EN 
رحلة فنية طويلة للفنان التشكيلي محمد خضر، قضاها بين بلد وأخرى، مصر حيث وُلد والكويت حيث درس والقاهرة مجددا لاستكمال الدراسة الجامعية، ثم رحلات لعدة بلاد منها الولايات المتحدة وبريطانيا، جميعها شكلت عاملا في الطابع الفني له الذي تتزاوج فيه فنون الشرق بالغرب وكأنها تشكل هوية مشتركة.
في حوار خاص لـ «صدى البلد» يتحدث التشكيلي المصري عن التجربة الأخيرة وهي المشاركة بفن التجريب في المعرض الجماعي «الشركة.. المقابلة»، مع ثلاثة من الفنانين التشكيلين وهم سامح إسماعيل ومعتز الإمام والفنان ياسر جعيصة، وتضمن المعرض المقرر اختتامه اليوم، 100 عمل تجريبي، وإلى نص الحوار..
ما موقفك من التجريب الذي لاحظناه بالمعرض الأخير، وهل تعتقد أنه يتوجب على الفنان التشكيلي اتخاذ هذه الخطوة خلال مسيرته ؟
التجريب المعروض ليس وليد اللحظة إنما هو عمل مستمر يدور في المرسم خلال رحلة الفنان في البحث والتنقيب على مستجد بصري يضيف به لغة تشكيلية لعمله ويوسع به مجاله التعبيري . فالمنتج الفني الحديث يستند على التجارب القديمة وإن لم يوسع الفنان من مداركه بالتجريب، سوف تنحصر لغته التشكيليه في أنماط متكررة.
الطبيعي هو الرسم على القماش المجهز، بتحضير الخلفية ثم وضع العناصر وتلوينها ثم وضع اللمسات الأخيرة، ولكني عملت بالعكس تمامًا، بالعمل على سطح من السيليكون العازل تمامًا والبدء باللمسات الأخيرة عليه ثم وضع الأشكال ثم رسم الخلفيات ثم وضع الخامة المجهزة ثم لصق القماش فوق كل ذلك، وبعدها انزع القماش عن السطح ، أحيانا تُصيب وأحيانا تُخفق، ولكن بالممارسة يمكن تقليل الإخفاق.
النقل العكسي، تقنية جديدة استخدمتها مؤخرا.. حدثنا عنها ومتطلبات تنفيذها.
النقل العكسي كأنك تمشي عكس الاتجاه بظهرك تمامًا .
البعض يصف تعليم الغير بأن نقل الخبرات أكثر صعوبة من تجسيده، كيف استطعت اتخاذ هذه الخطوة ؟
اعتقادي الشخصي في التعليم أنه لابد أن يكون مجانيا ومتاحا ومصادره مفتوحة للجميع، وعلى كل من يملك معلومة أن يشاركها فورًا ليفتح مجالا للآخرين بالتطور وتقصير المسافات عليهم ليحل الإبداع محل الإرهاق بإعاده اكتشاف العجلة كل مرة. أما ما يدفع من مصروفات للتعليم هي فقط لإدارة النظام التعليمي وليس ثمن حقيقي للمعلومة. لأن الحقيقة أن المعلومة لا تقدر بثمن .
عبرت عن مصر عبر بكل مراحلها من الملكة الفرعونية للطرق الصوفية ومصر الإسلامية ورموز مصر الحديثة.. هل الثقافة المصرية ذات تأثير على أعمالك ؟
للثقافة المصرية القديمة والحديثة أثر عظيم على العالم أجمع، شرق وغرب، ونحن كفنانين جذورنا تمتد لهذا النبع الثقافي فنحن أولى الناس بالاحتفال بها والتأكيد على هويتنا الفنية وعلى أن ما نصنعه الآن هو كان تجريب أسلافنا وهو نتاج فكرهم الذي صُنع بإتقان حتى وصل إلينا ، ويدعونا للسؤال : ماذا سنترك للجيل القادم ليصلهم بجذورهم القديمة ؟ ويجب تقدير أننا حلقة وصل تربط المستقبل بماضينا الجميل .
حدثنا عن التكنيك الخاص بك المُتبع في البورتريهات..
الواقعية الانطباعية والتأثيرية والتعبيرية هي وسائل الفنان المتعددة التي من خلالها ينقل أفكاره، المدارس الفنية ليست غاية في حد ذاتها، إنما هي أداة إجادتها تخدم الفنان في إيصال فكرة وتصوراته عن المعاني.
البورتريه بالنسبة لي يعني تصوير حياة إنسان بكل جوانبها وكيفية جعل كل ملمح فيه يحكي حكاية عنه ويفصح أيضًا عما بداخله ويُجسد حتى مشاعره تجاه هذه الحياة، حتى وإن تطابقت الملامح ، فتعبير الوجه يؤدي لمعاني تختلف عن الآخر، العبرة ليست بالخامة المستخدمة أو تقنية الرسم، العبرة تكون في إظهار الشخصية على سطح اللوحة وتعطي للمتلقي مفاتح قراءة إبعاد هذه الشخصية.
في رأيك ما الأداة الأبلغ لإيصال رسالة العمل الفني..
لا توجد أداة أبلغ من الأخرى، إنما لكل مقام مقال ، والحكمة عند الفنان هي “ما يقدر” وهى الأداة الأنسب. فلا يجب الإفراط مثلا فى استخدام اللون إذا كان من الممكن إيصال الفكرة بالأبيض والأسود، ولا يجب البذخ فى استخدام الأشكال إذا كان الفراغ يعطي المعنى المطلوب، والعكس صحيح .
بين الكلاسيكية والمعاصرة أي الاتجاهين تُفضل؟
الكلاسيكية كالميراث الذي يتوجب علينا استثماره وتنميته لبناء واقعنا المعاصر، ويجب أن نستند على فكر كلاسيكيات الفن قواعده وفهم وإدراك مبعثه، والتعبير من خلاله عن واقعنا المعاصر، فلا يجب إهدار هذا الميراث الفكري وأيضا من الخطأ الابقاء عليه كما هو .
بعد معارضك الفنية خارج مصر.. هل تعتبر الفن التشكيلي رسالة لتقديم رؤية عن الوطن ؟
لم يعد الوطن منعزل وبحاجة لمن يقدمه للعالم الخارجي، فالعالم يعرف عنا ربما أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، العالم أصبح قرية صغيرة وما يحدث في أضيق حارة في أستراليا أو الهند نقرؤه في أنحاء الدنيا وفى لحظتها.
ودورنا كفنانين ليس تقديم رسالة عن الوطن إنما دورنا الحقيقي الآن هو التعبير عن الإنسانيه في كل أنحاء العالم بلا تحديد، واللغة التشكيلية البصرية هي لغة عالمية تقرأها كل اللغات، ولم تعد جملة "الإغراق في المحلية تصل بك للعالمية" لها أي محل الآن ، إنما أصبحت "الإغراق فى إنسانيتك يجعل العالم يفهمك" .
