الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ميلادها.. سر تراجع شعبية الملك فاروق بعد طلاق الملكة فريدة

الملك فاروق والملكة
الملك فاروق والملكة فريدة

اقترن اسم الملك فاروق بالعديد من النساء، هناك من تأثر بهن وهناك من تأثرن به، ومن بين من تأثر بهن الملكة فريدة، زوجته الأولى، والتي نحتفي بذكرى ميلادها اليوم 5 سبتمبر، والتي تزوجها في 20 يناير 1938 وسط احتفالات شعبية لم يسبق لها مثيل، وأنجبت منه ثلاث بنات هن فريال وفوزية وفادية، وكانت محبوبة من الشعب المصري، قبل أن يتم الطلاق عام 1948، وكان طلاقهما من أسباب انخفاض شعبية الملك بين الشعب.

الطفلة صافيناز ذو الفقار

مولد ملكة خُلقت للعرش

 

صافيناز ذو الفقار، أو كما يعرفها الجميع باسم الملكة فريدة، أحبها الشعب المصرى، كانت تحمل صفات الملكات، لكنها تحمل فى طياتها البساطة، حيث تميزت الملكة فريدة بشخصيتها الفريدة المحبوبة وروحها المرحة وإطلالتها الكلاسيكية الأنيقة، فكانت جميلة الشكل، لها طلة جذابة ومميزة فى كل مناسبة.


ولدت فى محافظة الإسكندرية فى 5 سبتمبر من عام 1921، وتلقت تعليمها بمدرسة "نوتردام دى سيون" الفرنسية فى منطقة الرمل، وكان لها عدة هوايات، خاصة الموسيقى وكانت بارعة فى العزف على البيانو والرسم والصيد وتنتمى لعائلة ذو الفقار المصرية العريقة، فهي كريمة يوسف ذو الفقار المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة  بالإسكندرية، ابن على باشا ذو الفقار محافظ العاصمة الأسبق، ابن يوسف بك رسمي أحد كبار ضباط الجيش المصري في عهد إسماعيل، أمّا والدتها زينب ذو الفقار كريمة محمد سعيد باشا الذي رأس الوزارة المصرية، وصديقة لأغلب سيدات المجتمع المصري والصديقة الحميمة  للملكة نازلي زوجة الملك فؤاد، ووصيفتها الأولى.

الملكة فريدة شابة

إعجاب الملك فاروق بها من أول نظرة

 

بعد وفاة الملك فؤاد، ذهبت صافيناز بصحبة والدتها إلى القصر فور عودة فاروق من  إنجلترا، لكي تلتقي الأم بصديقتها الملكة نازلي، وهناك وجدت صافيناز عددًا من الفتيات الأخريات في مثل سنها، ولم تكن تعرف وقتها أن الملكة نازلي وشقيقات الملك يبحثن له عن عروس، وأمام  حمام السباحة أخذن يضحكن ويمزحن ويسبحن سعيدات بالجو الملكي، وفجأة ظهر فاروق وصاحت الفتيات الملك واتجهن حيث يقف إلا هي، فقد ابتعدت عن المكان الذي يقف فيه فاروق، ووجدته يترك جميع الفتيات ويتقدم إليها حيث تجلس والدتها وسألها عمن تكون فقالت له إنها ابنتي صافيناز، حياها بإيماءة من رأسه ثم انصرف، وقتها كان سنها خمس عشرة سنة، وكانت لا تزال طالبة في المدرسة.

الملك والملكة

مولد الحب الملكي في سويسرا

 

ذات يوم تلقت والدة صافيناز دعوة من الملكة نازلي، لرحلة إلى سويسرا - استمرت أربعة أشهر - وكانت بمثابة اختبارًا للعروس عن قرب، كان فاروق وأسرته يودون أن يعرفن طباعها وتصرفاتها، وأعدوا برنامجًا لزيارة مختلف أنحاء  سويسرا والاطلاع على الحياة فيها، كان فاروق  بصحبتها مع شقيقاته في برنامجه اليومي المحدد، يذهبوا للتجول ولزيارة الأماكن، وزيارة  المصانع، وكذلك كان معهم مدرسون ليعلموهم اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، على ظهر الباخرة "فيكتوري أوف أنديا"، التي أطلقت عليها الملكة فريدة فيما بعد زورق الحب، ففي يوم 27 فبراير سنة 1937 غادر فاروق ويصحبه أمه وأخواته وحاشيته التي تتكون من 37 شخصًا وبصحبته السيدة زينب ذو الفقار صديقة الملكة نازلي ووصيفتها في الوقت نفسه وابنتها صافيناز، وحسين صبري خال الملك وزوجته في رحلة قالوا عنها تثقيفية حتى يبلغ الملك السن القانونية قبل تتويجه ملكًا على مصر، وبعد وصولهم بدء اهتمام فاروق بصافيناز، فقد كانوا يتزحلقون على الجليد في الصباح مع شقيقاته ويرقصون بالفندق بالمساء، ثم سافروا إلى باريس وانجلترا ثم عادوا مرة أخرى لباريس، وفي هذه الرحلة تعرفت على فاروق وأحبته حبًا جمًا، وكان قلبها يخفق بحبه، حيث كان لطيفًا ودودًا، وعاشت مائة وعشرون يومًا طائرة على جناح الحب.

