الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صحح مسيرة قلبك مع الله

علي جمعة: الدنيا إلى زوال ..واليقظة بداية الطريق

إزالة الصفات الذميمة
إزالة الصفات الذميمة من قلوبنا

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق إن الله سبحانه وتعالى قد خلق ابن آدم وجعل له قلبًا، فيقول رسول الله ﷺ وهو يعلِّمنا: «إن لله تعالى آنيةً من أهل الأرض، وآنيةُ ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبُّها إليه ألينها وأرَقُّها» (رواه الطبراني عن أبي عنبة).

وأضاف علي جمعة عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن الله منع بحكمته أنواره عن قلوب بني آدم طالما احتوت على شيء من الصفات الذميمة والتي وضحها سبحانه في قوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ).

وأشار علي جمعة إلى أن الله عز وجل أمرنا أن نزيل الصفات الذميمة من قلوبنا، ونخليها لتبقى معلقة به سبحانه لا تتعلق بسواه، يقول رسول الله ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ..» إلى آخر الحديث (متفق عليه واللفظ للبخاري).

وأوضح علي جمعة أنه كما أمر ربنا نبيه ﷺ بهذا البلاغ، فيبدأ آياته فيقول: (قُلْ)، وقد ذكرها في القرآن أكثر من ثلاثمائة مرة وهو يأمر نبيه بذلك الفعل ليبلغ عنه سبحانه وتعالى ما يريد أن يقوله لعباده، دلالة على أن هذا القرآن العظيم من عند الله، لم يخترعه سيدنا محمد ﷺ ولم يأتِ به من عنـد نفسـه، ولم يـزد فيه حرفًا ولم ينقص، ودلالة على أننا معنيون كذلك ومأمورون بالبلاغ، وأن الأمر ليس خاصا برسول الله وحده، لكن كذلك بالمؤمنين به وأتباعه وورثته، وكل من تلا القرآن مؤمنا به، وكأنه نزل الآن إليه من ربه، فيقول سبحانه: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الفَاسِقِينَ) فأرشدنا إلى الخروج عن دائرة الفسق حتى نتعرض لهدايته سبحانه وننال رضاه.

أيها المؤمن، إن بداية الطريق اليقظة، فيجب أن تسارع وتستيقظ من غفلتك وتعلم حقيقة الدنيا وأنها إلى زوال، وأن تصحح مسيرة قلبك مع الله، وأن تبدأ بتخلية قلبك من القبيح استعدادًا لملئه بالصحيح، وأول ما تبدأ به أن تُخرِج من قلبك كل ما سوى الله عز وجل.

وليس أن تخرج الدنيا من قلبك -كما علمنا الله ورسوله- أن تدمرها، وألا تقوم فيها بشأن قد أمر فيه الله ونهى! بل شأنك فيها ألا يتعلق قلبك بها، وألا تكون أحب عندك من الله ورسوله، كما أنه ليس معنى أن تخرجها من قلبك أن توليها ظهرك؛ فكان من دعاء الصالحين: "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا"؛ فيجب أن نجعلها في أيدينا نستعملها لله وفي سبيل الله، بحيث لا تؤخرنا عن السعي إلى الله وعن الفعل لله وعن الترك لله؛ فإذا هي أخرتنا إذن فنحن من الخاسرين، ولابد من أن نعيد حسابنا مع أنفسنا حتى يكون هذا القلب بيتًا لله تدخله ملائكته وأنواره، وتتنزل عليه رحماته ونفحاته، ويسير أحدنا في حياته الدنيا مباركا من عند الله.

انخلع أيها الإنسان من نفسك ومن شهواتك ومن دنياك، لا بتركها إنما بعدم التعلق بها، وهو أمر عظيم يحتاج إلى خطوات، وإلى تربية، فلابد أن تربي نفسك وتدربها، والذي يساعدك على هذه التربية كثرة ذكر الله بالليل والنهار بكرة وأصيلا، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: إِنَّ شرائعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ به، قال: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» (رواه الترمذي في سننه).

والتخلية والتحليـة التي أمر الله بها من التأمل والتدبر، فيقول سبحانه وتعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) ويقول: (لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ).

ابدأ أيها الإنسان من اليوم بالتخلية، وهو أمر ليس بهيِّن؛ لأنه يحتاج إلى مراقبة النفس، ويحتاج إلى معرفة المفاهيم الصحيحة، ويحتاج إلى كثرة ذكر الله، ويحتاج أن تجعل لنفسك حصة من القرآن، وكان النبي ﷺ يكثر على صحابته من قوله: «جَدّدوا إِيمانَكُمْ»، قيل: يا رسول الله وَكيف نجدد إيماننا؟ قال: «أَكْثِروا مِنْ قَوْلِ لا إِلهَ إِلا الله» (رواه أحمد). ابدأ في نقل نفسك من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه، ولا تستقل هذا العمل؛ فإنك إن فعلت ذلك نوَّر الله قلبك وفتح عليك فتوح العارفين به، وأرشدك الصواب وعلَّمك ما الخطأ، وجعل لك فرقانا، ووقاك وكفاك وهداك؛ فاللهم يا ربنا اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.