الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صدور كتاب "ما علم الآثار؟" للدكتور ممدوح الدماطي

صدى البلد

صدر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب "ما علم الآثار" للدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار الأسبق، عميد كلية الآثار بجامعة عين شمس، والذي يقدم من خلاله شرح مبسط لعلم الآثار ليتعرف عليه الجميع، حيث تعمد خلال الكتاب تبسيط الكثير من المصطلحات التي يتم تداولها رغبة منه في تقريب الكثير من وجهات النظر التي تخص هذا العلم والذي يعد واحد من أهم العلوم الإنسانية باعتباره من أهم السبل المساعدة على استنطاق أوجه الحياة في المجتمعات القديمة؛ إذ يهتم الكتاب بدراسة كل ما خلفه الإنسان منذ نشأته وحتى العصر الحديث، ويساعدنا على معرفة تطور الحياة البشرية في المجتمعات، التي وجدت فيها آثار دالة على نشاط بشري ومظاهر حضارة الإنسان، والتي تسهم بتكوين جزء من تاريخ البشرية، حتى تكتمل الصورة التي يتطلع إليها علماء الآثار لمعرفة الكيفية، التي تطورت بها الحضارات، وإلى معرفة المكان والزمان اللذين حدث فيها هذا التطور.

يرى الدماطي خلال كتابه أن علوم الآثار تعددت بتعدد الحضارات. فهناك علم الآثار المصرية القديمة، وعلم آثار بلاد النهرين، ويشمل حضارات العراق القديم، ولعل أشهرها سومر وأكد و آشور وبابل ، وآثار الحضارة الفارسية في إيران ، وآثار حضارة اليونان ، والآثار الرومانية، وآثار الحضارة الصينية والحضارة الهندية وغيرها، ومع تعدد هذه الحضارات تحتل مصر المكانة الأولى بين دول العالم ذات الحضارات العريقة لما لها من خصوصية في الزمان والمكان؛ حيث تنوعت فيها وتتابعت على أرضها الحضارات، وزخرت جوانبها بالآثار المتنوعة، فمنها آثار ترجع لعصور ما قبل التاريخ، ومنها الآثار الفرعونية والآثار اليونانية والرومانية وكذلك الآثار الإسلامية، وكانت هذه الخصوصية التي حبا بها الله أرض مصر سببا للإعجاب والاهتمام بها، وإنشاء العديد من المعاهد المتخصصة في دراسة الآثار المصرية على اختلاف أنواعها في أغلب دول العلم المتحضر بما فيها مصر، وقامت هذه المعاهد بدراسات ميدانية ونظرية ومعملية في مصر منذ القرن الثامن عشر، وكثفت جهودها في القرنين التاسع عشر والعشرين، وبدأت بتطوير برامج وإعداد الكوادر اللازمة للبحث عن الآثار ونشر نتائجها وعرضها على الجمهور ، ويفيد علم الآثار في توضيح الهوية الحضارية لأي شعب من الشعوب؛ لأن المقياس الحضاري لأية أمة في وقتنا الحاضر ليس التقدم التكنولوجي فقط بل أيضا بمدى اهتمامها بحضارتها وتراثها. 

 

ومن بين الاهتمامات الرئيسة لعلماء الآثار في يومنا هذا ، مسألة حماية المواقع الأثرية، التي لم تدرس بعد؛ إذ أن كثيرا من هذه المواقع مهدد بمشروعات البناء أو بالتوسع الزراعي أو بأشكال أخرى من مشروعات التنمية، وقد استصدر العديد من بلاد هذه الحضارات الكثيرة من القوانين ، التي تهدف إلى تحديد الأماكن التي قد تكون ذات أهمية تاريخية وإلى حمايتها.

 ويسعى علماء الآثار على الصعيد الدولي إلى وقف عمليات البيع غير القانونية للقطع الأثرية، كما أنهم يعملون على حث الدول المتطورة على سن وفرض قوانين ، تحرم استيراد الآثار بالطرق غير المشروعة أي بلا شهادات تصدير من بلدها الأصلي ، كما يسعون أيضا للحد من نشاطات لصوص الآثار ، الذين يقومون بتخريب المواقع الأثرية وإتلافها للحصول على كنوزها . وعلم الآثار ليس عليا مكتبيا أو وصفيا بل علا ميدانيا في معظم جوانبه ؛ لأن البحث العلمي في الآثار يبدأ بالمسح والاكتشاف ، ويمر عبر التنقيب وينتهي بإجراء التحليلات واستنباط النتائج ونشرها ، لمعرفة ماضي الإنسان ونشاطه عبر العصور المختلفة .
 

قسم ممدوح الدماطي كتابه للعديد من الفصول إذ إنه ناقش في الفصل الأولى"آثار ما قبل التاريخ" والثاني "الآثار المصرية القديمة"، والثالث "الآثار اليونانية الرومانية"، والرابع "الآثار الإسلامية"، وأخيرًا الآثار الغارقة.

ما قبل التاريخ

وفي الفصل الذي قدمه عن "علم آثار ما قبل التاريخ" استفاض الدماطي الشرح إذ أوضح وقال: "يهتم علم آثار ما قبل التاريخ بدراسة آثار الإنسان في فترة طويلة تمتد من بداية ظهور الإنسان وحتى بداية التاريخ ، وتشتمل على مرحلتين مهمتين من تاريخ البشرية ، تبدأ مرحلتها الأولى من بداية ظهور الإنسان غير العاقل على الأرض ، والتي قد تصل لأكثر من مليون سنة ، يليها مرحلة ظهور الإنسان العاقل Homo sapiens , Latin wise man “ ) والتي قد تبدأ منذ قرابة 130,00 سنة، وكان معاصرا لأسلافه البدائيين في أفريقيا. 

وبدأ أول البشر المعاصرين بالانتقال خارج إفريقيا. وفي مصر بالمثل يهتم بدراسة آثار الإنسان من المرحلتين، من بداية ظهوره على أرضها، ثم بداية المجتمعات الحضارية في مصر وحتى نهاية عصور ما قبل التاريخ وبداية عصر الأسرات في مصر ، والذي يبدأ مع الأسرة الأولى التي أسسها الملك مينا بعد توحيده لشطري مصر قرابة 3100 ق.م. وعلى الرغم من أن هذه الفترة هي مقدمات العصر الفرعوني، وتعتبر جزءا أساسيا منه وأصل في كينونته إلا أن لها طابعها المميز خاصة العصور الحجرية القديمة، لما تتشابه فيه مع باقي المجتمعات القديمة على اختلاف مواقعها وتباين مواطنها، فقد كانت السمة الأساسية هي استخدام الحجر كأداة رئيسة في شتى مجالات الحياة، واستمر هذا الحال حتى العصر الحجري الحديث ، الذي بدأت تتباين فيه الحضارات من موطن لآخر فهو في مصر يختلف عن بلاد النهرين عنه في الشرق الأقصى أو أوروبا ، وقد اختلفت بدايته من مكان لآخر حسب اكتمال المقومات الحضارية لهذا العصر ، الذي يميزه التحول الخطير في حياة الإنسان ، وهو تحول الإنسان من جامع للطعام يعيش على الصيد ويقتات من نبات الأرض ، وقد استخدم أشكالها لذلك أدواته الحجرية التي تطورت وتنوعت مع الوقت لتتفق وظائفها ، التي طالما استحدثت مع تطور الإنسان وتنوع احتياجاته ، إلى إنسان منتج للطعام باكتشافه للزراعة ، وما ترتب عليها من استقرار وتطور في شتى مجالات الحياة ، وبهذا العصر تبدأ في مصر الحضارة المصرية بمقوماتها وطابعها المميز ، الذي يعد اللبنة الأولى في صرحها الفريد ، ويمتد هذا العصر في مصر من بدايات الألف السادس قبل الميلاد حتى قرابة 3100 ق.م ، وهو بداية العصور التاريخية ، والتي يميزها معرفة الكتابة ، وهو يتفق في مصر مع تاريخ توحيد القطرين وبداية ما يسمى بالعصر الفرعوني على يد الملك مينا. إذ إن دراسة الأدوات الحجرية هي التي تمكننا من وضع تصور زمني لعصور ما قبل التاريخ ومراحل تطورها منذ عرف الإنسان الحجر كأداة له، وهذه العصور يمكن تقسيمها كالتالي: العصر الحجري القديم ، وينقسم بدوره إلي ثلاثة عصور هي العصر الحجري القديم الأسفل والأوسط والأعلى . العصر الحجري الوسيط ، وهي مرحلة وسيطة بين العصرين الحجري القديم والحجري الحديث ، ولا يعترف كثير من العلماء بأهمية هذه الفترة، أو بوجودها في مصر والشرق الأدنى.

