الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مفتي الجمهورية لطلاب جامعة قناة السويس : العلم لا يأتي بقراءة كتاب أو اثنين بل نتيجة جهد سنوات.. وعلى الشباب عدم أخذ الفتوى إلا من أهل الاختصاص

مفتي الجمهورية
مفتي الجمهورية

مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس:

العلم لا يأتي بقراءة كتاب أو اثنين بل نتيجة جهد سنوات

أدعياء العلم يركزون على الشكل فقط وليس المضمون

أدعياء العلم يرفعون شعار الدين لتحصيل أهداف دنيوية وخداع الناس

على الشباب عدم أخذ الفتوى إلا من أهل الاختصاص

 

أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن الرسالات السماوية جميعًا عُنِيَتْ في المقام الأول ببناء الإنسان وتطويرِه وتأهيلِه لخلافة الله في الأرض، والقيامِ بمقتضيات تلك الخلافة، وأَوْلَتِ الشريعةُ المحمدية على وجه الخصوص عنايتَها البالغة ببناء هذا الإنسان، بوصفه ركيزة الحضارة، ومناط عملية النهضة والتنمية، وسَعَتْ إلى تشييد هذا البنيان الإنساني على قواعد ثابتة مستقرة. 

 

وأضاف مفتي الجمهورية، في ندوة مع طلاب جامعة قناة السويس، أن بناء الإنسان يكون بالتخلية والتحلية والتزكية والعلم النافع؛ إذ إن الإنسان الذي يسعى الإسلامُ إلى بنائه ينبغي أن يكون مرتبطًا بتراثه العريق الذي يحفظ له هُوِيَّتَه الثقافية، وذاتيته الحضارية.


كما أن الإسلام يسعى إلى بناء إنسان متعلِّم؛ فالعلم هو الضامن الحقيقي لإعادة صياغة الشخصية وتطويرها بالقدر الذي تستطيع به مواكبة متطلبات العصر وتحدياته؛ ومن ثم لا يوجد ثمة ازدواجية بين العلوم الدينية والدنيوية.


وواصل المفتي قائلًا: إن العلم منهجية، وليس مجرد مجموعة من المعلومات التي تحصل في العقل، بل هو منهجية متكاملة تستطيع بواسطة هذه المعلومات استخراج النتائج ومعرفة المقاصد والترجيح بين المصالح والمفاسد، مشيرًا إلى أن هذه المنهجية لا تحدث بين يوم وليلة، ولا بقراءة كتاب أو اثنين أو عشرة؛ بل هي نتاج سنوات من التعلُّم والقراءة والبحث والاستفادة والإفادة.


كما تحدث عمن أسماهم بـ أدعياء العلم، موضحًا أن من صفات أدعياء العلم التركيز على الشكل لا المضمون؛ فقد فهموا الدين على غير مراده فخالفوا مقاصده، وأتوا فيه بمعانٍ ومفاهيم جديدة وغريبة، ادَّعوا أنها تمثل صحيح الدين، والمؤكد أن أسلوبهم خطابي مبني على العواطف الحماسية لا على المقاصد والمعاني، حيث يستغلون الدين في تحقيق أغراضهم الدنيوية، رغم أن شريعة الإسلام تأمرنا بتنفيذ أوامر الله والالتزام بالدين طاعة لله عز وجل ورغبة في تحقيق رضاه، ولكن أدعياء العلم يجعلون ذلك وسيلة لتحقيق أهداف دنيوية يلبسونها ثوب الدين، فيرفعون شعار الدين ليخدعوا به الناس لتحصيل الدنيا.

وتابع المفتي تفنيده لصفات أدعياء العلم، موضحًا أنهم كثيرو الحكم على الآخرين، ومن هنا فإنهم يتساهلون في أمر الدماء، رغم أن شريعة الإسلام تحذر من انتهاك حرمة الدم، وتعلي من شأن حياة الإنسان. يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة:32]. وقال النبي ﷺ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ دَمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حَقٍّ». 

كما يزعمون الاختصاص بالحق من دون سائر الخلق، رغم قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، وقال نبينا الكريم ﷺ: «وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ». ويعملون ضد مظاهر المدنية والتحضر؛ فهم في خصام وتنافر مع مظاهر عمارة الأرض وضد كل نجاح بشري، فلم يقدموا أي شيء نافع لمجتمعاتهم أو أمتهم، رغم أن الإسلام يعلي من شأن قيمة العمل ويحث على عمارة الأرض ونشر مظاهر المدنية والحضارة، ويجعل ما يبذل في سبيل ذلك من القربات إلى الله التي يثاب المرء عليها.

وأكد المفتي أنهم يعملون أيضًا على الانتقاص من أهل الاختصاص والتطاول على علماء الأمة، رغم أن الشريعة الإسلامية تضبط الكلام في الدين ومجال الفتوى، وترد أمور الشريعة لأهل الاختصاص، يقول الله عز وجل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:43]. 


وكذلك الانتقاص من قيمة الوطن واعتبارهم أن محبة الأوطان شرك والتعاون مع مؤسسات الدولة والعمل بها كفر، مع أن شريعة الإسلام ترشدنا إلى أن حب الوطن من الإيمان، وتبين لنا أن الانتماء الوطني أمر فطري وواجب شرعي، وتوضح لنا أن قوة الوطن قوة للدين.


وعن دور الشباب في مواجهة أدعياء العلم، أكد المفتي أن على الشباب التثبُّت، فقال: في ظل الموجة الهادرة من أدعياء العلم في كل مكان يجب التثبت وأخذ العلم من منبعه الصافي، ولا نأخذ الفتوى إلا من أهل الاختصاص، وتتبع المنهج الشرعي الصحيح المأخوذ عن العلماء، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس حين قال للخوارج: «جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم» فأخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبي الكريم، وورَّثوه للتابعين وتابعيهم حتى وصل إلى الأزهر الشريف؛ ذلك المنهج الصحيح الذي يربط بين الشكل والمضمون بوضوح تام، ولا يفصل بحال بينهما.

