الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

الفرق بين الكمال والتمام، أن الكمال في الكيف بمعنى الإكمال نوعي، والتمام في الكم بمعنى الإتمام عددي: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً) المائدة 3، وقوله تعالى: (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، بمعنى فلا تعديل بالإضافة أو الحذف، بمعنى أن الدين قد تم وتمت القضايا التي عالجها الدين كماً، وقوله تعالى: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)، فلا زيادة أو نقص في الدين، بمعنى أن طريقة معالجة قضايا الدين كاملة نوعاً، وأن هذا الدين لا يتم الاستدراك أو التعقيب فيه على الله في أي شيء: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مريم 64.
لكن البعض يتحدث عن التجديد في الدين، والتجديد مطلوب لكي نبرأ الدين مما ليس منه، ولكن لا نضيف إليه شيئاً، ولا نحذف منه شيئاً، فإذا أضفنا كأننا نتهم الله تعالى بأنه أنقص شيئاً في الدين أكملناه نحن، وإذا حذفنا كأننا نتهم الله تعالى بأنه زاد في الدين شيئاً يجب أن نحذفه. 
ومعنى التمام هو فعل الشيء دون انقطاع: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) البقرة 187، بمعنى أن الصوم من الفجر إلى الليل مستمر وبدون انقطاع، وفي قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) القصص 27، بمعنى أن التأجير استمر من الثمانية إلى العشرة حجج بدون انقطاع، وفي قوله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) الأعراف 142، بمعنى أن الميقات استمر من الثلاثين الى الأربعين ليلة بدون انقطاع.
أما الكمال فهو إنهاء الفعل مع الانقطاع على مراحل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، فالإسلام بدأ مع النبي نوح عليه السلام، وختم مع النبي محمد عليه الصلاة والسلام، مع وجود فترات انقطاع بين الرسل، وفي الحج من يرتكب ذنباً فعليه صيام: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة 196، يوجد انقطاع بين الأيام الثلاثة والعشرة، ومن يفطر في رمضان أيام عليه أن يصومها بعد رمضان: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) البقرة 185، وفي قوله تعالى عن التمام والكمال: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) البقرة 233، فعملية الرضاعة متقطعة خلال الحولين، وعندما يبلغ الرضيع سنتين فإن الرضاعة تتم، ومهما رضع الطفل فهذا الرضاع ﻻ يبنى عليه أي حرمة، فالرضاعة تتم في سنتين، وهذا يعني أنه لا وجود لما يسمى بإرضاع الكبير فلا رضاعة بعد بلوغ السنتين.
وفي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة 3، نجد أن الإسلام وهو رسالة كل الرسل، قد بدأ مع النبي نوح عليه السلام، واكتمل وتم ختمه مع النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتمت نعمة الله التي أنعمها على الناس بما حملته رسالة الإسلام من رحمة، فخففت عن الناس في أمور الحياة فلا تشدد ولا تطرف، حيث لا فرق بين ذكر وأنثى، ولا تمييز بين الناس، والتعامل على الجميع أساسه مكارم الأخلاق في كل زمان ومكان.
إذن التمام ضد النقص، والكمال هو الحالة الأمثل، وليس مجرد الاكتمال أو سد النقص فقط، والنعمة يمكن زيادتها لأن النعم لا تعد ولا تحصى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) إبراهيم 34، ولذلك في القرآن الكريم تم استعمال التمام مع النعمة، ولم يستعمل الكمال: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) النحل 81، وفي قوله تعالى: (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة 6، لأن النعم لا تنتهي، ومن هنا قال تعالى بكمال الدين لأنه لن يزاد عليه، وبتمام النعمة لأنها يزاد عليها، ولذلك فإنه من صفات الله تعالى الكمال، والكمال لله تعالى وحده.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط