EN 
مرور أكثر من ثلاثة قرون على أول بناء لمسجد السيد عبدالرحيم القنائي، زاده عراقة و أهمية لدى الكثير من محبى آل البيت و أبناء الطرق الصوفية المتعددة، فطقوس شهر رمضان الفضيل لا تكتمل لديهم إلا بالصلاة بين جدرانه العريقة و فى ساحته الفسيحة.
الظروف التى فرضها كورونا هذا العام، كان لها تأثير شديد على الطقوس المعتادة داخل مسجد القنائى، فلا وجود هذا العام لحلقات الذكر بين كانت تنتشر بين أروقة المسجد تعلم و تفقه الدين فى أمور دينهم، ولا جود لموائد الرحمن التى كانت تفترش مدخل المسجد.
المسجد كان ومازال مقصداً للقادمين إلى مدينة قنا، فالكثير منهم لا يمكن أن يبدأ مهمته سواء رسمية أو عائلية قبل زيارة مسجد القنائى وضريحه صاحب المسجد القابع داخل المسجد مع ضريحين آخرين، حتى أن معظم المحافظين الذين تولوا مسئولية قنا، لم يتسلموا مهام عملهم إلا بعد زيارة القنائى.
مسجد القنائى ذكريات و حكايات لا تنقطع، كونه المسجد الأول والأكبر فى محافظة قنا، لكن الذكريات فى شهر رمضان لها طابع خاص، يتجلى فى صلاة التراويح التى تختلف عن أى مسجد آخر سواء فى عدد ركعاتها التى كانت تصل لـ20 ركعة، أو القراء الذين يتم اختيارهم بعناية لإمتاع آذان وقلوب المصلين.
روحانيات المشهد الرمضانى الذى غاب بسبب ظروف فيروس كورونا، لم يمنع الكثير من محبى القنائى، من الحرص على أداء صلاة المغرب والعشاء ومن بعدهما التراويح داخل المسجد، آملين أن يعيشوا جزءاً من الأجواء الرمضانية الساحرة.
مكانة و أهمية مسجد القنائى، ليست دينية فحسب، لكنه حظى بمكانة تاريخية و سياسية، اكتسبها من قيمة و تاريخ صاحب المسجد، فضلاً عن موقعه الفريد الذى يتوسط مدينة قنا، فقد زار المسجد العديد من القادة والرؤساء على مدار المائة عام الأخيرة، فقد استقبل 3 رؤساء مصريين، فضلا عن الملك فاروق الذى وضع حجر أساس تجديد المسجد عام 1948 ليحظى من وقتها بمساحة شاسعة جعلته أكبر و أهم مساجد المحافظة.
وحول صاحب الضريح والمسجد قال الشيخ أحمد أبوالوفا" مدير إدارة الدعوة بأوقاف قنا"، عبد الرحيم القناوي عالم دين وتفسير يرجع نسبه ومولده إلى دولة المغرب، ولد في الأول من شعبان سنة 521 هجريه 1127 ميلادية، اسمه السيد عبد الرحيم بن أحمد بن حجون وينتهي نسبه إلى سيدنا الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، و تلقى العلم في جامع ترغاي الكبير بالمغرب على يد والده و كبار العلماء وذاع صيته بعد إلقاءه للدروس الدينية فى العشرين من عمره بعد إصرار من العلماء على استكمال طريق والده.
و تابع أبوالوفا، وعقب وفاة والده الذى حزن بشدة لوفاته، نصحه الأطباء بالابتعاد عن المكان، فتوجه إلى دمشق، قاصدًا أخواله هناك، ومنها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وخلال تواجده ببيت الله الحرام، ألتقى خلال فترة وجوده بمكة بالشيخ مجد الدين القشيري من مدينة قوص، والذى أصر على مرافقته معه إلى مدينة قوص وبعد ثلاثة أيام رحل منها إلى مدينة قنا واستقر بها وذاع صيته من أهالى المدينة وما حولها، واعتمد العالم الراحل على نفسه فى تدبير نفقات معيشته، فقد كان يعمل تاجرًا بجانب دوره فى توعية الناس بتعاليم الدين.
و أضاف أبوالوفا، تم تعيين السيد عبدالرحيم شيخاً لقنا بقرار من الوالى آنذاك وأصبح من ذلك اليوم يسمى بالقنائى، وكان له مدرسته الصوفية الخاصة التى تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها وتوفي الشيخ الراحل يوم الثلاثاء 19 صفر سنة 592هـجريه الموافق 23 يناير 1196 ميلادية بعد صلاة الفجر وعمره 71 عاما قضى منها 41 عاماً في الصعيد ليقام له أكبر مسجد وضريح بوسط مدينة قنا، والذى تحول فى الفترة الأخيرة إلى مزار يقصده آلاف المحبين والمريدين، و أصبح بداية شهر شعبان من كل عامًا موعدًا للاحتفال بالعالم الراحل و لمدة 15 يومًا تنتهى بليلة كبيرة تختلط فيها الاحتفالات الشعبية بالرسمية.
يذكر أن مسجد القنائى يعد من أهم المزارات السياحية و التاريخية بمحافظة قنا، فقد حظى بها على مدار التاريخ بداية من إنشائه فى عام ١١٣٦ هجرية و حتى إعادة بنائه وتجديده على يد الملك فاروق عام ١٩٤٨م بعد إزالة المبنى القديم الذى بناه الأمير همام بن يوسف، أمير الصعيد، كما شهد المسجد أعمال تطوير وتجديد من أهمها توسعة عام 2002، حيث تم إضافة ضعف المساحة له و إنشاء صحن أمامى غير مسقوف و بهو مقابل للمسجد، وفى عام 2004 تم تحويل دورات المياه القديمة الخاصة بالسيدات إلى مصلى للنساء و إنشاء أخرى حديثة، وفى عام 2006 تم استكمال سقف الصحن الخارجى، ولا تمر فترة إلا و يحظى المسجد بتطوير وتجديد داخل المسجد و خارجه.
