الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خسائرنا من أمريكا إلى الهند

لا يكاد يمر عام دون أفتعال صراع على وسائل التواصل الاجتماعى بين المسلمين ودولة كبرى عسكرياً أو أقتصاديا أو سكانياً, مع أمريكا تارة ومع فرنسا تارة ومع غيرهم تارة , تتعالى الشعارات وتتبارى الهشتاجات والبوستات من خلف النوافذ المضيئة والشاشات , تُزرع الكراهية ويُشعل الغضب, ويُختطف الاسلام بواسطة مجموعة من البُسطاء أو الجهلاء أو المغرر بهم مستخدمين أحاديث وسور فى غير موضعها, فتحت شعار نصرة أخاك المسلم المظلوم , الكل يغرد والكل يكتب دون وعى أو تفكر فى أصل الموضوع أو أبعادُه أو من المستفيد الحقيقى من وراؤه .
وهذه الايام تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعى بهشتاجات وبوستات حول وجود تحذير أبادة من الهند للمسلمين فى كشمير , وحديثى السن وحديثى العهد بالسياسة الدولية يعتقدون بأن الصراع فى وعلى كشمير هو صراع دينى , ويروج المستفيدون من وراء أفتعال أزمة تضر بعموم المسلمين سواء فى داخل الهند أو خارجها الأمر على أنه شئ جديد وليس منذ عشرات السنين , وأن الهند دولة تعبد غير الله قررت القضاء على المسلمين فى كشمير لأنهم يعبدون الله , على الرغم من أن الهند نفسها تضم بين مكوناتها الدينية مائتى مليون مسلم يمارسون حرية دينية وسياسية يحسدهم عليها مسلمون كثيرون فى دول ذات أغلبية مسلمة .
ففى الهند وصل هندى مسلم الى رئاسة الوزراء فى أنتخابات حرة نزيهة على خطى الاسلام الاول الذى يساوى بين الناس جميعاً , على الرغم من أنهم بحسابات عدد السكان أقل عددا من الهندوس والسيخ , بكل تأكيد هناك تنافس على أسس دينية بين اتباع الديانات الثلاث الكبرى فى الهند, وهناك أخطاء فادحة وكوراث يرتكبها بعض المنتمين الى الطوائف الثلاث فى حق بعضهم البعض , بسبب أنكار بعض المنتمين لكل طائفة لبعض معتقدات غيرهم من المنتمين للطوائف الاخرى أو السخرية منها , لكن فى النهاية الجميع يعيشون فى دولة واحدة تربطهم علاقات جيدة, يتفقون ويختلفون فى أطار دولة واحدة هى الهند الكبرى 
فالهند اليوم هى صاحبة أكبر عدد من الشباب فى العالم , ففيها 65 % من السكان دون عمر 35 عاماً , وهى بذلك تمتلك من الشباب أكثر مما تمتلكه الصين حالياً , بل ان كل التقديرات تشير الى أن الهند ستكون أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان بعد خمسة سنوات على الاكثر , وربما هذا هو سبب أعادة تهييج أزمة كشمير القديمة الجديدة والزج بالمسلمين فيها لادخال الهنود عامة والمسلمون خاصة فى صراعات توقف نموهم الاقتصادى والسكانى .
كل حسابات العقل والمنطق والحسابات الدينية الاسلامية  تقول ان من مصلحة الاسلام والمسلمين الارتباط بعلاقات ود وصداقة مع كل شعوب ودول العالم كبيرة كانت أو صغيرة , فالاسلام لم يدخل الغالبية العظمى من الدول الا عن طريق العلاقات الودية , بل أن اكبر ثلاث دول أسلامية فى العالم من حيث عدد السكان لم يغزوها عسكرى مسلم واحد , ودخلت جميعها الاسلام عن طريق معاملة التجار المسلمين الامناء عندما كانت أخلاق الاسلام الحسنة هى من تحكم معاملاتهم , أو عن طريق التواصل السلمى بين الناس .
لذا علينا ان نعود الى أصل الاسلام وحياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وننفتح على العالم كما كان يفعل , نتعايش مع كل دولة حسب ظروفها وحسب قوانينها وحسب ثقافتها , دون تقصير أو أخلال بما نؤمن به من تعاليم الاسلام وفرائضه وقواعده التى لا تعارض مع أى نظام حكم فى العالم , فالاسلام كله يُسر , فعلى سبيل المثال أركان الاسلام الخمسة يمكنك التمسك بها دون ان تخالف أى قانون فى أى دولة, وأخلاق الاسلام من الصدق والامانة والولاء للدولة التى تعيش فيها , تتناسب مع كل أنظمة دول العالم بغض النظر عن أختلافاتها السياسية أو الايدلوجية , لأنها أخلاق الفطرة السليمة التى فطر الله الناس عليها .
لكن للأسف بعض المسلمين يقعون فى شراك أعداءهم أو مستغليهم وينجرون خلف النزعات الانفصالية عن دولهم أو التقوقع حول أنفسهم , سعياً نحو تكوين دويلات صغيرة يحكمونها , دويلات تعادى جيرانها, فى تعارض تام مع أبسط قواعد ومبادئ الاسلام الحقيقية , مما يجعلهم هدفاً مباشراً للعداء مع غيرهم , عداء الرابح فيه ليس مسلماً والخاسر فيه مسلم , فلا تنخدعوا بالشعارات وأنظروا الى الصورة كاملة قبل ان تغردوا أو تكتبوا كلمة واحدة عن أى أمر يخص عامة المسلمين فى أى مكان فى العالم .

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط