تحتفل مصر بـ مرور 48 عاما على نصر أكتوبر 1973 وتحرير سيناء من العدو الإسرائيلي، الذي قام باحتلالها عقب حرب 5 يونيو عام 1967.
وعمل المصريون طوال 6 سنوات «1967 - 1973» على الاستعداد لمعركة النصر المبين، حرب السادس من أكتوبر، التي أنهت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
نصر أكتوبر المجيد
وعبر عشرات الآلاف من أبطال القوات المسلحة في السادس من أكتوبر عام 1973 إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، لاستعادة أغلى بقعة في مصر وهي سيناء، واستعاد المصريون الأرض، واستعادوا معها كرامتهم واحترام العالم لهم، حيث تعد حرب السادس من أكتوبر المجيدة، علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة فقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحًا لـ نصر مبين.
وأتى يوم السادس من أكتوبر عام 1973، لتكشف الدولة المصرية عن هيبتها وقوتها وعلا زئيرها إلى عنان السماء بقول «الله اكبر»، الذي بعث الرعب في قلوب الجنود والقادة الإسرائيليين، عابرين قناة السويس محطمين الساتر الترابي وخط بارليف المنيع، الذي قال عنه السوفيت في ذلك الوقت «لا يقهر إلا بقنبلة نووية».
وبمناسبة مرور 48 عاما على نصر أكتوبر المجيد 1973، نظمت إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة الندوة التثقيفية 34 بعنوان «أكتوبر 73 والعبور إلى المستقبل» بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية القائد الأعلي للقوات المسلحة.
وكان من بين الحضور الدكتور مفيد شهاب وزير المجالس النيابية والشؤون القانونية الأسبق، عضو اللجنة القومية المشكلة لاسترداد طابا، الذي تحدث عن مشاهد من معركة استرداد طابا من الكيان الصهيوني، وكيف نجح الفريق المصري في ذلك.
وفي السطور التالية نسرد لكم بعض المعلومات عن اللجنة القومية التي تم تشكيلها لخوض معركة التفاوض لاسترداد طابا، وأبرز أعضائها، وما قاله الدكتور مفيد شهاب عن هذه الملحمة:
معركة استرداد طابا
وفق معاهدة كامب ديفيد «17 سبتمبر 1978»، انسحب الجنود الإسرائيليون من كامل سيناء ولم يتبقى سوى طابا، التى عادت لمصر لاحقا بالتحكيم الدولي في 15 مارس 1989، حيث اكتملت الفرحة بعيد تحرير سيناء، بعدما رفع الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك علم مصر على طابا آخر بقعة تم تحريرها من الأرض المصرية في عام 1989.
وظلت طابا محور مفاوضات لسنوات طويلة ولم يفرط بها الاحتلال، حتى تم إجباره بالاعتراف بسيادة مصر عليها، بعدما بدأت مصر تشكيل لجنة خبراء كبرى للتفاوض عليها، وفي 13 مايو 1985 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (641) بتشكيل اللجنة القومية لطابا برئاسة الدكتور عصمت عبد المجيد وعضوية 24 خبيرا، منهم: 9 من خبراء القانون، و2 من علماء الجغرافيا والتاريخ، و5 من كبار الدبلوماسيين بوزارة الخارجية، و8 من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية.
أما وزارة الخارجية المصرية، فقد عهدت بمهمة إعداد المذكرات إلى لجنة مشارطة التحكيم برئاسة السفير نبيل العربي، ممثل الحكومة المصرية أمام هيئة التحكيم في جنيف وبعضوية كل من: من وزارة الخارجية "إبراهيم يسري - بدر همام - حسن عيسى - أحمد أبو الخير - محمود عثمان - عز الدين عبد المنعم - وجيه حنفي - أحمد فتح الله - محمد جمعة - حسين مبارك - محمود سامي - فايزة أبو النجا - أحمد ماهر - مهاب مقبل - ماجد عبد الفتاح".
ومن وزارة الدفاع "عبد الحميد محسن حمدي - فاروق لبيب - خيري الشماع"، من وزارة العدل "أمين المهدي - فتحي نجيب"، من وزارة البترول "أحمد عبد الحليم - صلاح حافظ"، مفيد شهاب - يونان لبيب رزق - أحمد صادق القشيري - يوسف أبو الحجاج - سميح صادق - صلاح عامر -وحيد رأفت - محمد الشناوي - جورج أبو صعب - طلعت الغنيمي - محمد بسيوني - حسين حسونة - محمد عبد الفتاح محسن.
