الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أزمة دير السلطان تتجدد بالقدس..الكنيسة الإثيوبية تطمع فيه والقبطية تحافظ على حقها

أزمة دير السلطان
أزمة دير السلطان

تجددت أزمة دير السلطان بالقدس من جديد، الأزمة التي أصبحت تندلع كل عام في أيام الاحتفال بعيد القيامة المجيد بين رهبان دير السلطان التابعين للكنيسة الأرثوذكسية المصرية وبين السائحين الأحباش التابعين للكنيسة الإثيوبية.

شهد الدير التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصرية في القدس، اليوم، اعتداء من السائحين الأحباش التابعين للكنيسة الإثيوبية على الرهبان المصريين، وهو ما تسبب في تدخل شرطة الاحتلال الإسرائيلية للفض بين الطرفين.

الاعتداء على دير السلطان

وكانت قد بدأت الواقعة عندما قام السائحون الأحباش بنصب خيمة في ساحة دير السلطان وعليها علم إثيوبيا في استفزاز واضح وصريح للرهبان المصريين وللدير التابع للكنيسة المصرية، الأمر الذي رد عليه الرهبان والشمامسة برسم علم مصر على البوابة الرئيسية للدير.

الاعتداء على دير السلطان

وتطور الأمر باعتداء السائحين الأحباش على الرهبان المصريين وحدثت مشادة انتهت بتدخل الشرطة الإسرائيلية لفض الاشتباك بينهما ومنع الاحتكاك.

ولم يصمت السائحون الأحباش عند هذا الحد وقاموا بقذف أكياس بها لون أخضر على العلم المصري الذي رسمه الرهبان على باب الدير للحفاظ على هوية الدير المصرية والاعتداء عليه بأفعال وأقوال خارجة الأمر الذي يسئ للدولة المصرية وليس للدير فقط.

ومن جانبه، أعرب مطران الكنيسة القبطية في مدينة القدس، الانبا انطونيوس، والرهبان والشمامسة التابعين للدير، عن غضبهم واستيائهم الشديد، وبدأوا اعتكاف في مكان الحدث، استنكارًا على هذا التعدي الصارم من قبل الأحباش على دير السلطان.

وقال الأنبا أنطونيوس، إنه أبلغ شرطة الاحتلال الإسرائيلية بكل تجاوزات الأحباش، وأن جماعة منهم قاموا برفع علم إثيوبيا على الدير القبطي المصري.

وأضاف أن هذا التجاوز غير مقبول ولم يكن جديدا وأنه يتكرر كل فترة، لافتا أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الأقباط في القدس إلى اعتداءات على يد الأحباش بسبب دير السلطان، ففي نفس التوقيت من كل عام الذي يتزامن مع أعياد عيد القيامة تتكرر نفس الواقعة.

شرطة الاحتلال الإسرائيلي في الدير

وفيما يلي يستعرض "صدى البلد" الخلاف التاريخي بين الكنيسة القبطية والكنيسة الإثيوبية على دير السلطان، ولماذا تريد الكنيسة الإثيوبية الاستيلاء على الدير المصري.

تاريخ دير السلطان

يقع دير السلطان في مدينة القدس الشرقية بـ "فلسطين"، وتحديدا في حارة النصارى بجوار كل من كنيسة "هيلانة" للأقباط الأرثوذكس، والممر الواصل إلى سور كنيسة القيامة.

وطبقا لبيانات الكنيسة المصرية، يرجع تاريخ "دير السلطان" في القدس إلى عهد السلطان الأموي عبدالملك بن مروان"684- 705م"، والذي وهبه للأقباط، ولذلك سمي بـ "دير السلطان"، وتم التأكيد على ملكية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للدير، في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي.

وفي النصف الأخير من القرن السابع عشر، لجأ الأحباش للكنيسة القبطية ليجدوا لهم مأوى مؤقتًا للإقامة لديهم بعد أن انتقلت أماكنهم في عام 1654، إلى كنيستي الروم والأرمن بسبب عدم قدرتهم على دفع الضرائب، فما كان من الكنيسة القبطية المصرية سوى استضافة الرهبان الأحباش كضيوف في بعض غرف دير السلطان بصفة مؤقتة حتى تنتهي مشكلتهم.

بداية الأزمة في دير السلطان

في عام 1829، بدأت الكنيسة القبطية في ترميم دير السلطان، مما استدعى إخلاء الدير من كل قاطنيه من المصريين والأحباش، وسمح لهم بالعودة كضيوف عام 1840م، باعتبارهم من أبناء الكنيسة القبطية، ولكن في ذلك التوقيت قام بعض أصحاب المصالح من الحكومات الخارجية، ببث بذور التفرقة بين المسيحيين المصريين والأحباش، وحفزوا الرهبان الأحباش على القيام بمحاولات متكررة للاستيلاء على الدير.

وطلب الرهبان الأحباش عام 1906، القيام بترميم الدير، كخطوة أولية في محاولة للاستيلاء عليه، ولذلك أسرعت الكنيسة المصرية بتقديم طلب للقيام بالترميم والذي وافقت عليه السلطات الرسمية آنذاك، لتؤكد بذلك أحقيتها كأصحاب الشأن والتصرف في الدير، وبعد الاحتلال الإسرائيلي، استولت إسرائيل على الدير وقامت بدورها بتسليمه إلى الأحباش بعد طرد الرهبان المصريين منه عقب حرب 1967، وحينها رفضت إسرائيل حكم المحكمة العليا الإسرائيلية برد الدير إلى الكنيسة المصرية، وفقًا لكتاب تاريخ الكنيسة المصرية.

