حــســــن زايــــــــد يكتب :لا شرعية للبلطجة السياسية

البلطجة لغة هي حالة من الفوضى والتّخريب والخروج عن القانون . وبلطجَ الشَّخصُ اعتدى على الآخرين قهرًا وبدون وجه حقّ مرتكبًا أعمالاً منافية للقانون والعرف . وما شاهدته من أحداث شغب مفتعلة من جانب أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي بقصد إعادته قهراً وغصباً عن إرادة الشعب لا يعدو كونه نوعاً من البلطجة السياسية تمارسها جماعة خارجة عن القانون.
وهم حين يمارسون ذلك يمارسونه باسم الشرعية والدفاع عنها ، حتي كبيرهم الذي دخل إلي ميدان رابعة العدوية كي يخطب في أتباعه دخل متسربلاً بزي إمراة مرتدية النقاب وهو خائف مرتعد الفرائص ، قد تمسح بالشرعية.
ولا أدري ما يمكن أن يذهب إليه علماء الدين من رأي في مسألة النقاب إن استخدم في تهديد الأمن القومي علي نحو ما حدث ، ومن كبير جماعة تزعم أنها قائمة علي إعمال المشروع الإسلامي في المجتمع المصري ، وإنفاذه فيه حتي ولو تم ذلك رغم أنفه ،والمقصود هنا الإسلام من وجهة نظر الجماعة.
ويبدو أن الرئيس المخلوع ــ باعتبار أن مبارك هو الرئيس المتنحي وليس المخلوع ــ قد تمسح بالشرعية التي أوهموه بأنها تمكنه من فعل أي شيء وكل شيء بحسب ما يتراءي له أو لمكتب إرشاده . فإذا كانت الشرعية هي استناد السلطة في وجودها إلي سند قانوني ، فإن المشروعية تعني اكتساب هذه السلطة لرضا الشعب.
ولا يمكن لسلطة ألا تستند في وجودها إلي الشرعية أو المشروعية أو كلاهما معاً إلا إذا كانت سلطة احتلال أو سلطة ناتجة عن انقلاب عسكري.
وحكم الإخوان فقد الشرعية والمشروعية معاً . ففقدانه الشرعية جاء بانقلاب المخلوع علي الدستور والقانون بالإعلان غير الدستوري الصادر في نوفمبر 2012 م ، وما تبعه من دسترة اللجنة التأسيسية غير المتوازنة لتنتج دستوراً يفتقر إلي التوافق الشعبي.
وكذا دسترة مجلس شوري منتخب بـ 6% نقلت إليه سلطة تشريعية لم يكن مخولاً بها وقت انتخابه . وإعطاء قراراته حصانة إلهية ، وضرب مؤسسات الدولة وعلي رأسها مؤسسة القضاء وفي القلب منها المحكمة الدستورية العليا . وضرب القانون والدستور والعمل علي خلاف مقتضاهما يفضي حتماً إلي فقدان الشرعية . ولا محل بعد ذلك للتشدق بها سواء من الجماعة وذيولها أو من أمريكا وأتباعها.
أما عن فقدانه المشروعية فلا يخفي علي كل ذي عينين ، فإن هدير الطوفان البشري غير المسبوق في التاريخ الإنساني والمرصود بكافة أجهزة الرصد التي تحيط بالكرة الأرضية يفقأ العيون التي لا تري ضوء الشمس في يوم الصيف القائظ ، وتخرم أذن من به صمم . والسلطة حتي ولو كانت شرعية ، لا تلوثها شكوك التزوير ، ولا تغتصب بالإرهاب والتهديد ببحور الدم.
يمكن إسقاطها بالطرق القانونية ، والسلطة الإخوانية كانت منزوعة الشرعية قانوناً بتورطها في قضية تخابر صدر بصددها حكم محكمة.
أو يتم نزعها بالمشروعية عن طريق الثورات الشعبية . وقد تحقق في حق السلطة الإخوانية الأمرين : فقدان الشرعية والمشروعية . ولا محل للقول بأن ما حدث هو انقلاب عسكري . لأن الانقلاب العسكري يستلزم فقدان الشرعية والمشروعية معاً.
وما حدث من الجيش المصري يستند في شرعيته إلي الدستور الإخواني ذاته ، الذي أعطي الجيش هذا الحق . واستند في مشروعيته إلي الرضا الشعبي الكاسح.
فضلاً عن ذلك فإنه لم يتحرك سوي لحماية إرادة الشعب في الثورة علي حاكم فشل في تحقيق طموحاته التي ثار من أجلها ، ومن أجلها أجلس المخلوع علي الكرسي.
خاصة بعد تعرض الشعب في مجموعه لتهديدات مجنونة من بشر مرضي ، يعانون من الهلاوس السمعية والبشرية التي تجعلهم يرون ما لا يراه غيرهم من حقائق الكون والجغرافيا والتاريخ ،إنهم يعيشون خارج الزمن ، ويجرون الناس جراً للعيش معهم ولو تحت تهديد السلاح .إنها البلطجة التي يسعون إلي فرضها وشرعنتها والعمل بمقتضاها في مواجهة الشعب.