الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مدرسة «وحيد حامد»


أحيانا تحتار الكلمات وتعجز عن التعبير عند ذكر اسم "وحيد حامد" .. فهو لم يكن فقط أحد العلامات فى الفن وصنعة الكتابة والتأليف .. ولم يكتسب سمعته وقيمته لمجرد ارتباط أعماله بنجوم كبار ورموز فى السينما والدراما، وإنما روعة قلم "وحيد حامد" تكمن فى اختلافه وتنوع نبراته ما بين النقد والتشريح السياسى لكل عصر من العصور فى جرأة وشجاعة وعمق، وانغماسه فى الواقع لرصد هموم ومعاناة المواطن البسيط المقهور، وأيضا نجده لونا ناعما ينطق بالرومانسية وينبض قلمه بالحب الناضج والمشاعر الصادقة لتتجلى فى "ساعات سفر" وحوار عذب وبالغ الرقى والشجن بين  حبيبى الماضى!.

أجمل ما فى قلم "وحيد حامد" هى عباراته المرسومة داخل نسيج سيناريوهات أفلامه على نحو يصعب نسيانها أو حتى عدم التفكير فى دلالاتها ومعانيها الفلسفية والإنسانية .. فمن أوراق "حامد" خرجت عشرات الأفكار الخصبة والرسائل السياسية والاجتماعية على لسان أبطال قصصه المتجاوزة للخطوط الحمراء .. شاهدنا معه مأساة "البرئ" أحمد سبع الليل فى معسكرات التعذيب التى وصمت العهد الناصرى، و"كشف المستور" عن أساليب تجنيد النساء فى مهمات أمنية قذرة تحت غطاء "حماية الوطن"، ولمسنا الخيط الرفيع بين "الراقصة والسياسى" الذى يتحكم فى مصائر وأحلام الفقراء، ونزع القناع عن وجوه رجال الأعمال القبيحة من خلال رحلة مكوكية بسيارة أجرة للأسطى رضا فى "الدنيا على جناح يمامة"، وهبط بنا إلى ساحة ملاعبنا الرياضية مع الصعيدى الساذج "شحاتة أبو كف" ليفضح ممارسات الأجهزة والأندية التى تهدم الموهبة وتقتل الإرادة، ودخل حديقة الحيوان مع المدرس المثقف فرجانى وخرج معه يبحث عن تلميذته المفقودة بمعاونة وشهامة مجموعة من مجتمع "العالم السفلى" ليتيقن من أن الخير أصيل وأن الشر هو الدخيل .. ومع كاميرا "المصوراتى سيد الغريب" الشريف يكافح قلم وحيد حامد من أجل "الصورة الحلوة" للتغلب على أشياء ومظاهر كثيرة كاذبة فى حياتنا، ونزع الكآبة والحزن من صدورنا، ومن منطق الأب المؤمن بالحب والمتمسك بشرفه واستقامته نتعلم منه الكثير ونقف له تبجيلا واحتراما .. وأصابنا الأرق وإجهاد النفس بصحبة "معالى الوزير" وماتحت جلده من بقايا إنسان وبراءة تلوثت بالشر والورم الخبيث!.

أما تجارب "وحيد حامد" مع الزعيم عادل إمام فهى ملف شديد الخصوصية لأنها صنفت نجم الشباك فى منطقة تاريخية نادرة جمعت بين  الذكاء التجارى والرسالة السينمائية .. وسر الخلطة السحرية يتجسد فى قلم يبحر فى أعماق شبكات "الفساد السياسى" ويربط بينها وبين أفكار وأجندات التطرف والجماعات الإرهابية، ومن الصراع على السلطة يدفع الثمن البسطاء والشرفاء والكادحون .. غرقنا فى أحلام العاطل "حسن بهلول" لمقاومة مافيا الكبار .. وجرى اعتقالنا داخل مجمع التحرير مع "المواطن العادى" أحمد بتهمة الإرهاب والفائز بمطلب "الكباب" وفى كل دقيقة تمر تتفجر قضايا وقنابل موقوتة عن صور القهر والظلم .. وصعدنا مع المحامى الثعلب فتحى نوفل وصديق شبابه "على الزناتى" لنرى "طيور الظلام" وهى تحلق فى سماء النفوذ والمال، وتحتها صديقهم الثالث الشريف متشبثا بمبادئه ودخان غضبه .. واصطدمنا بكابوس مخيف فى ليالى قتل جماعى مع ظهور حالة عامة من العجز الجنسى وعدم القدرة على ممارسة المتعة اللذيذة، وفى كل لحظة درامية من أيام "النوم فى العسل" تتوقف وتتأمل عبارات وجمل "وحيد حامد" المؤلمة!.

وعندما لحق قلم "وحيد حامد" بقطار الدراما التليفزيونية حجز لنفسه المقعد الوثير فى الدرجة الأولى بتفاصيل "العائلة" ذات الجذور والأصالة، وأرض "البشاير" الخصبة بالقيم والإخلاص، وفلسفة "سفر الأحلام"، والحنين إلى "آوان الورد" لزرع الحب ونزع الكراهية والتعصب بين الأديان، واقتحام مغارة "الجماعة" المظلمة وعالمها الملئ بالأسرار والصناديق السوداء وكيف استطاعت أن تنمو وتكبر وتتوحش أذرعها مستغلة الاحتقان السياسى والفراغ الثقافى وفقر وجهل الشباب .. ومثل هذه الموضوعات والعناوين الضخمة تحتاج إلى قلم فى وعى وذكاء ورشاقة "وحيد حامد" لصياغة أبعادها ورسم حقائقها.

ولايغادر فارس "الكلمة الحرة" مكانه إلا وشاهرا سيفه على خشبة المسرح ببصمة وحيدة ومؤثرة .. بصمة من حوافر "حمار جحا" الذى استقر  فى العصر الحديث، ووضع ملك النوادر والفكاهة الساخرة على رأس السلطة والشعب .. وقضينا ساعات مع "جحا يحكم المدينة" وبعدها يقرر الرحيل عائدا بحماره الأصيل إلى زمن وعهد يحمى الأمم ويبنى أجيالا تتقن العمل وتنبذ الفساد والكسل!.

‫-‬ بصراحة وببساطة .. حدوتة "وحيد حامد" مثيرة ومتجددة .. ويكفى أن تستدعى مشاهد كتبها أو عبارات شكلها أو جمل سحرية نطقت بها شخوصه حتى تعيد التفكير .. ولتقرأ مقالا له أو حوارا صحفيا أو مقابلة تليفزيونية فتكتشف تحريضا مُذهلا على التغيير والثورة على الأوضاع المشبوهة، وتحصل بين يديك على روشتة علاج مجانية لأزماتنا السياسية وأمراضنا الثقافية والاجتماعية المزمنة .. إنها مدرسة "وحيد حامد" التى أنتجت فنا ودراما ووعيا سياسيا ثاقبا، فهل تغلق أبوابها برحيل ناظرها المُعلِّم .. أم أن للمدرسة تلاميذ وروافد يستطيعون استكمال المشوار واسترداد هيبة وتاج "المؤلف الموهوب"؟!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط