الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قصة جزيرة الموت .. مفاجأة استمرار الاستعمار الفرنسي على أرض عربية

 مفاجأة استمرار الاستعمار
مفاجأة استمرار الاستعمار الفرنسي على أرض عربية

"تحتلها فرنسا منذ القرن الـ19.. وغالبية سكانها من المسلمين، وهي جزء من الاتحاد الأوربي ... وبالطبع هي أراضي عربية" ... إنها جزيرة "مايوت" الجزيرة المسلمة الوحيدة في أوروبا، ويصل تعدادها إلى 300 ألف نسمة، وهي الجزء الوحيد من الأراضي العربية الذي لا يزال قابع تحت احتلال الاستعمار الفرنسي.

فمنذ سنة 1841 وهي قابعة تحت الاحتلال الفرنسي، في وقت تعتبرها هذه الأخيرة جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها، يكافح هؤلاء من أجل الحفاظ على دينهم وهويتهم العربية، وهم على تواصل فكري واجتماعي مع أهلهم في دولتهم الأصلية "جزر القمر".

جزيرة الموت .. هكذا أصل تسميتها 

تقع جزيرة مايوت على الساحل الشرقي الإفريقي، في عرض المحيط الهندي، بمساحة تقدر بـ374 كيلومتراً مربعا.

أطلق عليها الفرنسيون مايوت (بالفرنسية: Mayotte)‏ اقتباسا من الاسم العربي القديم، حيث جاءت الكلمة من اللغة العربية وهي الموت أي «جزيرة الموت» وسبب تسميتها بذلك لوجود الشعب المرجانية التي تحيط بالجزيرة والتي كانت تحطم السفن التي تقترب من شواطئها وكأنها سور لحماية الجزيرة من الأعداء.

ودخلت جزر القمر الإسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بوقت قصير، حوالي عام 632م، عن طريق توافد العرب والفرس في هجرات متتالية إلى ساحل شرق إفريقيا في ما يعرف بالهجرة الشيرازية، ومنذ ذلك الوقت اختلط أفراد هذه الهجرات بالسكان الأفارقة ثم هاجروا إلى الجزر واستقروا فيها ليستقر معهم الإسلام هناك، وحتى الآن مازالت توجد بجزر القمر مقابر هؤلاء الأمراء الشيرازيين.

1975 عام التحرير الناقص لجزر القمر 

في القرن 19م، وتحديدا سنة 1841، وقعت جزر القمر تحت الاحتلال الفرنسي ليخوض شعبها فيما بعد كفاحا من أجل التحرر انتهى بالاستقلال البلاد سنة 1975، إلا أن الاحتلال الفرنسي رفض استكمال القمريين وحدتهم الترابية، مفضلاً الاحتفاظ بسلطته على جزيرة "مايوت" إلى اليوم، لتبقى الجزيرة وشعبها المسلم الأرض الوحيدة الإسلامية العربية بالاتحاد الأوروبي.

وقد كافح سكان جزر القمر الاحتلال الفرنسي طويلاً، إلى أن متَّعهم بالحكم الذاتي سنة 1961، بعدها بثلاث سنوات طالبت الجزر بالاستقلال التام. وبعد كفاح طويل ضد الاحتلال أجبرت فرنسا على إجراء استفتاء حول الاستقلال في جزر القمر عام 1974.

سنة 1974، صوت 95% من سكان جزر القمر الكبرى لصالح الاستقلال، الذي اعترفت به الأمم المتحدة بعد خمسة أشهر، إلا أن فرنسا أعادت الاستفتاء عام 1976، وهذه المرة صوّت 65% من سكان جزيرة مايوت لصالح البقاء تحت الإدارة الفرنسية، في حين صوّت 95% من سكان الجزر الأخرى لصالح الاستقلال، ولم تحصل على استقلالها رغم قرار الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

واستخدمت فرنسا حق الفيتو وأبدت اعتراضها على قرارات مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة التي تؤكد سيادة جزر القمر على الجزيرة، ولم يعد الحكم إلى جزر القمر مطلقا.

وتتكون الدولة رسميًا من أربعة جزر في أرخبيل جزر القمر البركاني وهي: انجزيجة جزيرة موالي وجزيرة أنزواني وجزيرة ماهوريه بالإضافة إلى العديد من الجزر الأصغر مساحة، وعلى الرغم من ذلك، فإن حكومة الاتحاد القمري (أو أسلافها منذ الاستقلال) لم تحكم مطلقا جزيرة مايوت التي تعتبرها فرنسا مستعمرة فرنسية عبر البحار ولا زالت تحكمها. 

