الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: رُبَّ صُدفة!

صدى البلد

عندما تستمع إلى المطربة ميادة الحناوي تتغنى قائلة:
((أنا أعمل إيه لمّا تنده لي عينيك...وأمّا أحسّ بدقّ قلبي لمّا إيدي تلمس إيديك
وأمّا كلّ الدنيا تسكت إلاّ صوتك...أسمعه بقلبي أسمعه وحدي لمّا يهمس اسمي
وأمّا أغمّض عالهوى لا الناس تشوفه... في عينيّ يفتن عليّ ... وتوبة توبة 
ياما قالوا من الحب توبة... ورجعوا تانى قالوا فيه شعر وأغانى
بس اعيش الحب نوبة... يا زماني وقسمتي مستنيانى
نفسي أغني للفرح مرة...نفسي يجي هناي بكرا...))

وتتمعن في هذه الكلمات العذبة الممزوجة برقي الإحساس ودقة المعاني البسيطة ومَن كتبها تجد أنه شاعرنا الجميل سيد مرسي الذي دخل إلى مجال تأليف الأغاني لمشاهير المطربين وعمالقة التلحين عن طريق (جيب بنطلون)!

فللشاعر سيد مرسي قصة غريبة لا يعلمها الكثيرون، فقد بدأ حياته كموجي وقد ربطته قصة حب بإحدى الخادمات التي كانت تعمل عند الشاعر "مأمون الشناوي"، وفي أحد الأيام ارتدى مأمون أحد بناطليه متأهبًا للخروج وعندما وضع يده في جيب البنطلون وجد قصاصة ورق ففتحها فإذا به يقرأ ما هو مكتوب فيها: 

((ع الحلوة والمرة... مش كنا متعاهدين
ليه تنسى بالمرة... عشره بقالها سنين
نسيت خلاص حبنا... ونسيت ليالينا
ونسيت كمان ودنا... ونسيت امانينا
يا ناسي عهد الهوى ليه تنسى ماضينا
حرام عليك كل ده... شمتهّم فينا
راح تنسى كام مرة... وتسيبني كام مرة
وتفرح اللايمين))

فاستغرب من رقة وجمال الكلمات وأنه لم يقم بكتابتها رغم وجودها في طيات ملابسه، فسأل الخادمة فاعترفت له أن المكوجي سيد هو الذي يرسل لها هذه الأشعار.

كان مأمون الشناوي شخصية متفتحة ومتصالحًا مع نفسه منكرًا لذاته، بالإضافة إلى حسه الفني والثقافي المتذوق للكلمات الجميلة فعرض الكلمات على الموسيقار محمود الشريف فأعجب بها وقرر تلحينها بعدما أرسل مأمون الشناوي الخامدة لاستدعاء سيد مرسي للقائه في وجود الموسيقار محمود الشريف وأعطيت الأغنية بعد تلحينها للمطرب عبد الغني السيد الذي غناها في الإذاعة، وقد لاقت الأغنية نجاحًا كبيرًا وأشاد بها الجميع إلى يومنا هذا.

بعدها انطلق سيد مرسي في مشواره الفني حيث ارتبطت كلماته بكبار الملحنين كالموسيقار بليغ حمدي والعديد من مشاهير المطربين والمطربات كوردة الجزائرية وميادة الحناوي وعفاف راضي وفايزة أحمد وغيرهم.

ويكفي أن تستهويك إحدى الكلمات البسيطة الرقيقة في أي أغنية من الأغاني الشهيرة الجميلة فتجد أن مؤلفها بكل بساطة هذا العبقري سيد مرسي
وفي قصة هذا المبدع دروس كثيرة، أولها أن الإبداع لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا مستوى معيشي، وأن إنكار الذات وإفساح المجال للمواهب الجديدة كانت من السمات النبيلة التي تحلى بها عظماء المثقفين والكتاب والفنانين المصريين في الحقبة الذهبية لهذا الفن الذي شكّل البناء القوي لقوى مصر الناعمة التي أثرت في محيطها العربي آنذاك وامتدت إلى زمننا الحالي.

واليوم في عيد الحب في الرابع عشر من فبراير الذي أصبح ذكرى للرومانسية وإعلاء قيمة الحب، نتذكر كلمات المبدع سيد مرسي الذي قال عنه الصحفي الكبير "محمود عوض" أنه لو كان نال قدرًا كافيًا من التعليم لكان الأول بين مؤلفي وكتّاب الأغنيات على مر التاريخ الحديث ولكنه برغم عدم تمكنه من ذلك كان يكتب أرق الكلمات المعبرة عن حالات الحب المختلفة.

ولا تزال مصر تدهشنا بمبدعيها وفنانيها المتميزين وهي لا تبخل في إنجابهم إلى الحياة من مختلف المستويات على أرضها الطيبة البهية لتثري بهم حياتها وتضيء بنورهم ظلام العقول وتلهب بدفئهم برد القلوب.