كما تطرق المفتي للحديث عن تعظيم قدر العلماء وتوقيرهم، موضحًا أن الشرع الكريم حضَّ على توقير أهل العلم؛ إذ بالعلماء يظهر العلم، ويُرفع الجهل، وتُزال الشبهة، وتُصان الشريعة. وقد روى الترمذي وأحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا من لم يجلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرنا، ويعرفْ لعالمنا حقَّه". 


وأضاف: علينا نبذ التشدد والغلو؛ فقد تميزت الأمة الإسلامية دون سائر الأمم بالوسطية، والتي تعني التوسط والاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط. ولقد سلك المتطرفون مسلك التشدد وركبوا مركب التعصب باسم التمسك بالسنة المطهرة، لكن نصوص السنة واضحة وقطعية في نبذ التشدد والغلو.


كما أن علينا التمسك بالأخلاق وعدم الانفصام بين العبادة والأخلاق؛ فإن التعامل مع الآخرين هو محكُّ التَّديُّنِ الصحيح. وقد اشتُهر على الألسنة أن الدين المعاملةُ. والمقصود بالمعاملة الأخلاق. وفي التدين الحقيقي لا فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ويؤصل لهذا المعنى حديث جبريل عليه السلام المشهور، حين سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان. فقد بيَّن هذا الحديث الشريف أن الإسلام: شعائر وعقائد وأخلاق. والأخلاق هي مرتبة الإحسان.


وحول التحديات التي تواجهها الدولة، أكد فضيلة المفتي أن الدولة تواجه تحديات جمة، منها المؤامرات والحروب التي أخذت أشكالًا جديدة هي حروب الجيل الرابع والخامس. كما أن العالم يواجه أيضًا تحديات كثيرة، منها: كوفيد 19 والتغير المناخي وندرة المياه… وغير ذلك، مشيرًا إلى أن على الشباب دورًا كبيرًا في مواجهة التحديات الوطنية وخاصة الاجتماعية؛ مثل: زيادة السكان والطلاق المتكرر والانتحار والتفلُّت في السوشيال ميديا وانتشار المخدرات… وغير ذلك.


ودعا مفتي الجمهورية في محاضرته، الشباب إلى ضرورة دعم الدولة في هذه المرحلة؛ وذلك بتطبيق تعاليم الدين من جهة، وتعليمات القانون والدولة من جهة أخرى؛ وذلك لتحقيق أمن واستقرار المجتمع، هذا مع دعوة الغير إلى دعم الدولة والالتزام بما توجه الأفراد إليه نحو اتخاذ الإجراءات الاحترازية والحفاظ على مؤسسات الدولة من التخريب والإفساد؛ مما يحفظ على الدولة هيبتها ويؤدي إلى استقرارها.


كما دعاهم إلى ضرورة الحفاظ على استقرار الوطن، مؤكدًا أن المسلم الحق هو الذي يحب وطنه ويعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها؛ لأن في ذلك حفاظًا على شعائر الدين ورعايةً لمصالح الخلق وانضباطًا لحياتهم. وهذا من الإصلاح الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف 142]. فالمتدين بحق هو أبعد الناس عن معاني الإفساد في الأرض.


كذلك دعاهم إلى المشاركة الإيجابية والمساعدة على حل المشكلات بالمشاركة الإيجابية في المجتمع؛ فالمسلم الحق هو الذي لا يعيش كلًّا على أحد، يسعى لعمله كما يسعى إلى صلاته، يصلح بين المتخاصمين، ويجود بماله ووقته من أجل الآخرين، ويحارب الفساد، ويتصدى للمنكرات، ويتعاون مع أفراد المجتمع من أجل رقيه والنهوض به، امتثالًا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

هذا إلى جانب ضرورة تمسك الشباب بدرء الفتنة، قائلًا: يجب غلق الباب أمام دعاة الفتنة؛ وذلك بتقبل الآخر والتعايش معه بالتسامح والمحبة؛ فإن الإسلام يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد، وأنهم خُلقوا كلهم من نفس واحدة، وأنهم جُعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، فالمتدين تدينًا صحيحًا هو الذي يؤمن بأن البشر جميعًا تجمعهم رابطة الأخوة الإنسانية، فهو يقبل الطرف الآخر ولا يُقصيه؛ لأن الإسلام أكد على وحدة البشرية وإن تعددت شرائعهم، ومن هنا ينبغي احترام الأديان والمقدسات؛ فإن الإسلام يدعو إلى احترام الأديان، كما يحرِّم الاعتداء على دور العبادة الخاصة بالمسلمين وغيرهم، ويدعو إلى تقبل التعددية العقدية؛ لأن الناس لن تجتمع على دين واحد؛ لكون الاختلاف سنة الله في هذا الكون، قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}.


وفى ختام كلمته، أكد مفتي الجمهورية على أن النهضة المصرية وتحقيق رؤية الدولة في تحقيق التنمية المستدامة لن تقوم إلا بالعمل الدءوب وَفقًا لتخطيطٍ حكيمٍ لن يتحقق إلا بتشكيل وعيٍ شامل في المجتمع وخاصة لدى الشباب؛ وذلك لأن العمل الناجح فرع الوعي الرشيد، ومن هنا وجب أخذ جميع الطرق الفعالة لتحقيق وظيفة العلم والعلماء في توعية المجتمع بالطريق الأمثل لسعادة الدنيا والآخرة.
 

مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس
مفتي الجمهورية في ندوة بجامعة قناة السويس