قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قول "مدد يا حسين" هل يعد حراما ؟.. الإفتاء تحسم الجدل

مسجد الإمام الحسين
مسجد الإمام الحسين

مدد يا حسين.. يحتفي المصريون بذكرى قدوم رأس الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وآل بيته، إلى مصر، واستقرارها بمسجده بحي الإمام الحسين، بالقاهرة، ليكثر التساؤل عن حكم ترديد مقولة: مدد يا حسين؟ وهل هناك إثم على مَن يقول ذلك؟

مدد يا حسين

وقالت دار الإفتاء المصرية في حسم الجدل حول مقولة "مدد يا حسين"، إن طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء ومنتقلين من الأمور المشروعة التي جرى عليها عمل المسلمين، وذلك محمول على كونهم سببًا -كالاستعانة بالطبيب على الشفاء من مرض- لا على جهة التأثير والخلق؛ فالأصل حمل أقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة؛ حيث إن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، والأسباب لا تثمر المسبَّبات بنفسها وإنما بخلق الله لها.
وأشارت الإفتاء في فتوى لها من خلال موقعها الرسمي إلى أنه لا إثم على من يقول ذلك، فقد ورد من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ما يدل على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، وهذا ما عليه الصحابة والتابعين سلفًا وخلفًا، وما عليه علماء الأزهر الشريف ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون.
وأكدت أن الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم أن تُحمَل على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد؛ فإن إسلامه قرينة قوية توجب حملَ أفعاله المحتملة على ما يوافق عقيدته، ولا يجوز حملها على خلاف ذلك، وتلك قاعدة عامة يجب تطبيقُها في كل الأفعال الصادرة من المسلمين.
وتابعت: قد دَلَّت الأدلة الشرعية من الكتاب والسُنَّة النبوية وإجماع علماء الأمة على أن كثيرًا من الأفعال التي نسبَتْها الشريعة إلى الله تعالى يصح إسنادُها إلى المخلوقين على جهة التسبب والاكتساب، ومن هذه الأفعال (الإمداد)؛ وهو منح المدد وإعطاؤه، مشيرة إلى أن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإن أهل السنة يعتقدون أنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه، وأن الأسباب لا تثمر المسبَّباب بنفسها وإنما بخلق الله لها، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، أما الطلب على جهة الخالقية والتأثير فهو عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.
وأشارت إلى أن الاستمداد (وهو طلب المدد) قد يكون عبادة للمُستَمَدِّ منه كما في قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، وقد لا يكون عبادةً للمُستَمَدِّ منه؛ كما في "صحيح" البخاري من حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ..»، وقد بوَّب له الإمامُ البخاري في "صحيحه" بقوله: (باب العون بالمدد).
كما ورد الإمداد مسندًا إلى الله تعالى، فقد ورد مسنَدًا للمخلوقين؛ كما في القراءةِ المتواترةِ الصحيحة للإمام نافع المدني: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يُمِدُّونَهُمْ﴾ [الأعراف: 202]؛ قال الحافظ بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (14/ 309، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: هذا باب في بيان عون الجيش بالمدد، وهو في اللغة: ما يُمَدُّ به الشيء، أي: يُزاد ويكثر، ومنه أَمَدَّ الجيشَ بمددٍ؛ إذا أرسل إليه زيادة، ويُجمَع على أمداد. وقال ابن الأثير: هم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد] اهـ.
وقال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (5/ 225، ط. مكتبة الرشد): [وقال الإمام المهلِّب: فيه أنَّ السنة مضت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن يُمِدَّ ثغوره بمدد مِن عنده، وجرى بذلك العمل مِن الأئمة بعده] اهـ.

كما ورد عن الصحابة والسلف الاستمداد بالمخلوقين؛ فقد روى الإمام أحمد في "المسند" وابن حبان في "صحيحه" عن عياض الأشعري قال: شهدت اليرموك وعليها خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم رضي الله عنهم، قال عمر رضوان الله عليه: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عبيدة، فكتبنا إليه: أن قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على ما هو أعز نصرًا وأحصن جندًا؛ الله فاستنصروه؛ فإن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم قد نُصِرَ بأقل مِن عددكم، فإذا أتاكم كتابي، فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ.
وشددت أن استغاثة المسلم أو طلبه المددَ من الأنبياء والأولياء والصالحين هو محمول على السببيةِ لا على التأثير والخلق؛ حملًا لأقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة على ما هو الأصل.
وبينت الإفتاء وجه الحق والصواب هنا بالكلام في مقامين:
المقام الأول: أن الموت في نفسه ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ كما يقول الماديون والملاحدة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد أثبت الشرع أن للموتى إدراكًا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سماعهم أشد من سماع الأحياء في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق موتى الكفار: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» متفق عليه، ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، بل وترُدُّها رواية البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ». وإذا كان الموت لا يحول بين الكفار وبين الإدراك -مع ما هم فيه من سوء العاقبة- فلأن يسمع موتى المؤمنين مِن باب أَوْلى وأحرى؛ وذلك لأن إدراك الروح خارج الجسد أوسع وأقوى من إدراكها وهي داخل الجسد الذي هو عائقٌ لها.
المقام الثاني: أن الله تعالى جعل لأرواح الأنبياء والأولياء والمؤمنين في حياة البرزخ مِن سعة التصرف ونفع الأحياء بإذنه تعالى بل وعبادتهم لله تعالى تشريفًا واستجابة دعائهم ما ليس للأحياء.
والقول بجواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم هو الذي عليه علماء الأزهر ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون، ولم تكد هذه البدعة -بدعة التكفير بالاستغاثة بالأنبياء والصالحين والاستمداد منهم- تَدبُّ في جسد الأمة حتى انبرى بياطرةَ العلمِ وأساطين الفهم من علماء الأزهر الشريف بالردِّ الوافي والبيان الكافي والدواء الشافي، وبينوا أنها بدعة ضلالة تخالف المنقول والمعقول وما استقر عند علماء المسلمين وعامتهم، وأنها عين منهج الخوارج الذين هم شرار الخلق عند الله، والذين كان أُسُّ ضلالتهم: أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين فجعلوها في المسلمين.