قيمتها بالرغم من أنه يعلم أنها أفضل منه في كل شيء. يحاول أن يعد عليها طعامها كما يقولون ويفتش في أغراضها الخاصة وحتي ثلاجتها ولا يوفر لها أدنى متطلباتها الإنسانية . 


حينها تنعدم  المحبة وتسود العلاقة الزوجية ريبة التفكير في الخلاص من الزوج البخيل الذي يتصور بأن زوجته لن تقوى على البعد عنه لكنها في الحقيقة تصبر بحكم التربية حتى تصل إلى قرار الخلاص منه ومن حياته الكئيبة بقناعة أنها فعلت معه الكثير، لأن الحياة الزوجية إذا لم تنشأ فيها روح التفاهم والمودة يكتب لها الانفصال. وهنا يكون الأبناء هم  الضحية و الذين يكتب لهم التشرد النفسي في معظم الأحوال ، ولعل من أهم أسباب الطلاق المبكر هو الفهم الخاطئ لمفهوم الرجولة عند بعض الشباب والذي يعتقد فيه الزوج الشاب أن تعلية الصوت والعناد واتخاذ قرار عكس رغبة زوجته أو إحراجها أمام الآخرين أو عدم تلبية طلباتها يعتقد الزوج الشاب انه بذلك بلغ مرحلة الرجولة التي يفعل فيها ما يريد لكنه على العكس يكون قد بلغ أقصى مراحل الضعف في شخصيته ويريد إثبات نفسه من خلال طيبة زوجته أو عدم رغبتها فضح تصرفاته العشوائية وغير المسؤولة أمام عائلتها ولكنه من الممكن أن يتمادى في خياباته ويفيق على كره زوجته له ولرائحته العفنة . 


أحيانا ترتكب الأسرة خطأ كبيرا بعدم السؤال عن عريس ( الغفلة ) وهو الذي يهبط عن طريق الأصدقاء أو الجيران ولا تهتم الأسرة بالسؤال عنه ولا تصرفاته وعلاقاته فيحدث ما لا تحمد عقباه ، كثيرة هي الأسباب والتي لن يتسع لها مقال واحد لكن الحقيقة أنه إذا تصور الزوج الشاب أنه امتلك حياة زوجته الشابة بعد الارتباط بها مما يجعله يفعل معها ما يريد فهو اعتقاد خاطئ وضعيف ، لأن بنت الجيل الحالي تتحلى بكرامة وعلم وأصول من تربية قوية لعائلتها وفي لحظة تبيعه في سوق الطيور بأبخس الأثمان ، الحياة عبارة عن زوج رشيد وزوجة حكيمة تسير في طريق السعادة ولابد أن يتعامل الزوج الشاب مع زوجته بحنان ورقة وألا يحاول إثبات انه رجل امامها وأن يحترم تفكيرها ولا يحاول التقليل من شأنها أمامه ولا أمام الآخرين وأن يراعي فيها الله في كل تصرف، حينها تعيش معه زوجته حياته المادية بتقلباتها في منتهى السعادة .


عزيزي الزوج الشاب.. كن رجلًا  لزوجتك.. ولا تكن رجلا على زوجتك.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط