الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غليان تحت السطح.. هل يمكن أن تسقط ألمانيا في قبضة اليمين المتطرف؟

ألمانيا
ألمانيا

في مشهد غير معتاد بدولة من دول الصف الأول من العالم المتقدم، داهمت أجهزة الأمن الألمانية عشرات المواقع في أنحاء البلاد وألقت القبض على عدد كبير من أعضاء تنظيم "مواطني الرايخ" اليميني المتطرف، خططوا لاجتياح مؤسسات الدولة وقلب نظام الحكم.

ألمانيا.. الدولة تحت تهديد اليمين المتطرف

ونقلت إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية عن المدعي العام الألماني بيتر فرانك قوله إن نتائج التحقيقات كشفت أن هذه المجموعة كانت تستهدف تقويض النظام الديمقراطي القائم في ألمانيا باستخدام القوة والوسائل العسكرية، حيث لا يعترف أعضاؤها بالجمهورية الألمانية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، ويعتبرونها مجرد جهاز إداري تابع للغرب وتحديدًا المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، ويؤمنون  بالإمبراطورية الألمانية بحدود عام 1937.

ويعني هدفهم القضاء على النظام الأساسي الديمقراطي الحر مهاجمة السياسيين واقتحام المنشآت الحيوية والإطاحة بالحكومة الفيدرالية وحل النظام القضائي والسيطرة على الجيش، ويتساءل مراقبون عن مدى إمكانية تحقق هذا الهدف في ألمانيا الحديثة، التي قطعت شوطا كبيرا في الديمقراطية واحترام الدستور والفصل بين السلطات وبناء دولة مؤسسات راسخة.

وقال أندرياس زيك، رئيس معهد البحوث متعددة التخصصات حول الصراع والعنف بجامعة بيدفيلد الألمانية، إن الدفاع عن الدولة واجب على الجميع، فالأغلبية المطلقة من المواطنين الألمان يؤمنون أن الديمقراطية تستحق الحماية، واتفق معه تيمو راينفرانك المدير التنفيذي لمؤسسة أماديو أنطونيو المعنية بتعزيز المجتمع المدني في مواجهة اليمين المتطرف، حيث قال إن أي محاولة للانقلاب على السلطة في ألمانيا ستبوء بفشل محتوم، وإن الدولة والدستور يتمتعان بالصلابة وبإمكانهما الصمود في مواجهة المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الألماني.

حركة مواطني الرايخ.. على هامش المجتمع أم في قلب التيار الرئيسي؟

وفي المقابل، حذر محللون سياسيون هذا الأسبوع من الاستهانة بالمجموعة التي ألقي القبض عليها والخلفية المتشددة التي تنطلق منها، حيث وصف سيباستيان فيدلر المتحدث باسم سياسة العدالة الجنائية لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين الحاكم هذه المجموعة بالخطيرة للغاية، كما أكد بيتر نيومان الخبير في شئون الجماعات الإرهابية، أن حركة "مواطني الرايخ" ككل قادرة وراغبة في تنفيذ هجمات إرهابية على درجة عالية من الخطورة ضد الدولة الألمانية.

ولعل ما يجعل المجموعة التي ألقي القبض عليها تحديدًا الأكثر خطورة هو طبيعة تكوينها والأيديولوجية التي تجمع عناصرها، ويشكل الخمسة وعشرون شخصا الذين اعتقلوا منها مزيجًا من المتطرفين، من بينهم منظمو التظاهرات العامة والمسيرات الاحتجاجية في الشوارع على مدار العامين السابقين  احتجاجا على الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة لمواجهة تفشي فيروس كورونا.

ويرى زيك، وهو أستاذ في علم النفس الاجتماعي أن القاسم المشترك بين منتسبي هذه الجماعات هو رفضهم لقيم الدولة الديمقراطية، رغم أنهم ليسوا جميعا من فئات المجتمع المهمشة والأكثر احتياجا، وليسوا بالضرورة يمينيين متطرفين، بل إن بينهم متعلمون وأصحاب وظائف مرموقة، ولكنهم كانوا قادرين على تكوين تحالفات فيما بينهم وتطوير كيان متماسك على مدى عدة سنوات.

