نصيحة للإخوان : خطوة للخلف خير لكم

يجب على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أن يتراجعوا خطوة أو خطوتين إلى الخلف ويقرروا صرف حشود أنصارهم من مختلف الميادين المصرية... والسؤال : هل تستطيع الجماعة وأنصارها أن تدخل فى صراع مسلح أو عنيف مع القوات المسلحة وقوات الشرطة وأغلبية الشعب؟ بالقطع لا. إلا إذا كانت تريد الإنتحار، فهى ستتكبد خسائر جسيمة لاقِبل لها بأن تتحملها.
المفروض أن ينظر إلى المسألة كلها بوصفها حلقة فى مجرى الصراع بين الجماعة وأنصارها فى مواجهة التيار المدنى وحلفائه. ولأن هذا الصراع سياسى، فإنه يجب أن يعتمد على استخدام أدوات بعيدة عن السلاح والعنف، وأن يضع فى اعتباره أنه يمتد على مدى زمنى كبير، وهذا على الأقل هو ما يحكم كل العمليات السياسية التى تشهدها المجتمعات فى العالم من حولنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبالذاتبعد انهيار الإتحاد السوفيتى.
وليس من الوارد أبداً أن نفترض أن النزاع يدور بين طرفينمتكافئين فى القوة فالواقع أن الإخوان ومناصريهم يواجهون المجتمع كله بقدراته وإمكانياته، وطبعا فإن قدرات وإمكانيات المجتمع تفوق مرات ومرات قدرات الإخوان. وهذا التقدير مثلا هو الذى جعل النزوع إلى الإنتحار والرغبة فيههو النغمة المسيطرة على خطاب الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أمس الأول الجمعة فى ميدان رابعة العدوية. والإنتحار عندما يكون فرديا فإنه يجعل من صاحبه كافرا بالمعنى الدينى أما عندما يكون الإنتحار سياسة من قِبل جماعة سياسية فإنه يعنى أن هذه الجماعة ستقوم بأعمال انتحارية تؤدى إلى قتل الأبرياء. فهل يُعقل أن يفكر المرشد العام بهذه العقلية؟.
والحقيقة المجردة تقول إن سوء تقدير الدكتور محمد مرسى الرئيس المعزول وجماعته من ورائه، هو السبب الجوهرى فى المأزق الراهن. ولذلك فإنه يتعين على الجماعة أن "تصرف العفريت الذى حضرته ".
فقد فشلت رئاسة مرسى فى تحقيق أى إنجاز على مستوى الواقع المعاش، وذلك بدءاً من عدم توفير الأمن وعدم تحقيق الحد الأدنى من الإستقرار الذى يتيح لعجلة الإقتصاد أن تبدأ فى الدوران، وانتهاءً بتضخم أرقام البطالة إلى حدود غير مألوفة وغير مسبوقة، ناهيك عن تزايد منغصات الحياه اليومية بشكل جعل الناس تضج وتجأر بالشكوى نتيجة نقص البنزين والسولار وانقطاع الكهرباء وقطع الطرق وتوقف حركة القطارات وانتشار الإضرابات... إلخ.
زد على ذلك أن رئاسة مرسى لم تكتف بهذا، بل زادت عليه بأنها تبرعت بالدخول فى صراعات لمتكن فى حاجة إليها ضد أجهزة الشرطة والمحكمة الدستورية ومحاولة إلغائها كلية وعزل النائب العام وضد السلطة القضائية والسعى إلى إصدار قانون جديد لطرد وعزل 3500 قاضى مرة واحدة...إلخ. وأيضا ضد وسائل الإعلام (إحالة إعلاميين إلى القضاءبتهم عجيبة مثل إهانة رئيس الجمهورية وتحريك انصار التيار الإسلامى لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى وملء الصحف القومية بالعشرات من عناصر وقيادات الإخوان). ثم إن مرسى اتبع من أول لحظة سياسة الإقصاء الكامل لكل التيارات السياسية والأحزاب المستقلة عن تياراتالإسلام السياسى ولم يتعامل إلا مع الذين يقبلون الإنقياد له دون سؤال.
ولذلك وجدنا أنه حتى حزب النور السلفى اضطر فى نهاية المطاف إلى الإنشقاق الكامل على التحالف مع حزب الحرية والعدالة، وحتى المستشارين السياسيين الذين استعان بهم فى بداية عهده فى إطار عملية إخراج سياسى تسعى إلى إقناع الناس بأنه يتبع أساليب علمية وعقلانية ورشيدة فى إدارته للرئاسة، إلا أن هؤلاء جميعا لم يلبثوا إلا أن اضطروا للإستقالة تباعا بعد أن اتضح أنهم جميعا وجدوا أنهم لالزوم لهم وحتى نائب الرئيس القاضى محمود مكى وجد نفسه فى موقف بالغ الحرج عندما فوجئ بالرئيس يصدر إعلاناً دستورياً مشئوما فى ليلة 21 نوفمبر 2012 يجعل من نفسه فيه "حاكماً بأمر الله" ويحصن جميع قراراته ضد رقابة السلطة القضائية ولم يكن لدى نائب الرئيس أى علم بهذا كله!!؟.
وهكذا اضطر الرجل إلى الإستقالة وتبعه شقيقه أحمد مكى الذى كان وزيراًللعدل وأعلن صراحة أنه "فشل فى تحقيق ماكان يأمل فيه" وأن السبب الحقيقى فى هذا الفشل أنه عجز عن حماية استقلال السلطة القضائية أمام ميول مرسى وجماعته فى العدوان عليها بكل شراسة سواء فى موضوع النائب العام أو فى موضوع تعديل السلطة القضائية.. وهى مسائل حتى الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى لم تكف الجماعة عن وصفه بالإستبداد والدكتاتورية.. حتى مبارك لم يفكر أبداً فى الإقتراب منها بشكل فيه إساءة إليها.
وهكذا... كان التصور من أول لحظة أن جماعة الإخوان ومحمد مرسى، سوف يتبعون سياسة تدريجية تقوم أولاً على استخدام آلة الدولة التى أصبحوا يسيطرون عليها فى تلبية حاجات المواطنين فى شكل توفير فرص عمل وإقرار أحوال الأمن ودوران الإقتصاد وإعادة تنشيط السياحة والإرتقاء بمستويات المعيشة والإرتفاع بمستوى التعليم العام والخدمات الصحية وتوفير السولار والبنزين.. وبذلك يتحقق شعور الناس بالرضا عن حكم الإخوان وتتوفر لهم قاعدة قوية تضمن لهم الإستمرار فى حكم البلاد.
بكل أسف لم يتحقق أى شئ من هذا وانصرفت الجماعة والرئيس بكل همة إلى محاولة أخونة أجهزة الدولة بزرع الإخوان فى كل مكان بها. وقد استفز هذا العمل ليس فقط المعارضين بل حتى أقرب المقربين إلى الجماعة فالجميع يذكرون كيف أن الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور واجه الرئيس مرسى علنا على الهواء بهذه الواقعة وسلمه تقريراًكاملاً يضم حصرا بالأسماء والأرقام الخاصة بعملية الأخونة التى بلغت فى ذلك الوقت وفقا لما ترددفى أجهزة الإعلام بحوالى 13 ألف شخص..
المؤسف حقا أن الإخوان سيطرت عليهم فكرة أنهم ماداموا يسيطرون على الرئاسة التى هى أعلى سلطة فى الدولة فمن حقهم أن يفعلوا كل مايحلو لهم. وهكذا مارسوا الاستبداد الكامل بنفس طريقة الحزب الوطنى المنحل ولم يشعر الناس أن هناك فارقا فى الواقع العملى بين الإخوان وبين النظام السابق فى إدارة الدولة.
لنتذكر مثلا الطريقة الفاسدة التى صدر بها الدستور فى شهر ديسمبر وكيف أنه صدر فى جلسة واحدة استمرت حتى الفجر ثم جرى تسليمه للرئيس الذى صدق عليه وطرحه للإستفتاء دون حتى أن يتسنى أو تتاح له فرصة قراءته أو حتى أن تتاح للشعب فرصة مطالعته قبل التصديق عليه!؟
لنتذكر أيضا مثلا كيف اتخذت الرئاسة موقفا سيئا بالغ الإنحطاط من قضية العدوان على الكتدرائية المرقسية بالعباسية فى إطار المَقتلة التى تعرض لها الأقباط فى قرية الخصوص بالقليوبية وكيف أن مرسى لم يكلف نفسه حتى فى مثل هذا الظرف أن يزور البابا تواضروس ليعلن وقوفه معه ضد هذا العدوان؟
وأخيراً مَقتلة المسلمين الشيعة التى وقعت فى زاوية أبو مسلم بقرية أبو النمرس بالجيزة.. فنحن إزاء نظام لايحمى حتى المسلمين الذين يختلفون معه فى المذهب.. وفوق هذا كله الطريقة البيروقراطية المملة الكئيبة الخالية من كل روح التى كان يدير بها الدكتور أحمد فهمى مجلس الشورى (الذى تم حله بالأمس) والتى وصلت إلى حد إخراج أحد الأعضاء من الجلسة والتعدى عليه بالضرب لأنه يرتدى وشاحا مكتوب عليه مطلوب رئيس جديد للبلاد.. وكيف كان يتحكم فى كلمات الأعضاء ويقطع الميكروفون عنهم.. وكل هذه أساليب لاتكشف عن أى احترام حقيقى لمعنى النيابة عن الأمة..
بعد كل هذا كان أمام الرئيس مرسى أن ينزل على إرادة الشعب التى تجلت بكل وضوح فى 30 يونيو الماضى بأن يدعو إلى الإستفتاء على رئاسته أو بأن يدعو لإنتخابات رئاسية مبكرة.. ولكنه وللأسف ولأنه كان واثقاً من أن شعبيته تدهورت إلى حد لامزيد عليه،آثر العناد ورفض كل شئ وتمسك بأنه مادام معه الشرعية والقانون فهو من حقه أن يبقى الرئيس طول الوقت، ونسى أن دولاً كثيرة يضطر رؤساؤها للإستفتاء على شعبيتهم تحت ضغط شعوبهم بدءاً من شارل ديجول فى فرنسا عام 1969 وانتهاءً برجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا ورئيسة البرازيل ديلما روسيف الحاليين.. ونسى أيضا أنه إذا رفض فإن الشعب يستطيع أن يرغمه على ترك السلطة..
فى الختام نقول أن الرئيس مرسى قد أهدر بنفسه فرصة ذهبية اتيحت له وللإخوان المسلمين فى حكم مصر.. ويتحمل هو المسئولية الكاملة عن هذا مهما قيل أنه لم يكن هو الذى يحكم بل مكتب الإرشاد وخاصة المهندس خيرت الشاطر والدكتور محمد بديع، فهو الذى اتاح لهما أن يتحكما فيه وأن يفسدا عليه سلطته وحكمه وقراره.. فالمصريون انتخبوه هو.. ولكنه بكل أسف تنازل عن كل مافى يديه لإخوانه الذين أوردوه موارد التهلكة وأهلكوا معهم جماعتهم وأهدروا فرصة مصيرية للتحرك على طريق الديمقراطية...وقد فسر الدكتور ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية سقوط الإخوان أو نكبتهم بقوله أنهم فقدوا تأييد الشعب والجيش والشرطة وصاروا يعتمدون على الدعم عبر مكالمة تليفونية مع الخارج...
وكم كنت اتمنى لو أن الفريق أول السيسى وهو يطرح خريطة المستقبل السياسى أن يكون البند الأول فيها هو إجراء استفتاء شعبى على مرسى وتكون نتيجة هذا الإستفتاء هى التى تحدد معالم الطريق بعد ذلك. وكان من شأن هذه الخطوة أن تخرس كل الألسنة التى تتحدث عن انقلاب عسكرى أو إزاحة الرئيس الشرعى...
يبقى أننا نأمل أن تدرس الجماعة تجربتها فى السلطة بعمق وتستخلص منها الدروس الواجبة لعلها قد تستفيد منها فى المستقبل...