علم الآثار المصرية
 

وتحدث الدماطي في الفصل الثاني عن "علم الآثار المصرية" إذ قال: يعتبر علم الآثار المصرية القديمة والمعروفة أيضا بالآثار الفرعونية من أشهر فروع علوم الآثار ، وهو العلم الذي يهتم بدراسة آثار الإنسان المصري في فترة تاريخية تمتد من بداية معرفته للتاريخ في مصر قرابة 3100 ق.م. وحتى نهاية العصر الفرعوني ودخول الإسكندر الأكبر مصر في عام ۳۳۲ ق.م. على الرغم من أن بداية التاريخ في مصر تواكب بداية الأسرة الأولى قرابة 3100 ق.م إلا أن مقدمات هذا العصر والتي تعتبر جزءا أساسيا منه وأصل في كينونته هي الفترة المعروفة في الحضارة المصرية بحضارات العصر الحجري الحديث وعصري ما قبل وما قبيل الأسرات ، وهي الفترة التي تمتد من قرابة 6000 - 3100 ق.م ، وهي أيضا فترة أساسية في دراسات آثار ما قبل التاريخ في مصر ، ويعتبر علم الآثار المصرية القديمة أكثر علوم الآثار تشويقا ، حتى أنه يعد العلم الوحيد من علوم الآثار ، الذي ارتبط باسم  موطنه، وعرف بعلم المصريات في معاهد وأقسام الآثار المصرية على مستوى العالم ، فعرف بالإنجليزية Egyptology وبالفرنسية Egyptologie ، وبالألمانية Agyptologie في باقي اللغات. وبالإيطالية Egittologia، وبالإسبانية Egiptologia ، وهكذا انزوت الحضارة المصرية القديمة قرابة خمسة قرنا منذ أن قضي على الوثنية خلال القرن الرابع الميلادي ، النا وأصبح لا يعرف عنها إلا الحكايات والخرافات ، و وتعرضت الآثار المصرية على مدار هذه القرون للنهب بحثا عن الكنوز واستغلال أحجارها في البناء ، وظل الأمر على هذا الحال حتى أوائل القرن التاسع عشر عندما نشأ علم الآثار المصرية . ففي عام 1799 م عثر على حجر رشيد من قبل أحد ضباط الحملة الفرنسة على مصر ، وهو عبارة عن مرسوم كهنوتي من عصر الملك بطليموس الخامس 196 ق.م ، مدون باللغتين المصرية القديمة بخطيها الهيروغليفي والديموطيقي واللغة اليونانية القديمة ، وقد نشرت جريلة « بريد مصر Le courrier d'Egypte » التي كان يصدرها أعضاء الحملة الفرنسية خبر هذا الكشف ، وتساءلت ما إذا كان النص اليوناني هو ترجمة للنص الهيروغليفي ؟ وأثبتت الأيام بعد ما تمكن شامبليون من حل رموز الكتابة المصرية وترجم نصوص حجر رشيد أن ما تنبأت به هذه الجريدة كان صحيحا ، وبعد هزيمة الفرنسيين من الإنجليز وطبقا للفقرة ١٤ في معاهدة الإسكندرية عام ١٨٠١ م آل حجر رشيد إلى إنجلترا ، وفي عام ١٨٠٢ م أمر الملك جورج الثالث أن يعرض الحجر في المتحف البريطاني في لندن ، وهو محفوظ هناك حتى الآن.

علم الآثار اليونانية والرومانية

تحدث وزير الآثار الأسبق خلال هذا الفصل عن أن علم الآثار اليونانية والرومانية يهتم بدراسة آثار وحضارة بلاد اليونان والرومان ، والتي بدأت في جزر بحر إيجه منذ النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد ، وتطورت مع مضي الزمن في جزر بلاد اليونان حتى انتشرت في عهد الإسكندر الأكبر في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد لتشمل إمبراطورية واسعة ضمت بلاد اليونان ومنطقة شرق البحر المتوسط با فيها مصر وبرقة ووصلت إلى الهند شرقا ، وورثت الحضارة الرومانية الحضارة اليونانية ، وانتشرت حتى شملت حوض البحر المتوسط كله وأغلب دول أوروبا، وعلى الرغم من أن العصر اليوناني والروماني في مصر ينحصر في الفترة من دخول الإسكندر الأكبر لمصر عام ٣٣٢ ق.م حتى الفتح الإسلامي لمصر عام ٦٤١ م ، إلا أن آثار هذه الفترة تدرس كجزء من الكل في الإطار العام لعلم الآثار اليونانية والرومانية . ما علم الآثار
كان الاهتمام بالآثار اليونانية والرومانية مواكبا لعمر النهضة الأوروبية ، واتخذت عملية اقتناء الآثار بصفة عامة والآثار اليونانية والرومانية بصفة خاصة شكلًا أكثر انتشارا في القرن السادس عشر وخاصة من قبل النبلاء والأمراء في إيطاليا ، كا شاعت ظاهرة الرحلات الطويلة إلى بلدان البحر المتوسط فيها بين القرنين السابع عشر والثامن عشر بين أواسط المثقفين في أوروبا ، وامتلأت منازلهم وحدائقهم بالتحف والآثار المتنوعة وخاصة التماثيل اليونانية والرومانية. وفي مصر بدأ الاهتمام بالآثار اليونانية الرومانية مواكبا للاهتمام بالآثار المصرية القديمة من منتصف القرن التاسع عشر ، وخاصة أن مواقع الآثار التي كان يتم الحفر فيها آنذاك من قبل مارييت ثم ماسبيرو من بعده كان يعثر فيها أيضا على آثار من العصرين اليوناني والروماني ، والتي كان يتم حفظها في متحف بولاق ثم الجيزة ، ثم نقلت للمتحف اليوناني الروماني بعد إنشائه فيما بعد.
 

