الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى توليه حكم مصر.. محطات من حياة السلطان حسن وتحفته المعمارية التي أبهرت العالم |نوستالجيا

صدى البلد

تمر اليوم ذكرى تولي السلطان حسن حكم مصر، والذي ترك لنا تحفة معمارية هي الأعظم "جامع ومدرسة السلطان حسن" فبالرغم من أنه لم يبقى كثيرًا على رأس السلطة إلا أن تحفته المعمارية استطاعت أن تُخلد اسمه لقرون طويلة، فلم يأتي أحد إلى القاهرة إلا وقد أبدى إعجابه بهذا الأثر الخالد الذي خلفه لنا السلطان حسن.


لم تكن حياة السلطان حسن بنفس القدر الذي خلفها من خلال مسجده، فقد كانت حياته مليئة بالصراعات، والتي انتهت في النهاية بمقتله، ولم يعثر له على أي أثر بعد عملية قتله المجهولة!


ولد السلطان حسن سنة 735هـ، فوالده هو السلطان الناصر «محمد بن قلاوون» والذي شهدت الدولة المملوكية أزهى فتراتها حين كان على رأس الحكم، إلا أنه قد توفى سنة 741هـ، وخلفه 6 من أبنائه فلم يستقر أحدهم على الملك إما بالعزل أو بالقتل، إلى أن جاء الدور على الناصر حسن فتولى السلطنة فى 748 هـ، صبيا وافتقر إلى الخبرة فلم يكن قادرًا على بسط نفوذه في مواجهة الأمراء وتصريف الأمور، وكان يدبر الأمر الأميران «منجك، وأخوه بيبغا أرس».
وفي السنة الثانية من توليه الحكم ظهر وباء الطاعون بمصر وقد فتك بمئات الآلاف وعانى الناس من الضرائب والإتاوات التى فرضها عليهم الأميران الغاشمان؛ فاجتمع على الناس شدتان: شدة الموت، وشدة الجباية". 
وفي 751 هـ، أعلن القضاة أن السلطان بلغ سن الرشد، وأصبح مستعدًا لممارسة شئون الحكم دون وصاية، وما كاد يمسك بمقاليد الأمور حتى قبض على الأميرين وصادر أملاكهما، وكان هذا نذيرا لباقى الأمراء، فخشوا من ازدياد سلطانه واشتداد قبضته على الحكم، فسارعوا وخلعوه عن العرش فى 752هـ، وبايعوا أخاه الملك صلاح الدين وكان فتى لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره ولم يكن حظ السلطان الجديد أسعد حالا من أخيه السلطان حسن، فكان مقيد التصرف، فتجمعت السلطة فى يد الأميرين «صرغتمش وشيخون»، وقد حاول أحد الأمراء الاستعانة بالسلطان لخلعهما والقبض عليهما لكنهما سارعا بالقبض على السلطان وإعادة أخيه الناصر حسن إلى الحكم مرة أخرى سنة 755هـ، ولما تولى الحكم وكان قد صهرته التجارب أصبح سلطانا بلا منازع، وباشر شئون الدولة بنفسه دون تدخل من أحد، وذلك لم يدم طويلا، إذ نازعه مملوكه الأمير يلبغا العمرى الذى نجح فى القبض عليه وقتله فى سنة 762هـ، وكانت مدة ملكه الثانية 6 سنوات و7 أشهر".
وقتل السلطان حسن قبل انتهاء بناء مسجده الموجود بالقلعة، ولم يعثر على جثمانه ودفن ولداه فيما بعد فى الضريح الذى بناه فى المسجد خصيصا.

فنون العمارة

ورغم اغتيال السلطان حسن سنة 762هـ، إلا أن تلميذه الأمير بشير الجمدار قد أكمل بناء المسجد لينتهي بعد أربع سنوات، ويعد المسجد من أبرز آثار القاهرة التاريخية، وأحد أهم وجهات السائحين وكبار الزائرين، فقد حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على زيارة المسجد خلال عام 2009. كما قال عنه المؤرخ الفرنسي آدم فرنسوا جومار في كتاب «وصف مصر»: «إنه من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في المرتبة الأولى للعمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنته، وعظم اتساعه وفخامة وكثرة زخارفه»، ووصفه الرحالة المغربي الورتلاني، بأنه «مسجد لا ثاني له في مصر ولا غيرها من البلاد في فخامة البناء ونباهته». كما وصفه المستشرق الفرنسي جاستون فييت بقوله: «قد يكون هذا الجامع هو الوحيد بين جوامع القاهرة الذي جمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها».

ويذكر أن عالم الآثار والمؤرخ المصري حسن عبدالوهاب في كتابه «تاريخ المساجد الأثرية» وصف المدرسة وصفًا دقيقًا إذ قال: «إن حق لمصر الفرعونية أن تفخر بأهرامها فإن لمصر الإسلامية أن تتيه عجبًا بمدرسة السلطان حسن التي لا يعادلها بناء آخر في الشرق بأجمعه، فقد جمعت شتى الفنون فيها.

ويضيف عبدالوهاب: أن موقعها قديما عرف بسوق الخيل، وكان به قصر من أجمل القصور، أمر بإنشائه الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 738هـ (1337م) لسكنى الأمير يلبغا اليحياوي وقد بقي هذا القصر حتى هدمه الملك الناصر حسن وبنى محله هذه المدرسة. ففي سنة 757هـ (1356م) بدأ هذا السلطان في بنائها وعنى بها عناية شديدة واستمرت العمارة جارية فيها مدة حياته، وكان يصرف عليها بسخاء عظيم. ونسب الطواشي مقبل الشامي إلى السلطان حسن أنه قال: «لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه».

ويعقب عبدالوهاب في كتابه عن الأمر فيقول: «ليس مستبعد أن يقول هذا؛ فالبناء شامخ يدل على العظمة والجبروت وعلى المقدرة الفنية، كما ينم عن كثرة النفقات، وقد ابتكر مهندسه في هذا البناء الضخم زخارف دقيقة وكتابات ونقوشا ونحاسًا مكفتًا آية في الحسن والبهاء»، كما وصفها المقريزى المؤرخ بقوله: «فلا يعرف في بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحاکی هذا الجامع وقبته التي لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها، وقد أجمع على هذا الرأي جميع المؤرخين والرحالة الذين زاروها، فيقول عنها ابن تغری بردی: «هذه المدرسة ومئذنتها وقبتها من عجائب الدنيا، وهي أحسن بناء بني في الإسلام».