الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زيارة بايدن إلي الشرق الأوسط... ما بين الثابت والمتغير

زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط ما بين الثابت والمتغير

مونيكا وليم  الباحثة
مونيكا وليم الباحثة في العلاقات الدولية

تتصاعد التوترات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم إثر الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي نتج عنها العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية التي ضربت العالم وأثرت بشكل أو بآخر علي بنية النظام الدولي نتيجة الاختلالات في توازنات القوى والخلل في سلاسل الإمداد.

وعلى الرغم من أنه لم تتضح بعد ملامح هذا النظام،  إلا أنه ما يمكن قوله بالتأكيد انهيار النظام العالمي أحادي القطب الذي تحاول الولايات المتحدة بناء ركائزه منذ أواخر الثمانينيات، فقد يشهد العالم بوجه عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص حالة من التجاذب والاستقطاب علي خلفية التنافس بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى وذلك لبناء تحالفات مضادة، تكون حاسمة في الصراع الدائر حول أوكرانيا.

وباستذكار طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الممتدة من "كارتر- بايدن" والتي تتأرجح بين المثالية والواقعية، نجد إن منطقة الشرق الأوسط لم تخرج من الجدل الفكري لصناع القرار بين البقاء أوالانسحاب منها تحت ذرائع تراجع أهمية المنطقة من الاستراتيجية الأمريكية.

ففي سياق مساعي إعادة الهيمنة،اعلن الرئيس الأمريكي حو بايدن في" مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست" عن زيارته إلي منطقة الشرق الأوسط والتي تعكس تطور قد يشكل تغيراً في سياسات إدارة الرئيس الأمريكي إزاء منطقتي الخليج والشرق الأوسط ولعل أهمية هذا التطور تبرز بصورة خاصة على المستوى الجيوسياسي بالنسبة إلى بلدان الشرق الأوسط، حيث إنه يمكن القول إن زيارة "بايدن" بمثابة اعلاء لقيمة المصلحة ومُراجعة لسياسة إدارته إزاء منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، بعد أن روّجت هذه الإدارة لتراجع أهمية وأولوية هذه المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية في ضوء تصاعد الخلافات بين الرئيس الأمريكي وبعض الدول العربية، لا سيما دول الخليج العربي.

فمن حيث التوقيت ، تتزامن هذه الزيارة مع المفاوضات الجارية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران،.كما انها تأتي بعد أسابيع عدّة من انهيار حكومة بينيت في إسرائيل وسط تفاقم حالة فقدان الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

 

وفى الوقت نفسه تتزامن مع تفاقم الازمة الروسية – الأوكرانية، وتصاعد تداعياتها على الاقتصاد الأوروبي والأمريكي، والتضخم الذي نتج عن أزمة الطاقة، وارتفاع الأسعار عالميا، فأصبحت دول المنطقة بوجه عام والمملكة السعودية بوجه خاص هي حجر الزاوية في مسارات تحرك الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن حيث أدركت بأنه لا سبيل للضغط علي الرئيس بوتين إلا بفرض عقوبات صارمة تتمثل في حرمانه من عوائد النفط التي تدر مئات الدولارات ولا يمكن فرض عقوبات علي النفط الروسي دون وجود بديل وفي هذه الحالة يعد النفط السعودي (الخليجي) هو البديل الأمثل.

وفي هذا الاطار تتعدد الأسباب الدافعة بالرئيس الأمريكي لزيارة منطقة الشرق الأوسط لعل ابرزها،

السبب الأول : والذي يتمثل فى الوضع الداخلي للولايات المتحدة الامريكية فقد تشهد الولايات المتحدة الامريكية ارتفاع معدلات التضخم ، التي ساهمت بشكل مباشر في تراجع نسبة التأييد لبايدن إلى حوالى 42,2%، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل، وهو الامر الذي ينذر بخسارة الديموقراطيون لغالبيتهم الضئيلة في أحد مجلسي أو حتى في مجلسيه، مما يعيق بايدن في الي جانب ذلك التوقعات الخاصة بتعرض الاقتصاد العالمي إلي ركود ، والذي يدفع ثمنه بالدرجة الأولي الدول الصناعية وعلي رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية
 

اما العامل الثاني فيتعلق بالسياسة التي انتهجتها الدول العربية الخليجية، عندما رفضت الاصطفاف إلى معسكر الولايات المتحدة والغرب خلال حرب الطاقة ضد روسيا في الحرب الأوكرانية، إذ إن دول الخليج قد أبدت ارادتها بالالتزام بكميات الإنتاج وفق القرارات والاتفاقيات الدولية في مجال الطاق.

