الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تهنئة المسيحيين بأعيادهم .. نموذج فريد في الوحدة الوطنية.. وشيخ الأزهر: جائزة شرعا

تهنئة المسيحيين بأعيادهم
تهنئة المسيحيين بأعيادهم

حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم .. أكد الأزهر ودار الإفتاء، أنه لا مانع شرعًا من تهنئة المسيحيين بأعيادهم ومناسباتهم، وليس في ذلك خروج عن الدين كما يدَّعي بعض المتشددين غير العارفين بتكامل النصوص الشرعية ومراعاة سياقاتها وأنها كالجملة الواحدة.

 

يحتفل الإخوة المسيحيون هذه الأيام بـ عيد الميلاد المجيد، ويصدر المتشددون في هذا الحدث فتاواهم بتحريم تهنئتهم في أعيادهم، ودائمًا تحسم المؤسسات الدينية الجدل، بل يحرص شيخ الأزهر ووزير الأوقاف والمفتي، على الذهاب إلى البابا تواضروس للتهنئة، مؤكدين أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يدعوان إلى السلام والتسامح والبر والقسط في التعامل مع أهل الكتاب.

 

واستنكرت هيئة كبار العلماء بالأزهر، الأقوال التي تردد بداية كل عام ميلادي تحرم تهنئة شركاء الوطن بأعيادهم، والتي لا تستند إلى دليل منقول أو معقول وتضر بوحدة النسيج الواحد للوطن.

 

تهنئة الأقباط بر


أكدت الهيئة أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم من البر الذي نص عليه كتاب ربنا: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» وهي إنفاذ لوصايا رسولنا الكريم بأقباطنا: «الله الله في أقباط مصر فإن لهم رحما ونسبا.. الله الله في أقباط مصر فإنكم ستظهرون عليهم فيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله».

ووجهت رسالة للمتشددين: «لا يتصور لشريعة تجيز زواج أتباعها من الكتابيات والإنجاب منهن وتحرم تهنئة أمهات أولادهم بأعيادهن»، وأهابت بالمتصدين للإفتاء الابتعاد عن إصدار ما يضر باللحمة الوطنية ويصادم تعاليم شريعتنا الإسلامية ومقاصدها العامة، مناشدة عامة المسلمين عدم الالتفات إلى تلك الأقوال غير المنضبطة وغير المتسقة مع قواعد شريعتنا السمحة.

شيخ الأزهر يزور الكنيسة

ترأس فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ووفداً من الأزهر، وفضيلة الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الاوقاف، صباح اليوم المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتهنئة قداسة البابا تواضروس الثاني  بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والإخوة المسيحيين بمناسبة «أعياد الميلاد» بحلول عيد الميلاد المجيد.

 

وأعرب فضيلة الإمام الأكبر عن خالص تهانيه للإخوة المسيحيين، داعيًا الله -عز وجل- أن يجعل هذا العام عام خير ومحبة وسعادة، وأن يرفع الله فيه الوباء والبلاء، مؤكدًا أن الرسالات السماوية بينها مشتركات أخلاقية كثيرة، وأن من بين هذه المشتركات هي قيمة السلام، وقيمة الأخوة حيث يقول رسولنا الكريم: «اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمُ إخْوَةٌ».

 

وأشار شيخ الأزهر أن هذا التحاب والتواد الممثل في التهنئة بالمناسبات الدينية والاجتماعية ليس من قبيل المجاملة أو الشكليات كما يصوره البعض؛ ولكنه يأتي انطلاقًا من فهمنا لفلسفة ديننا الحنيف، مؤكدًا ضرورة التحام المؤمنين بالأديان والتفافهم حول قيمهم الأصيلة، للدفاع عن أزمة الإنسان المعاصر ومواجهة هذا الطوفان الذي يستهدف القضاء على القيم الإنسانية، وأن صوت المؤمنين بالأديان هو الصوت الباقي لإنقاذ الإنسان من المأساة التي تتربص بالعالم لتفكيك مفهوم الأسرة ومحاربة الدين وتجنيبه، وإفقاد المجتمع مناعته الاجتماعية للتصدي لمثل هذه الأزمات والكوارث.

 

من جانبه، رحب قداسة البابا تواضروس بفضيلة الإمام الأكبر ووفد الأزهر الشريف، معربًا عن سعادته بتجديد أواصر المحبة والصداقة بين المسلمين والمسيحيين والالتفاف حول النسيج الوطني المصري في هذه المناسبات السعيدة، الأمر الذي يعكس متانة هذه العلاقات وقوتها، مؤكدًا أن الحفاظ على كيان الأسرة المصرية مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية، لإعادة إحياء القيم المجتمعية لمواجهة القيم الشاذة التي تعصف بالأخلاق والقيم.

 

وتناول اللقاء الحديث عن أزمة تغير المناخ، والأزمات الإنسانية المعاصرة وكيفية مواجهتها والتصدي لها، ودور الدين في مواجهة التطرف والتشدد، ونشر الوسطية، وتعزيز قيم الأخوة والسلام، واستراتيجية العمل في بيت العائلة المصرية خلال الفترة القادمة.

 

الإسلام دينٌ كلُّه سلامٌ


ونبه الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، على أن تهنئة غير المسلمين بعيدهم جائز شرعًا، مشددًا على أن الإسلام دينٌ كلُّه سلامٌ ورحمةٌ وبرٌّ وصلة، يأمر أتباعه بالإحسان إلى الناس جميعًا.

وقال مفتى الجمهورية إن الإسلام لا ينهى المسلمين عن بر غير المسلم ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، بل يأمر بهذا كله ما لم يُظهر الآخرُ العداء، مشيرًا إلى أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- القدوةَ الحسنةَ في التطبيق؛ كان يقبل الهدايا من غير المسلمين كما ثَبَت في صحيح السنة.

وأوضح أنه من هنا فهم علماء الإسلام أن قبول هدية غير المسلم ليس فقط مستحبًّا لكونه من باب الإحسان، بل لكونه سُنَّةَ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام والأئمة الأعلام؛ فروي شهود بعضهم أعياد غير المسلمين والأكل من الأطعمة المُعَدَّة للأكل فيها، مستحسنين لها بلا أدنى حرج، ونص الفقهاء على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم مع مراعاة أن لا يقترن ذلك بطقوس دينية أو ممارسات تخالف ثوابت الإسلام.

 

لماذا يحرم المتشددون تهنئة غير المسلمين


وحذر الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، من أن المتشددين الذين يخرجون علينا بداية كل عام ميلادي يحرمون تهنئة شركاء الوطن بأعيادهم، والتي لا تستند إلى دليل منقول أو معقول وتضر بوحدة النسيج الواحد للوطن.

وكشف المفتي السابق عن أن هؤلاء المتشددين استعانوا في أقوالهم بما قاله ابن القيم وابن تيمية في كتبهما، مشيرًا إلى أن كلا الإمامين أقرا بعدم جواز تهنئة غير المسلمين مُتأثرين وقت ذلك بما كان يحدث من حروب وخلافات بين المسلمين والصليبيين والتتار، لافتا إلى أن الزمن تغير.

ورأى الدكتور على جمعة، أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم تعتبر من الأمور الاجتماعية، وليست من الأمور المخالفة للعقيدة مستشهدًا بقوله تعالى: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ».

وبينّ المفتي السابق أن «البر» المأمورين به في الآية السابقة هو التواصل مع غير المسلمين، وأن نهنئهم بأعيادهم حتى وإن كانت مخالفة لعقيدتنا، وأن نزورهم عند مرضهم، وفعل كل شيء فيه ود ومحبة معهم.

 

يسر الإسلام وسماحته


ورفض مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، الفتاوى المتشددة، مؤكدًا أنه لا مانع شرعًا من تهنئة غير المسلمين في أعيادهم وأفراحهم وتعزيتهم في أحزانهم، لافتًا إلى أن ذلك من يسر الإسلام وسماحته.

 

الإحسان إلى غير المسلمين


ونوه مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، بأنه يجوز شرعًا تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وهذا من باب البر والإحسان إليهم.

وأردف: أن الإسلام دعا إلى قيم التعايش والتسامح والاحترام، وربى أتباعه على ذلك، وهي قِيَمٌ لا تتنافى مطلقًا مع اعتزاز كل صاحب دين بدينه، وتمسكه به، فكلما ازداد المسلم فهمًا للإسلام كلما ازداد احترامًا لغيره، وتهنئة المسيحيين بأعيادهم تندرج تحت باب الإحسان إليهم والبر بهم.

وألمح إلى أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم تدخل في باب لين الكلام وحسن الخطاب، وجميع هذه الأمور أمرنا الله عز وجل بها مع الناس جميعًا دون تفرقة، خاصةً مع أهل الكتاب الذين قال الله تعالى في حقهم في سورة الممتحنة: «لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ»، وقال أيضًا في سورة البقرة: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا».

وواصل: كما أن جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم يتوافق مع مقاصد الدين الإسلامي ويُبرِز سماحته ووسطيته، وأن هذا الأمر من شأنه تزكية روح الأخوة في الوطن، والحفاظ على اللحمة الوطنية، ووصل الجار لجاره، ومشاركة الصديق صديقه فيما يسعده من مناسبات.