وكان من بين المجموعة التي ألقي القبض عليها قاض ونائبة سابقة في البرلمان الألماني عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" وهو حزب شعبوي يميني متطرف، بالإضافة إلى ضباط  شرطة وجيش سابقين، وأفراد ينتمون للطبقة الأرستقراطية القديمة، وجميعهم أشخاص لديهم رؤية خاصة حول المؤسسات الديمقراطية وأسلوب إدارة الموارد المالية، ووكان بحوزة العديد منهم أسلحة نارية صودرت خلال حملة اعتقالهم.

وبناءً على هذه المعطيات يمكن اعتبار عناصر المجموعة الإرهابية وأنصارهم تهديدا لسيادة القانون، رغم فشل خطتهم لتركيع النظام، ويرى زيك أن الخطر الحقيقي يكمن في إمكانية انتشار أفكارهم واحتضان جماعات متطرفة أخرى أو حتى أفراد من التيار الرئيسي للمجتمع الألماني لها، حيث يمكن أن يتوحد الكثير من الأشخاص وراء أفكار مغلوطة وهدامة، خاصة أولئك الذين يعتقدون في وجود دولة داخل الدولة تعمل في الخفاء، ويؤمنون بنظرية المؤامرة المعادية للسامية ولا يعترفون بجوهر الديمقراطية.

اليمين المتطرف يطور أساليبه

ولفت عدد من الخبراء إلى أن الاحتجاجات ضد إجراءات مكافحة كورونا ساهمت بشكل أو بآخر في إخراج هذا المشهد، حيث فقد بعض المواطنين الثقة في الحكومة وأصبحوا على استعداد للانخراط في نضالات مزعومة من أجل الحرية، تتعدى أهدافها مجرد الرغبة في التعبير عن الرأي عبر الاحتجاج إلى المطالبة الصريحة بتغيير النظام السياسي.

وأوضح زيك أن الحراك المعارض لخطة مكافحة كورونا جمع تحت لوائه شرائح مختلفة من الطبقة الوسطى والحركات الشعبوية اليمينية وغيرها من ذوي المشارب الأيديولوجية المختلفة للمطالبة بالحرية، ودعا إلى تحليل سلوكهم حتى يتسنى للدولة وضع خطة وقائية ضد تحركاتهم مستقبلا.

ومن جانبه يرى فيدلر أن المشاركين في احتجاجات كورونا لا ينتمون لليمين المتطرف بالمعنى الكلاسيكي، بل يمكن اعتبار حراكهم مجرد مؤامرة إرهابية مؤقته، ورغم فشل السياسيين والمجتمع في إيجاد الوسيلة المناسبة لمكافحة هذا التوجه حتى الآن، فإن السلطات تعلمت كيفية تطوير آلية لمواجهة اليمين المتطرف وتطوير برامج لمكافحته، لكنها لم تبدأ مكافحة خرافات المؤامرة بعد.

وينذر هذا الوضع في ألمانيا بحدوث المزيد من الأزمات ما لم يتم التوصل إلى خطة وقائية ضد انتشار الأفكار المتطرفة في عالم معقد يسهل فيه التلاعب بوعي الجماهير وإضعاف إيمانهم بالديمقراطية، التي تفشل أحيانا في حل مشكلاتهم الحياتية في مقابل جاذبية نسبية لنظرية المؤامرة التي يجد فيها البعض تفسيرا مرضيا لأسباب حدوث تلك المشكلات.

وحذر زيك من التركيز على استقرار ورضا أغلبية الشعب وإغفال خطر الجماعات الصغيرة والخلايا الإرهابية التي يمكنها تهديد استقرار الدولة، وأشار إلى أن التطرف ينتعش في أوقات الأزمات أكثر من أي وقت آخر.