واستعانت لجنة الدفاع المصرية بالدكتور دريك باوت في مقابل استعانة إسرائيل بالدكتور لوتر باخت وكلاهما أستاذ في القانون الدولي وذو خبرة دولية في هذا النوع من المنازعات، وتم تشكيل هيئة التحكيم الدولية بعضوية 5 وهم، الدكتور حامد سلطان عن الجانب المصري، وعن إسرائيل روث لابيدوت، والثلاثة الآخرين هم، بيليه رئيس محكمة النقض الفرنسية السابق - شندلر أستاذ القانون الدولي بسويسرا، ولاجرجرين رئيس محكمة ستوكهولم.
وبدأت المفاوضات الدولية رسميا، حين عقدت الجلسات مع هيئة التحكيم وبدأت بتقديم مذكرة افتتاحية مايو 1987، وكانت أول جلسة في ديسمبر 1986، ثم تلقت المحكمة المذكرات المضادة والردود من الطرفين في أكتوبر 1987، واتفقوا على تقديم مذكرة ختامية في يناير 1988، إضافة إلى جولتين من المرافعات الشفهية في مارس وأبريل من نفس العام، واستمرت المرافعات 3 أسابيع حتى صدور الحكم لصالح مصر في 29 سبتمبر 1988 داخل قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمي لحكومة مقاطعة جنيف، في حضور وكيلي الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين، بأغلبية 4 أصوات والاعتراض الوحيد من الجانب الإسرائيلي، ووقع الحكم في 230 صفحة، وبعدها تم الاعتراف دوليا وإسرائيليا بالسيادة المصرية على طابا.
دور مفيد شهاب
الرجل الأول في الدفاع عن قضية مصر لاسترداد طابا، وهو رئيس جامعة القاهرة الأسبق ووزير التعليم العالي الأسبق وشغل منصب وزير المجالس النيابية والشئون القانونية من رجال القانون المصريين.
وهو حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1956، ودرجة الدكتوراة من جامعة باريس 1963.
وشغل منصب عضو الرابطة الطلابية للقانون الدولي بلاهاى 1962، وعضو اللجنة القومية الخاصة بطابا 1984-1988، وعضو هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا أمام التحكيم الدولي 1986-1988، وعضو اللجنة القانونية التابعة للمنظمة.
وأكد مفيد شهاب، أن انتصار أكتوبر العسكري شكل قوة كبيرة في مفاوضات كامب ديفيد، كما أنه كان مصدر قوة لفريق التفاوض لاسترداد طابا وانسحاب إسرائيل منها.
وشدد على أنه لولا انتصار أكتوبر العسكري ما كنا تفاوضنا مع اسرائيل على الانسحاب بقوة ولم تكن إسرائيل وقعت على اتفاقية السلام وكذلك لم تكن إسرائيل تقبل قضية التحكيم ونتيجته التي انتهت لصالح مصر.
وأوضح أن إسرائيل كانت تراهن على أن الوفد المصري لن يكون قادرا على أن يقدم بموضوعية وبقوة وبأسلوب علمي الحجج التي تؤكد حقها في طابا، مشيرا إلى أن إسرائيل دخلت رهانا خاسرا وهو التشكيك في القدرات المصرية.
وكشف مفيد شهاب أن المستشار القانوني الإسرائيلي "روزن شباتاي " عقب صدور الحكم لصالح مصر، قال نحن كنا نعلم أن طابا مصرية ولكننا لم نكن نتوقع أن تتمكن مصر من الدفاع عنها بهذا الشكل ولذلك خسرنا.
وأعرب مفيد شهاب عن فخره كونه أحد أعضاء الفريق الذي ساهم في الدفاع عن أرض مصر وفي تحرير آخر بقعة من أراضيها في سيناء أرض طابا ومعها أيضا قطعة أخرى لا تقل أهمية عن طابا وهي منطقة رأس النقب.
وأضاف أنه رغم مرور 32 عاما على تحرير طابا إلا أنه يتذكر كل تفاصيل معركة استرداد الأرض كأنها بالأمس، وتابع قائلا: «أشعر بأن القيم والمثل العليا التي كنت دائما أتحدث عنها وجدتها مجسدة في معركة الوقوف ضد الظلم واستعادة الحق والانتصار بالمنطق والقانون والأسلوب العلمي وبالتسوية الهادئة».
وقال شهاب، إن فرحة المصريين يوم انتصار أكتوبر كانت فرحة عظيمة وكذلك فرحتهم حين تم التوقيع على اتفاقية السلام عام 1979 والتي تقرر فيها فيها الانسحاب الكامل من كل الأراضي.
وأضاف أن المصريين منذ عام 1979 كانوا في لهفة لرفع العلم المصري على سيناء، مبينا في الوقت ذاته أنه كان من المقرر انسحاب القوات الإسرائيلية على 3 مراحل.