سقوط صافيناز على الجليد واحمرار وجه فاروق

 

في أحد الأيام، عندما كانت صافيناز وشقيقات الملك يتزلجن على الجليد، وسقطت والتوى مفصل قدمها، فوجدت فاروق يصيح في شقيقاته بغضب مؤنبا ومحذرًا من عواقب الطيش والاستهتار، وقال لهن في جدية وصرامة وحزم بأنه سيصدر أوامره بألا تتزحلق معهن صافيناز بعد الآن، بعدها توجه إلى والدته وأصدر أوامره إليها، فضحكت وقالت لفاروق مؤنبة أنه يستطيع أن يوجه الكلام لشقيقاته، أمّا صافيناز فلا تخصه فوالدتها هي الوحيدة التي لها الحق أن تصدر لها أوامر، فأعترض فاروق معللا بأنه لا يريد أن تسقط وتموت، فسألته الملكة الأم هل هذا لأنك تحب صافيناز؟.. ولم يجب فاروق بل أحمر وجهه وأخذها من يدها وتأكد أن ساقها سليمة.

تزلج فريدة والأميرة فتحية

أمر ملكي بالزواج خلال 6 أشهر

 

بعد العودة من الرحلة الملكية بأسابيع وبعد حفل تتويج الملك، حضر فاروق إلى قصر فريدة بالإسكندرية ليطلب يدها لتكون زوجة له، أمّا والدها فقد اعترض لأن ابنته طفلة في السادسة عشر، وبعد إلحاح وافق على الخطبة على أن تمتد لسنوات حتى تنتهي من دراستها وتكون مؤهلة للزواج، لكن الملك صمم على أن يتم الزواج خلال ستة أشهر، وانتقلت من الإسكندرية بناء على طلب فاروق إلى القاهرة، واختار لأسرتها قصرًا في ضاحية مصر الجديدة، وهو قصر الفريد بك شماس وهو من أفخم وأجمل القصور. كان فاروق يحضر لزيارتهم كثيرًا، ولم تمتلك عائلتها القصر فبعد الزواج عاد القصر مرة أخرى لصاحبه الفريد شماس بل وكانت إقامة مؤقتة للانتهاء من إعداد مراسم الزواج.

زواج الملك فاروق والملكة فريدة


وفي يوم الخميس 20 يناير سنة 1938 تم عقد القران بقصر القبة، وتزينت المساجد والكنائس والشوارع والميادين، وأصبحت ليالي القاهرة والمحافظات نهارًا ممتدًا، وخرج الجميع ليظهر حبه وولاءه، واستمرت الاحتفالات الرسمية ثلاثة أيام وثلاث ليالْ وارتدت فريدة فستانًا صنع خصيصًا في باريس من خيط فضية والدانتيلة الفرنسية الجميلة، وبأكمام طويلة وذيل قصير صنعه أشهر محل أزياء بباريس في ذلك الوقت، وكذلك ارتديت ماثيو من قماش خفيف مفضض تكون منه الذيل الذي بلغ طوله 15 قدمًا ومغطى بالتل الخفيف، واحتفت بزواج الملك الصحف المحلية والعالمية.

فريدة وازمات في البلاط الملكي

 

اقترح أحد الأمراء أن يتم تتويج الملك في حفل ديني برعاية الإمام المراغي شيخ الأزهر، عقب أداء الملك اليمين الدستورية أمام البرلمان، وهنا رفض الوفديين الاقتراح، وتطور الصراع بين الطرفين وتأزمت الأمور بين فاروق والوزارة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس، لكن الشعب خرج بتلقائية كبيرة للالتفاف حول الملك وتأييده، وخرجت جميع طوائف الشعب تعلن تأييدها للملك ومؤازرته والهتاف بحياته.
وفي 4 فبراير 1942، عاصرت فريدة أزمة كبرى، عندما أهان الإنجليز الملك - رمز مصر وقتها- وحاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين، إلا أن الشعب  تعاطف وجيشه مع الملك بعد هذا الحادث، وكانت فرصة ذهبية أمام الملك كي يجمع الشعب حوله، لكنه للأسف لم يفعل، وانخرط في حفلات ماجنة تبارى أمراء وأميرات عائلة محمد علي في إقامتها لتخفيف وقع الصدمة عليه، وسميت حفلات الترفيه عن الملك، وكانت الملكة شويكار زوجة والده الراحل تقيم الحفلات لتشويه صورته، وتختار فتيات فاتنات شبه عرايا للرقص أمامه يختار منهن ما يشاء، وكانت فريدة تتدخل بقدر المستطاع للتعديل والتغيير، إلا أن شويكار كانت تشكو للملك حتى أصدر أمرا ملكيا بعدم حضور فريدة بروفات الحفلات، وانتشرت أخبار هذه السهرات، وتناقلتها الصحف الأجنبية ولمحت لها بعض الصحف المصرية، وأصبحت أخبارها لا تقتصر على الخاصة، بل كانت حديث كل الناس حتى ضاق الشعب بهذا العبث والاستهتار، وفي تلك الأثناء ساءت العلاقة بين الملك والملكة فريدة، وما زاد الأمر سوء انجابها لثلاثة فتيات، وفي كل حمل كان الجميع وأولهم الملك يترقبون وصول ولي العهد، وهو ما لم يحدث، ليهجر الملك فراش الزوجية للأبد.