ويتميز الأرخبيل بالتنوع الثقافي والتاريخي، حيث تألفت الأمة من ملتقى العديد من الحضارات. وعلى الرغم من أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية الوحيدة في جزيرة مايوت المتنافس عليها، فإن للاتحاد القمري ثلاث لغات رسمية وهي اللغة القَمرية (شِقُمُر) واللغة العربية والفرنسية.

مايوت المسلمة بالاتحاد الأوروبي

يبلغ تعداد سكان جزيرة مايوت حوالي 288 ألف نسمة، 97% منهم مسلمون، يعيشون تحت السيادة الفرنسية إلى يومنا هذا بعد أن احتلت أرضهم سنة 1841م، ويحملون الجنسيَّة الفرنسيَّة. ورغم ذلك يحافظ سكان الجزيرة على هويتهم الإفريقية العربية، حيث ما زالوا يرتدون الأزياء التقليدية للجزيرة ويتحدَّثون لغاتهم الأم القمريَّة والعربية. كما أنهم ما زالوا يحافظون على دينهم الإسلامي، ومآثره بالجزيرة التي يقع فيها أقدم مسجد في فرنسا بني بداية القرن 16م.

في سنة 2011، صوَّت سكان الجزيرة لصالح أن تصبح الجزيرة القسم 101 من الإدارة الترابية الفرنسية. وفي 2014 وافق الاتحاد الأوروبي على إدخالها ضمن أراضيه لتصبح أبعد أراض أوروبية عن عاصمته بروكسل.

ومنذ سنة 1995، فرضت فرنسا التأشيرة على سكان جزر القمر من أجل الدخول إلى مايوت، ما دفع إلى تنامي الهجرة غير النظامية إليها، وأصبحت الجزيرة وجهة موجات اللجوء، حيث يقضي أغلب اللاجئين نحبهم بعرض قناة الموزمبيق وهم يحاولون الوصول إليها.

لتلك الأسباب .. خيرات مايوت سبب تسمك باريس بها

حسب إحصائيات سنة 2019، فاق الناتج الداخلي الخام للجزيرة 2.6 مليار يورو، بمعدل 9600 يورو للفرد، أي أعلى بثماني مرات عن الناتج الداخلي لجزر القمر مجتمعة، وتراهن فرنسا في استمرار تمسكها بالجزيرة على مواردها الطبيعية الغنيَّة، وعلى رأسها الثروات البترولية. 

وتشير تقارير الشركات المنقبة عن البترول في سواحل مايوت إلى وجود احتياطي مهم من المادة الحيوية، وقد هدد رئيس جزر القمر، غزالي عثماني، باللجوء إلى القانون الدولي من أجل "حماية موارد بلاده من الاستغلال الفرنسي".

إضافة إلى البترول، تعتبر جزيرة مايوت أحد أهم المصدرين العالميين لزهرة الإيلنغ العطرية، حيث تمثِّل 84% من الواردات الفلاحية لمايوت، وتستخدم هذه الزهرة في صناعة العطور ومستحضرات التجميل. كما تُصدر مايوت كلاً من البُن والفانيليا والموز وجوز الهند.

هذا وتزخر جزيرة مايوت بطبيعة استوائيَّة خلابة، حيث تكسو تضاريسها الغابات الخضراء وتتخللها الوديان والينابيع العذبة، بالإضافة إلى شواطئها الجميلة وأحيادها المرجانية الجاذبة للغطاسين. وبفعل هذه المقومات أصبحت الجريرة وجهة سياحية صاعدة، اجتذبت سنة 2019 أكثر من 65 ألف سائح، بارتفاع بلغ 16% عن السنة السابقة لها.

مع كل هذه الخيرات ليست الحياة الاجتماعية داخل مايوت بالمريحة، هذا ما تثبته أرقام فرنسية، حيث إن 10% من سكان الجزيرة محرومون من الكهرباء، و29% يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، بل وأكثر من نصف سكان الجزيرة لا يتحصلون على حمامات. كما أن الحد الأدنى للأجور هناك أقل بـ25% عن مثيله بأراضي فرنسا الأوروبية.