الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من كوبرنيكوس إلى فيرمي: أين الجميع؟!

يمكننا القول أن الثورة الأولى التي فصلت الإنسان من عصر القرون الوسطى وكانت بداية الإرهاصات لتكوين عقل لا يلقي بالا للغيبيات في العلوم الطبيعية، يمكننا القول أنها كانت ثورة فلكية، بدأت من البولندي كوبرنيكوس الذي من خوفه من سطوة الكنيسة لم يستطع أن يعلن عن مؤلفه "حول دوران الأجرام السماوية" في حياته، والذي أهداه، تزلفا، أيضا للكنيسة، ويعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها في كتابه السابق الذكر، وهو لهذا يعد مؤسس علم الفلك الحديث، هذه الثورة الفلكية التي أطلقها هذا الراهب كان تأثيرها هائلا، ليس على علم الفلك فحسب، بل في كافة العلوم، وذلك لأن نظريته شجعت العلماء والباحثين في كافة العلوم من تحدي ورفض القوانين السائدة في ذلك العصر - القرن السادس عشر الميلادي - وتقديم العلم على العقائد الدوغمائية، وعدم الالتفات لما تذكره الكتب المقدسة باعتباره علما يعتد به.

من هنا ومن هذه اللحظة انطلق العقل البشري في مشوار طويل لإعادة صياغته بما يتناسب من اكتشافات وبما يتم إثباته من قوانين طبيعية وبما يتحصل عليه من حقائق، وهو في كل ذلك كان يزيح في طريقه تلك الأفكار المتخلفة ويشيح بوجهه عن تلك الأساطير الموروثة، ويتجنب، ومازال، تلك الخرافات المنتشرة، ويزيل تلك الأوهام القابعة في العقل القديم، وكان للعقل الحديث ما أراد، وإن كان مازال يخوض حربا شرسة للتخلص من كل البقايا المترسبة في داخله من ذلك العقل الأسطوري الذي فسر به أسلافنا منذ آلاف السنين الظواهر الطبيعية، وذلك باصطدامه بهؤلاء الذين لم يتمكنوا بعد من مغادرة العقل الأسطوري.

لم يكتف الإنسان الحديث بدراسة الأرض، ذلك الكوكب العجيب الذي يقدر عمره بما يُقارب 4.54 مليار عام، وهذا العمر التقريبي قد يزيد أو ينقص بمقدار 50 مليون عام، حيث إنّه قُدِّر بالاعتماد على تأريخ عمر الصخور بالقياس الإشعاعي، هذا الكوكب الذي تميز بخصائص فريدة كان نتيجتها أن نشأت عليه الحياة العاقلة الوحيدة المعروفة لدينا حتى اللحظة. فلقد استطاع الإنسان بعقله وعلمه  تحديد الأسباب التي أدت إلى نشأة الحياة على كوكبنا العزيز والفريد حتى اللحظة، فقدّر أن الحياة ظهرت على سطح الأرض في المليار سنة الأخيرة.