دير السلطان

الرئيس جمال عبد الناصر يتدخل 

كما نجح الأحباش في إقناع الحاكم الأردني بالقدس بملكيتهم للدير، وتسليمه لهم خلال فترة حكمه للضفة الغربية، وهو ما دفع البابا كيرلس لمطالبة الرئيس جمال عبد الناصر بالتدخل، وبالفعل تحدث "ناصر" مع الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية محاولا إقناعه بملكية الكنيسة المصرية للدير.

وتم إرسال وفد مكون من الأنبا يؤانس مطران الجيزة، وأنبا باسيليوس، وأنبا بنيامين، وأنبا أنطونيوس مطران سوهاج، إلى الأردن لمقابلة الملك حسين واطلاعه على المستندات التي تثبت الملكية المصرية للدير، وبعد إجراء المفاوضات تم إصدار قرار عام 1961 م بإلغاء القرار السابق بملكية الأحباش، وتم إعادة مفاتيح الدير إلى أصحابه، وفي ذلك الوقت تبرع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخمسة آلاف جنيه لإعمار الدير، وبذلك تم تأكيد أحقية المصريين في الدير، وبرغم تلك الأحداث إلا أن المصريين كانوا حريصين على استقبال الأحباش.

الأحقية التاريخية للكنيسة المصرية

وكانت الكنيسة المصرية قد أصدرت بيانا في 21 نوفمبر 2018، إثر تجدد الأزمة على ملكية الدير مع الكنيسة الإثيوبية، وأكدت الكنيسة في هذا البيان أن الدير أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر ومباني الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هُويته القبطية المصرية شأنه شأن جميع الأديرة المصرية وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة.

وأضاف البيان أن "دير السلطان" لم تنقطع فيه الرهبنة المصرية فيه وبداخل الأراضي المقدسة، ولم يخلُ يوماً من الأيام من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن، مشيرا إلى أنه بالرغم من المحاولات المتكررة للاستيلاء عليه والتي استمرت لمئات السنين، إلا أن الكنيسة المصرية تمكنت من الاحتفاظ به، وفي كل مرة كان يصدر الحكم لصالحها واستلام الدير بكل مشتملاته.

اعتداء الأحباش على رهبان دير السلطان

وأوضح البيان أنه حتى المرة الأخيرة في اعتداء 25 أبريل 1970، حكمت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بتاريخ 16 مارس 1971 لصالح الكنيسة القبطية المصرية لما لديها من مستندات تثبت ملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانوني دائم في الأراضي المقدسة ولكن للأسف رفضت السلطة الحاكمة تنفيذ قرار المحكمة وقتها بسبب حالة الحرب مع مصر.

واختتم البيان: "تؤكد الكنيسة على أن دير السلطان كان وسيظل أحد ثوابت مقدسات الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة، ولكل مصري في العالم أجمع".

التعامل الجيد مع الأزمة

وفي هذا الصدد قال الكاتب والمفكر القبطي، كمال زاخر، إن تعامل الكنيسة القبطية مع هذه الأزمة ليس أفضل تعامل، لأن الكنيسة المصرية ترى أنها هي الأم وهى التي انبثقت منها الكنيسة الإثيوبية، وهذا صحيح بالفعل، ولكن لا يمكن التعامل مع هذه القضية بهذا الشكل حاليا.

وأضاف زاخر في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن الكنيسة الإثيوبية أصبحت مستقلة ولها بطريركها الخاص، كما أن العلاقات المصرية الإثيوبية ليست في أحسن حال، وبالتالي من الممكن حدوث تخبط بين رعايا الدولتين بسبب الخلافات القائمة حاليا، وهذا ما رأيناه بالفعل في أزمة "دير السلطان"، ولهذا لا يمكن التعامل مع القضية بهذا الشكل من قبل الكنيسة المصرية.

علم مصر على بوابة دير السلطان

بداية الأزمة مع الاحتلال الإسرائيلي

وأوضح زاخر أن الأزمة بدأت بشكلها الحالي مع قدوم الاحتلال الإسرائيلي إلى الأراضي الفلسطينية واحتلاله مدينة القدس ووضع يده على الممتلكات القبطية المصرية في المدينة، مشيرا إلى أن الاحتلال بدأ في توزيع هذه الممتلكات بين كنائس "الروم الأرثوذكس - الأرمن - الكنيسة الإثيوبية" متجاهلا تماما الكنيسة المصرية في ظل الصراعات العربية التي كانت قائمة مع الاحتلال.

تعامل حاسم مع الأزمة

واختتم زاخر: "قبل بداية عودة الممتلكات القبطية إلى الكنيسة المصرية لم يكن هناك اهتمام كبير من الدولة لإنهاء هذه الأزمة، ولم يكن هناك دور ملموس للخارجية المصرية للتواصل مع باقى الدول وضمان عدم تدخل الأحباش مجددا، وعدم اعتدائهم على الممتلكات المصرية، مناشدا الكنيسة المصرية بالقيام بدورها في أن تأخذ مسارًا آخر أكثر حسما للتعامل مع تلك القضية".