حفلات فاروق
الملك والملكة وابنتهما

طلاق فريدة والملك اعتراضا على الفساد

 

وجدت فريدة أنه أصبح مستحيلًأ أن تناقش وتجادل أو تغضب، فلم يعد الغضب هو الحل بعد أن زاد الفساد، وهنا فاتحت فاروق في طلب الطلاق، ليرد عليها أنها عصبية ومكتئبة ولابد أن تسافر لتهدأ، فقالت له إنها في أحسن حالاتها وإنها اتخذت القرار بعد تفكير طويل، وبدأت فريدة في عدم الظهور مع فاروق في أي مناسبة خاصة أو عامة، حتى يشعر بعدم رضاها وسخطها على هذه التصرفات، وكان هذا الاعتذار إنذارًا عمليًا موجهًا إلى فاروق لعله يرتدع، ولكن تيار الفساد كان أقوى، لدرجة الإيقاع بينه وبين أستاذه المراغي شيخ الأزهر، واختار الملك وقتًا معينًا ليلبي طلب وإصرار فريدة على الطلاق، وقد كان الطلاق في نفس الوقت الذي تم فيه طلاق أخته فوزية من شاه إيران، وذلك خوفًا من رد الفعل لدى جماهير الشعب المصري، التي خرجت في مظاهرات تهتف بحياتها، واعتبر الشعب فريدة بطلة قومية لأنها قاومت فساد فاروق، وكانت أول من سلط الضوء على هذا الفساد، وخرج الشعب يهتف "حذاء فريدة فوق رأس فاروق.. ولا ملكة إلا فريدة.. وخرجت من بيت الدعارة إلى بيت الطهارة يا فريدة"، وتم الطلاق يوم 17 نوفمبر سنة 1948، وصدر بلاغ رسمي من الديوان الملكي عند طلاق فاروق لفريدة، وطلاق شاه إيران لفوزية طلاقًا بائنًا، وتم نشر الخبران متجاوران يوم 19 نوفمبر 1948، وقتها وعقب انتهاء مراسم الطلاق اختفى الملك تمامًا، وبعد عدة ساعات عثرت عليه شقيقاته في إحدى حجرات القصر وهو يبكي وينوح مثل طفل صغير، وانتقلت فريدة بعد الطلاق إلى بيت والدها واصطحبت معها صغرى بناتها فادية لحضانتها.

الملكة وبناتها

تقدير رؤساء مصر للملكة

 

لاقت الملكة الفريدة تقديراً كبيراً من رؤساء مصر ، حيث وافق الرئيس جمال عبد الناصر على سفرها إلى الخارج واستنكر احتجازها فى مصر وقال " اتركوها تسافر متى تشاء وإلى أي مكان تشاء"، وعندما مات الملك فاروق فى إيطاليا وعلم عبد الناصر برغبتها فى أن يدفن فاروق فى مصر وافق على ذلك بل وأرسل طائرة خاصة نقلت جثمانه من روما إلى القاهرة.

الملكة مع الرئيس السادات 

أما الرئيس السادات فقابلها فى السفارة المصرية بباريس ورحب بها ودعاها للعودة إلى مصر والإقامة بها وأشاد بدورها الوطنى الرائع الذى يذكره لها التاريخ، حيث أنها وقفت فى وجه الفساد الملكى وقاطعت الملك فاروق وطلبت منه الطلاق حينما بدأ الفساد يدخل إلى حياة الملك، وكانت سعادتها لا توصف بدعوتها للاستقرار فى مصر واستقبلها السادات فى بيته بالجيزة وحقق لها السادات رغبتها فى توفير شقة لها بعدما صادرت الدولة قصرها الذى أهداه لها الملك، وقال أن هذا أقل ما يمكن منحه لها، إلا أن القرار لم يتم تنفيذه الا في عهد الرئيس مبارك، الذي منحها شقة في المعادي تعيش فيها مع والدتها.

رحيل الملكة "الطاهرة" بعد صراع مع المرض
 


توفت الملكة الطاهرة فريدة - كما كان يُطلق عليها- فى 17 من أكتوبر عام 1988 عن عمر يناهز 68 عاماً، بعد أن اشتد بها المرض، وكان موكب جنازة الملكة موكبًا مهيبًا، تقدمه الكثير من كبار المسؤلين المصريين وكثير من أفراد الشعب خاصة كبار السن ممن عرفوها جيداً.

جنازة الملكة فريدة