علم الآثار الإسلامية.

خلال هذا الفصل يتحدث الدماطي بإسهاب عن علم الآثار الإسلامية والتي تحتل مكانة فريدة بين فروع علم الآثار نظرا لاتساع رقعتها المكانية، والتي تمتد من بلاد المغرب العربي والأندلس غربا حتى إندونيسيا شرقا ، وأيضا لطول فترتها الزمنية والتي تبدأ مع ظهور الإسلام في بداية القرن السابع الميلادي ، وتمتد حتى العصر الحديث ، ومع ظهور الإسلام أتت الإشارات العديدة في القرآن الكريم إلى آثار السلف والاعتبار بها كما ذكر في سورة غافر آية ٨٢ « أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون » وبهذه الآية إشارة إلى دراسة الآثار ، لفهمها والاعتبار بها، فقد حث القرآن على البحث في الأرض بلفظة « سيروا في الأرض » ليتعرف الإنسان على بداية الخلق ، وهو ما لا يتحقق إلا بدراسة الآثار ؛ لذلك كان اهتمام الرحالة المسلمين في العصور الوسطى بوصف الآثار ، التي شاهدوها خلال رحلاتهم بأنها بداية الاهتمام بالآثار بصفة عامة وبالآثار الإسلامية خاصة ، ومن هؤلاء الرحالة ابن بطوطة وابن جبير ، كما كتب المقريزي مؤلفا مها في الآثار هو « المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار » ، ثم كتب ابن خلدون فصلا عن العمارة ، وفي العصر الحديث كتب على مبارك « الخطط التوفيقية ». ومنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بعلم الآثار في أوروبا ومنها إلى مصر مع النهضة بعلوم الآثار المختلفة ، والتي بدأت تأخذ شكلا علميا منظما في ذلك الوقت ، وكانت النواة الأولى لإنشاء متحف للآثار الإسلامية ، التي بدأها المهندس سالزمان الذي اقترح على الخديو إسماعيل سنة ١٨٦٩م من تحقيق هذه الأمنية فكلف مدير القسم الفني بإدارة الأوقاف بتخصيص بناء حكومي للتحف ، التي جمعت من المساجد والبيوت الأثرية ، ولكن هذا المشروع لم ينفذ إلا عام ١٨٨٠ م حينها عهد الخديو توفيق إلي فرانتزيا باشا التحف الأثرية التي يرجع عهدها إلي العصر الإسلامي، وفي سنة ١٨٨١ م صدر أمر عال بإنشاء لجنة حفظ الآثار العربية بجامع الحاكم ، ثم نقلت التحف في متحف صغير بني خصيصا في صحن المسجد عرف آنذاك باسم « دار الآثار العربية » ، وكتب أول دليل له المهندس هرتس بك ، وبقيت في هذا المكان حتى تم بناء المبنى الحالي بميدان أحمد ماهر بباب الخلق ، الذي وضع أساسه سنة ١٨٩٩ م وأكمل بناءه سنة ١٩٠٢ م على مساحة كلية ٤٠٠٠ متر مربع ، ثم نُقلت إليه التحف الأثرية من جامع الحاكم بأمر الله في نهاية سنة ١٩٠٣ م وتم افتتاحه في ٢٨ سبتمبر سنة ١٩٠٣م، وفي عام ١٩٥٢ م تغير اسم المتحف من « دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامي» على اعتبار أنه يحوي تحفا إسلامية من مختلف حجر أنحاء العالم الإسلامي العربي وغير العربي.