وأشار إلى أنه بقدر اللهفة والفرحة والانتظار إلا أن القلق تسرب في نفوس المصريين حين تبين أن إسرائيل تراوغ وتريد أن تحتفظ ببعض النقاط والأراضي.
وشدد على أن الشعب المصري كان في حيرة وذلك لأن هناك أجزاء من أرضهم لم تحرر عسكريا أو سياسيا ويجب أن يتم الانسحاب منها لأنه لا يمكن التفريط في أي شبر من الأراضي المصرية.
وبين أن مصر لجأت إلى المفاوضات ولكنها وجدت تعنتا من إسرائيل وأنها تريد الاحتفاظ بالعديد من المواقع الحساسة والهامة ولا سيما طابا ورأس النقب.
طرح فكرة التحكيم
وذكر مفيد شهاب أنه عند طرح فكرة التحكيم وبعد أن استعد الفريق للتفاوض بدأ القلق ينتاب البعض وهو كيفية ضمان أن يصدر الحكم لصالح مصر، وأن لا يحدث نوع من التأثير على هيئة التحكيم بتخويفهم أو بإغرائهم وخاصة أنه إذا صدر حكم من هيئة التحكيم سيكون حكما نهائيا.
ولفت إلى أنه في هذا الوقت بدأت بعض الأقلام تكتب وتحذر من اللجوء إلى التحكيم لأن النتيجة غير مضمونة، لافتا أنه «تم استقباله في احدى النقابات باستهجان شديد حيث دعي إليها للحديث عن مزايا التحكيم وأن مصر صاحبة حق».
وبين أن فريق التفاوض واجه ضغوطا من الرأي العام خوفا من فشل المفاوضات الدولية الرأي العام كان يخشى أن يدخل معركة غير مضمون عواقبها.
وكشف في الوقت ذاته أنه عند إقناع البرلمان من خلال اللجان المتخصصة بأهمية الالتجاء إلى التحكيم وأن الفريق استعد جيدا لهذا، إلا أن البعض هاجم الفكرة، لكن البعض الآخر كانت لديه ثقة في فريق التفاوض.
وقال إن فريق التفاوض أدار معركة التفاوض بأسلوب علمي واعتمد على الخبراء والمتخصصين وهم جميعا كانوا يتمتعون بحس وطني.
وبين أن كافة أعضاء الفريق كان يضع أمام أعينه انتصار حرب أكتوبر وأنه لابد من الانتصار في المعركة القانونية القضائية واسترداد باقي الأراضي المصرية.
وأوضح أن فريق التفاوض كان فريقا متكاملا كل في تخصصه سواء في القانون أو الجغرافيا أو التاريخ أو القوات المسلحة، مشيرا إلى أن الفريق كان مكونا من 25 شخصا للجنة القومية لطابا وكانت هيئة الدفاع أمام المحكمة مكونة من 10 أشخاص قانونيين من اللجنة.
وأشاد مفيد شهاب بالمحكم المصري الدكتور حامد سلطان والذي كان عضو هيئة التحكيم الذي اختارته مصر، مشددا أنه لعب دورا كبيرا في إقناع القضاة الثلاثة المحايدين بمصرية طابا.
وقال إنه أثناء المحكمة قدمت إسرائيل فيديو ادعت أنه يثبت أن طابا إسرائيلية، إلا أن فريق التفاوض أثبت فبركته، حتى أنه تم استخدام هذا الفيديو ضد إسرائيل.
وعن نقطة الحدود 91 ، أوضح الدكتور شهاب أن الخلاف بين مصر وإسرائيل كان على بعض علامات الحدود وليس خلافا على الحدود، موضحا أن «إسرائيل زعمت أن 14 علامة في خلاف على مواقعهم بين مصر وإسرائيل بينهم 9 علامات في الشمال الفرق بيننا وبينهم أمتار قليلة وهي ليست لها أي قيمة على الإطلاق، ولكن كان هناك 4 علامات في الوسط تسمى بعلامات رأس النقب (85 و86 و 87 و 88) وهم لهم أهمية لأن الخلاف عليهم يجعل قطعة مساحتها 5ر5 كيلومتر مربع إما أن تصبح تابعة مصر أو لإسرائيل كما تدعي، وهي منطقة رأس النقب وهي منطقة استراتيجية وعسكرية هامة».
وأشار إلى أن الوفد المصري قام بتقديم المستندات والحجج والشهود إضافة الخرائط إلى التي تثبت صحة ما يقدمه الوفد إلى أن اقتنعت المحكمة بعدالة ما تطالب به مصر وأن رأس النقب بأكملها مصرية ومنطقة طابا مصرية و يتعين الانسحاب الاسرائيلي منها.
وكشف أن المحكمة أصدرت الحكم بأغلبية 4 قضاة ضد قاض واحد وهي المحكمة الإسرائيلية.