في حين ان السبب الثالث بختص باحتمالية تفكك المعسكر الغربي نتيجة عجز الحكومات الغربية عن التعامل مع الازمة الاقتصادية من حيث ارتفاع أسعار المحروقات وارتفاع معدلات التضخم. 

 

وهنا يتمحور التساؤل الرئيسي ماذا تريد الولايات المتحدة من الشرق الاوسطوما هي الملفات الخلافية الشائكة ؟

أولًا: ضخ مزيد من النفط والضغط علي الجانب الروسي لخفض أسعار الوقود، وهو ما رفضته الدول الخليجية وذلك لثلاث أسباب رئيسية الأول ، رغبةً منها في عدم تسييس ملف النفط خاصة في ضوء توازن العرض والطلب العالمي فليس هناك ما يستدعي التدخل في حجم الإنتاج وتحريك أسعار البترول ، والسبب الثاني يتمثل في حرص الأوبك علي الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا فالقيام يهذه الخطوة تعد ضربة قاصمة للمصالح الخليجية الروسية، لذا فمن المرجح أن يلتزموا بالاتفاق الذي تم ابرامه العام الماضي ضمن اعمال منظمة "أوبك بلس"بزيادة إمدادات الخام بشكل تدريجي حتى سبتمبر 2022 ، وأخيرا أن القيام بهذه الخطوة من شأنه الاضرار بمصالح كافة دول الخليج المستفيدة من ارتفاع سعر النفط. 

ثانياً:ابطاء وتيرة تنامي العلاقات مع كلا من روسيا والصين، إلا ان الموقف العربي في هذا الشأن يسعي إلي الحفاظ علي علاقات متنامية مع روسيا كونها حليفا استراتيجيا يمثل النموذج السياسي الأقرب إلي جانب ذلك فهناك رغبة من قبل الدول العربية والشرق أوسطية بتُنوّيِع مصادر شرائها للسلاح بعْد تعرّضها للابتزاز السياسي والمالي من «الحليف» الأمريكي. 

وفيما يتعلق بالعلاقة مع الصين فهناك مخاوف أمريكية تتعلق بالتواجد الصيني في المنطقة والمنعكس في تعميق التعاون بينهم في مجالات عدة، وصلت إلي اعلان الرياض عن نيتها لاستخدام اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط إلى الصين، مما سيلحق ضررًا كبيراَ بهيمنة الدولار الأمريكي على سوق النفط العالمية وخاصة أن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط على الصعيد العالمي؛ حيث تستورد أكثر من ربع صادرات المملكة، والجدير بالذكر ان التواجد الصيني في المنطقة قد تعدًى البعد التجاري ليمتد إلي تعاون استراتيجي واستخباراتي شامل، فهناك تنسيقات جارية علي سيبل المثال بين الصين والسعودية في أطارصفقة «التمساح» العسكرية.

ثالثاً:الانضمام إلي المعسكر الغربي ضد روسيا فقد تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من التجاذب والاستقطاب علي خلفية التنافس بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى وذلك في محاولة لحسم الصراع الدائر حول أوكرانيا.

رابعًا: توقيع اتفاق أمني بين إسرائيل وعدد من الدول العربية لمواجهة التهديدات الإيرانية،خاصة بعد أنرفضت إيران الطلب الأميركي بعدم مهاجمة الجنود الأمريكيين المنتشرين في المنطقة. 

وعلي الجانب الاخر ترغب الدول العربية والخليجية من الولايات المتحدة الأمريكية تعهدات واضحة مكتوبة ورسمية بالدفاع عن أمن المنطقة وامن الخليج ضد التصعيد الإيراني بما يحقق عزل طهران، وإعادة ادراجالمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران على قائمة الإرهاب. 

وبالتالي أن نجاح المفاوضات من عدمه سوف يتوقف بشكل رئيس علي قدرة كل طرف علي المناورة واستخدام أوراق ضاغطة

 

ختاماً، تعكس زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بوضوح ديناميكية التطورات التي يشهدها النظام العالمي خلال الأشهر الأخيرة وبقراءة متأنية للملفات الخلافية الشائكة والملفات محل التفاوض يتبين قلة " الإنجازات الملموسة " المتوقعة من الزيارة كونها سوف تحدد ما إذا كان بايدن سينجح في إحراز تقدم في قضية النفط وكذا إقامة علاقات إقليمية مع الحلفاء التقليديين قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.