ومنذ ذلك الحين أدى الغلاف الحيوي للأرض إلى تغير الغلاف الجوي والظروف غير الحيوية الموجودة على الكوكب، مما سمح بتكاثر الكائنات التي تعيش فقط في ظل وجود الأكسجين وتكوّن  طبقة الأوزون، التي تعمل مع المجال المغناطيسي للأرض على حجب الإشعاعات الضارة، مما يسمح بوجود الحياة على سطح الأرض.
ولكن كيف نشأت الحياة على كوكب الأرض؟!
لقد ذكر عالم الأحياء البريطاني الشهير تشارلز داروين، صاحب نظرية النشوء والارتقاء، في العام 1871 عن أن الحياة ظهرت أول الأمر في "بحيرات صغيرة ساخنة". و بحسب ما جاء في بيان صادر عن جامعة "ماكماستر" الكندية نشر في مجلة الأكاديمية الأميركية للعلوم في العام ٢٠١٧ عن دراسة علمية فإن العناصر الأولى للحياة على الأرض نشأت بفعل سقوط نيازك في بحيرات للمياه الساخنة.
وترجّح هذه الدراسة فرضية تشارلز داروين لأن توالي الرطوبة والجفاف ضروري لظهور الجزيئات الأولى للحياة.
وعلّق توماس هينينغ الباحث في معهد "ماكس بلانك" لعلوم الفلك في ألمانيا "لفهم أصول الحياة علينا أن نفهم الأرض منذ مليارات السنوات".
وأضاف "تظهر دراستنا أن علم الفلك يقدّم جزءا مهما من الإجابة، فالطريقة التي نشأت فيها المجموعة الشمسية كانت لديها آثار مباشرة على أصل الحياة على الأرض".
بين ما قبل ثلاثة مليارات و700 مليون سنة، وأربعة مليارات و500 مليون سنة، تعرضت الأرض لوابل من النيازك بوتيرة أعلى بثماني مرات إلى أحد عشر من الوتيرة الحالية.
وكان غلافها الجوي غنيا بالغازات البركانية ومساحات اليابسة عليها محدودة لأن القارات كانت تتشكّل في عمق المحيط.
وفي وقت ما، اجتمعت العناصر اللازمة لتشكّل ما يعرف بالحمض النووي الريبوزي، وارتبطت في ما بينها فيما كان مستوى المياه يتغيّر بحسب المتساقطات والتبخّر وتدفّق المجاري المائية.
وهذه الجزيئات الأولية تطوّرت إلى أن ظهر الحمض النووي "المعقّد جدا"، وفقا لرالف بودريتز الباحث في الجامعة الكندية.
ولكن هذه الحياة التي نشأت لم يكن يكتب لها الاستمرار لولا أن حجبت طبقة الأوزون الأشعة فوق البنفسجية، ولولا أن عمل المجال المغناطيسي للأرض على إزاحة وإبعاد الجسيمات الأولية المشحونة القادمة من الشمس بسرعات عظيمة ويبعدها في الفضاء الخارجي بعيدا عن الأرض، فلا تتسبب في الإضرار بالكائنات الحية. تلك الكائنات التي أصبح من بينها الإنسان العاقل الإنسان العاقل  (باللاتينية: Homo Sapiens) هو الاسم العلمي للنوع الوحيد الغير منقرض من جنس الأناسي والمعروف بهومو (باللاتينية: Homo)، والذي كان السبب الرئيسي في إطلاق السؤال التالي: هل هناك حياة عاقلة في كواكب أخرى غير كوكب الأرض؟!.

هذا السؤال الذي شغل العديد من العلماء والكثير من الباحثين وعدد هائل من البشر، وربما يكون هو السؤال الذي دفع الإنسان لاقتحام الفضاء وتسيير رحلات فضائية بهدف اكتشاف الكون أملا في التواصل مع مخلوقات عاقلة من ناحية، والعثور على كواكب صالحة لحياة البشر من ناحية أخرى.

تلك الرحلات التي لم تنجح حتى اللحظة، وليس مقدر لها أن تنجح في الأفق المنظور على العثور على حياة عاقلة في تلك الكواكب التي يمكن الوصول إليها بوسائل السفر في الفضاء المتاحة الآن، ومع ذلك فإن العلماء ينصتون لكل همسة قادمة من الفضاء الخارجي ويرصدون كل موجة أو إشارة قادمة من خارج الأرض لعلهم يعثرون على رسالة وجهها لكوكب الأرض وسكانه عوالم عاقلة في بيئة صالحة لظهور الحياة عليها.

ولكن لماذا ينتظر العلماء ذلك؟! وهل هناك ما يشير إلى أنه هناك حيوات ذكية في غير كوكب الأرض؟!. هل هناك ما يدعو لمثل هذه الفرضية لدرجة أن ينتظرها العلماء، ويرصدون لها كل موجة وكل إشارة تصل لتلك الأجهزة التي ينشرها علماء العالم المتقدم على كوكب الأرض وفي الفضاء؟!.