الآثار الغارقة

وفي الفصل الأخير من الكتاب خصصه ممدوح الدماطي للآثار الغارقة، إذ أوضح أنه على الرغم من أن الآثار الموجودة والمكتشفة تحت الماء المعروفة بالآثار الغارقة هي آثار منوعة من عصور الحضارة المصرية المختلفة من العصر الفرعوني وحتى الحديث ، إلا أنها ذات خصوصية لموقعها وكيفية التنقيب عنها وانتشالها من تحت الماء ، وتحتوي شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر على تراث كبير من الآثار تحت ماء البحر ، ولم يقم علماء الآثار والمؤرخون حتى الآن بدراسة شاملة لهذا التراث المصري ، الذي يغطي حقبة تمتد من القرن الرابع قبل الميلاد إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي.

فقد نشأ علم الآثار الغارقة في مصر في عام ١٩٦٢، عندما أقنع كامل أبو السعادات ، رائد رياضة الغطس في الإسكندرية ، البحرية المصرية بإخراج تمثال ضخم لملكة بطلمية على هيئة إيزيس من الموقع الأثري قرب قلعة قايتباي على عمق تراوح بين 6 و 8 أمتار ، فتقدمت مصر ، نتيجة لإلحاح هذا الرائد الذي كان أول من أدرك أهمية التراث الأثري الموجود تحت الماء ، بطلب إلى اليونسكو لدراسة الموقع ، وفي عام ١٩٦٨ م قدمت عالمة الآثار البريطانية هونور فورست Honor Forst والسيد كامل أبو السعادات بدراسة أولية للتراث الأثري تحت البحري لميناء الإسكندرية. وقد كان المجال البحري تحت الإشراف العسكري ، وفي الثمانينيات أسندت مسئولية التراث الأثري الموجود تحت الماء إلى وزارة الثقافة بفضل إصرار رئيس هيئة الآثار المصرية آنذاك الدكتور أحمد قدري ، ومنذ ذلك الحين تقوم هيئة الآثار المصرية ثم المجلس الأعلى للآثار المصرية بإدارة وتنفيذ جميع الأعمال الأثرية في مصر ، والذي يشرف على جميع أعمال البعثات خاصة الفرنسية واليونانية في الإسكندرية أو الأمريكية في البحر الأحمر بتعاون وثيق ، وقد أسست عام ١٩٩٧ م إدارة خاصة بالآثار الغارقة . وكانت الحفائر الأولى في عام ١٩٨٤ م قام بها جاك دوماه Jacques Dumas رئيس الجمعية الدولية للنشاطات المائية CMAS ، للكشف عن حطام الباخرة «الشرق»، والتي كانت باخرة أميرالية من أسطول بونابرت غرقت في خليج أبي قير ، وعثر على العديد من القطع الأثرية على عمق ١٢ مترا بعد قرابة قرنين من غرقها ، كان من بين القطع الذهبية خواتم ومعالق وعشرات الشمعدانات والعديد المسدسات والسيوف ، وقطع نقدية فضية تحمل نقش لويس الخامس عشر ولويس السادس عشر بكميات لا تُحصى وقطع برنزية من عصر الماليك ، وهي معروضة اليوم في متحف قايتباي من في الإسكندرية . وفي أبريل ١٩٨٦ م وقع أحمد قدري ، رئيس هيئة الآثار المصرية والسيد مارسيل بواتو Marcel Boiteux رئيس شركة كهرباء فرنسا اتفاقية تعاون علمي وتقني، يتم بموجبها تأسيس معمل في كوم الدكة ، في قلب الإسكندرية ، لترميم وحفظ القطع الأثرية المعدنية ، التي عثر عليها تحت البحر وذلك طبقا لتقنيات الكهرباء الكيميائية « الإلكتروكيمياء » ، جرى في هذا المعمل ترميم القطع الأثرية من حطام باتريوت Patriote أهم السفن التجارية في أسطول بونابرت ، والتي غرقت في ميناء الإسكندرية الغربي على مسافة 15 كم ، وفي ديسمبر ١٩٨٦ م قدمت مصر ، بمناسبة زيارة الرئيس حسني مبارك الرسمية إلى فرنسا ، واحدا من المدافع الأربعة التي عثر عليها بين حطام م الباتريوت والمعروض حاليا بعد أن تم ترميمه في المدرسة العليا بوليتكنيك.