في نوفمبر من عام ١٩٥٩ تكهن هارلو شابلي، أستاذ في علم الفلك في جامعة هارفرد، بعدد الكواكب التي يمكن أن تكون مأهولة في الكون، قائلًا إن «الكون يحتوي على 10 ملايين مليون شمس (10 تليها 18 أصفار) شبيهة بشمسنا. يمتلك نجمٌ واحد من كل مليون كواكب تدور حوله. يتمتع كوكب واحد فقط من كل مليون مليون بالتركيبة الصحيحة من المواد الكيميائية ودرجة الحرارة والمياه والأيام والليالي لدعم الحياة الكوكبية كما نعرفها. خرج هذا الحساب برقم يُقدر بـ 100 مليون عالم تطورت الحياة عليه». هذا الذي تبعه فرانك دونالد دريك (بالإنجليزية: Frank Donald Drake)‏ (ولد في 28 مايو 1930) وهو عالم فلكي وفيزيائي أمريكي، بمعادلته الشهيرة عن احتمالية تُستخدم لتقدير عدد الحضارات النشطة خارج الأرض والقادرة على التواصل في مجرة درب التبانة. هذه النظرية التي لم تكن فائدتها تكمن في الحل، بل في التفكير في جميع المفاهيم المختلفة التي يجب على العلماء دمجها عند النظر في مسألة الحياة خارج الأرض كما أنها تعطي مسألة الحياة خارج الأرض أساسًا للتحليل العلمي.
تحفز معادلة دريك الفضول الفكري حول الكون من حولنا، لمساعدتنا على فهم الحياة كما نعرفها كنتاج نهائي لتطور طبيعي وكوني، ولمساعدتنا على إدراك كم نحن جزء من هذا الكون. ساعدتنا هذه المعادلة وعملية البحث عن الحياة على تركيز علومنا على بعض الأسئلة الأخرى حول الحياة في الكون، وتحديدًا التولد التلقائي، وتطور الحياة متعددة الخلايا وتطور الذكاء نفسه.

أما مفارقة فيرمي "إنريكو فيرمي (29 سبتمبر 1901 - 28 نوفمبر 1954) فيزيائي إيطالي أمريكي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1938، وكان ضمن الفريق الذي أنتج أول مفاعل نووي وأول قنبلة ذرية، وقام بإرساء نظرية الكم (بالإنجليزية: Quantum Theory)‏." نقول أما مفارقة فيرمي أو متناقضة فيرمي، (بالإنجليزية: Fermi Paradox) يقصد بها مجموعة الحلول المقترحة لسؤال إنريكو فيرمي: أين الجميع؟ وقد سميت تيمناً به، وهي تتعلق بفرص وجود حياة أخرى في الكون، وتتراوح الحلول المقترحة بين عدة مليارات من الفرص، وبين انعدام الفرص تماماً ما عدا التي في كوكب الأرض، وبسبب وجود التباين الشديد جداً بين الحلول سميت مفارقة.

إنه من الناحية النظرية، أو التوقعات المنطقية، فإن هناك ملايين الحيوات العاقلة في الكون، وإن غياب البرهان لا يعني عدم وجود ذلك البرهان،  ذلك الذي يدفع كل الاحتمالات للتحقق بنسبة لا نقول متساوية بل تميل بشكل كبير إلى وجود تلك الحيوات.

وقبل الختام لعل من المفيد أن نتذكر، بكل أسف وأسى، ما ذكره  الشيخ الشعراوي في معرض حديثه عن اقتحام الفضاء بتلك الرحلات الفضائية التي تطلقها الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا ونزولها على سطح القمر والذي رأى الشعراوي أن المنديل الورق أكثر فائدة منها وذلك حينما أخذ الشيخ من علبة المناديل الورقية التي أمامه واحداً وهزه في الهواء وقال: "هذه الورقة أنفع من الوصول إلى القمر".
ومازلنا نتذكر تلك المساجلة بينه وبين الدكتور زكي نجيب محمود الذي رد عليه موضحاً أن الشيخ الشعراوي هو أول المستفيدين من الصعود إلى القمر؛ لأن إحدى النتائج الفرعية لهذا الصعود هي الأقمار الصناعية التي تنقل أحاديث الشيخ إلى العالم كله.
 وكما هو معروف فإن الشعراوي لم يكن ممن يحسنون تصنيف الكتب، فلولا ما تم اختراعه من وسائل مساعدة على اقتحام الفضاء لم نكن لنشاهد الشعراوي في القنوات الفضائية التي هي ثمرة من ثمار هذا العلم الذي معرفته لا تفيد والجهل به لا يضر، حسب زعمه، ونحمد الله على أن العلماء الحقيقيين لا ينصتون للشيخ الشعراوي ولا لغيره من رجال الدين الذين يقحمون نفسهم في كل شيء.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط