الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القمة الأمريكية الإفريقية.. هل تساعد واشنطن دول القارة في تقليص ديونها الخارجية

القمة الأمريكية الأفريقية
القمة الأمريكية الأفريقية

تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن أعمال القمة الأمريكية الإفريقية الثانية بحضور نحو خمسين من قادة دول القارة الإفريقية يتقدمهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي توجه إلى الولايات المتحدة الثلاثاء.

ويتضمن جدول أعمال القمة الأمريكية الإفريقية، التي بدأت أمس وتستمر يومين آخرين، أوجه التعاون الجديدة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية المشاركة في القمة.

القمة الأمريكية الإفريقية

ديون القارة تعيق التنمية 

وتمثل القمة الأمريكية الإفريقية نقطة مضيئة؛ ليرى العالم أزمات أفريقيا والعمل على مساعدتها، فالقارة تعيش حالة من عدم الاستقرار نتيجة للصراعات والنزاعات والتغيرات السياسية المتعددة، التي تشهدها بعض بلدان القارة، وبصفة خاصة الديون الخارجية والداخلية التي تعيق تنميتها.

فقد كانت كثرة الديون الإفريقية عائقا قويا أمام التنمية في القارة السمراء، حيث بدأت الدول الأفريقية في الاعتماد على المساعدات والقروض الخارجية ولم تقدم هذه المساعدات والقروض دعم التنمية في الدول الإفريقية.

وتعتبر الديون الخارجية أحد أهم المشكلات الاقتصادية التي تواجه الدولة النامية عموماً، ودول القارة الإفريقية على وجه الخصوص، حيث تؤثر بشكل كبير على الأداء الاقتصادي للدول وتستنزف مواردها المالية. 

فالقارة الأفريقية وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء، من الدول التي عانت من تراكم ديونها الخارجية وتزايد أعبائها، حتى تلك المحاولات التي بذلت من أجل اعادة جدولة ديون تلك الدول مع المؤسسات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين لم تأت نتائجها المرغوبة، ولم تساعد دول أفريقيا في الخروج ولو بشكل نسبي من عواقب مشكلة الدين الخارجي.

وتكررت مشكلة الديون بشكل كبير مع تكرار الأزمات الاقتصادية والتنموية في أفريقيا، لتجدد مرة أخرى بعد ظهور الأزمة المالية العالمية عام 2008، وانتشار وباء كورونا في مطلع عام 2020، حيث اتجهت العديد من الدول الأفريقية إلى التوسع في الاقتراض لتعويض عجز الموازنات العامة، وضعف السيولة المحلية، في الوقت الذي لا يحقق فيه الاعتماد على الاقتراض معدلات نمو اقتصادي جيدة.

وفي تقرير صدر مؤخراً لصندوق النقد الدولي، بدأ أن مستويات الدين العام للناتج المحلي في أفريقيا وصلت لأعلى مستوياتها في العقدين الأخيرين.

فمشكلة الديون في أفريقيا وخصوصاً في دول جنوب الصحراء ليست جديدة ولكنها تفاقمت بشكل كبير مؤخراً بسبب تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية وتلاشي الآمال باستمرار التعافي الذي شهدته القارة بعد جائحة كورونا وبدأت الديون تعيق بالفعل التنمية الحقيقية في القارة السمراء.

وارتفع عدد الدول المعرضة لمخاطر أزمة ائتمانية من 14 في عام 2015 إلى 23 في العام الحالي 2022، حيث يتوقع الصندوق أن تتسبب أزمة الأسعار الناتجة عن الحرب بالمزيد من الارتفاع في التضخم ونسب الفقر، وبالتالي بروز توترات أمنية واجتماعية.

القمة الأمريكية الإفريقية ..أزمة الديون

أزمة الديون في أفريقيا

ورغم أن بعض الدول الأفريقية تنتج وتصدر النفط وستحصل على إيرادات أعلى مع ارتفاع الأسعار، فإن الزيادة ستذهب لحزم دعم الوقود، أما الدول الأخرى فليس لديها ما يخفف أثر ارتفاع النفط.

ويشدد صندوق النقد على أن الدول الأفريقية تحتاج في ظل هذه الأوضاع للتعامل مع 3 تحديات مهمة، أولها، حماية المواطنين الأكثر عرضة للتأثر من ارتفاع الأسعار بدون أن يؤثر ذلك على مستويات الدين العام. 

ثانياً، السيطرة على التضخم بدون التأثير على مستويات النمو،  أما ثالث التحديات فهو السيطرة على أسعار صرف عملات تلك الدول، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وتزايد الضبابية في الأسواق العالمية.

وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية في دول جنوب الصحراء وهيكليتها، فإن النجاح في التعامل مع التحديات المذكورة يبدو أقرب للمستحيل، فنسبة خدمة الدين للناتج المحلي في ارتفاع مستمر، مما يعني أن المزيد من الأموال ستذهب لتسديد فوائد الديون بدلاً من القدرة على استخدامها في دعم الاقتصاد والتنمية.

كما أن الاستثمارات الأجنبية بدأت تخرج من تلك الأسواق (كما هي الحال في معظم الأسواق الناشئة)، وليس هناك ما يغريها بالعودة قريباً مع تزايد مخاطر الإفلاس والتوقف عن الدفع، ومع الفساد المستشري في كثير من تلك الدول، يصعب توقع نتائج أفضل في الفترة القادمة.

وسبق أن تعرضت الدول الأفريقية لأزمات مشابهة وكانت الحلول عادة تأتي على شكل دعم من المنظمات الدولية وأيضاً عن طريق إسقاط نسب كبيرة من ديون الدول الكبرى، لكن الوضع حاليا تغير لأن معظم دول أفريقيا خلال السنوات الأخيرة تحولت للتعامل مع الصين في موضوع الديون، وليس معروفاً عن الصين تساهلها في ديونها بدون الحصول على مقابل.

والجدير بالذكر، أن الدائنين من الدول لأفريقيا، جاءت الصين في المركز الأول، يليها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، كذلك المملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة وألمانيا، وهو ما يعكس استمرار سيطرة الصين على جزء كبير من الإقراض المقدم لأفريقيا.

القمة الأمريكية الإفريقية وعبء الديون

الديون في ارتفاع مستمر 

وكان من أهم الأسباب الاقتصادية لارتفاع مشكلة الديون الخارجية في أفريقيا، ما يلي:

  • تعتبر الظروف الاقتصادية التي تمر بها معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء السبب الرئيسي وراء ارتفاع حجم ديونها الخارجية، إذ تعاني الدول الأفريقية من تراجع حجم إيراداتها العامة، وارتفاع وتضخم قيمة نفقاتها العامة التى تصيغ معظمها كتكلفة للاستيراد من الخارج ( عجز الموازنات العامة الأفريقية )، وعلى الرغم من أن هذا العجز الهيكلي في الموازنات العامة الأفريقية امتد لفترات طويلة ولم تفلح برامج الإصلاح الاقتصادي في معالجته، إلا أن هذا العجز يتفاقم بشكل كبير مع اندلاع الصدمات والأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية الدولية، فعلى سبيل المثال أدت جائحة كورونا إلى خسارة ما يقرب من 30 % من الإيرادات العامة للموازنات الأفريقية وذلك مع تراجع أسعار النفط والغاز والمعادن، وحالة الكساد الاقتصادي التي أثرت على حصيلتها من الضرائب، هذا في ظل احتياج شديد لمزيد من الإنفاق الحكومي لإنقاذ الاقتصاد من تبعات الجائحة، الأمر الذي زاد معه الحاجة إلى ديون جديدة، وضعف قدرات الدول على سداد التزامات الديون القائمة بالفعل.
  • تعتبر خدمة الدين أحد أهم الأعباء الإضافية التي تعانى منها الدول الأفريقية، فمع تأخر الدول عن السداد، تزداد تدريجيا تلك الفوائد وفي بعض الأحيان تتضاعف مما يزيد من ضعف قدرة الدول عن السداد وعدم الاهتمام بالتنمية، ففي الوقت الذي تصل فيه الفائدة على الديون الخارجية لأفريقيا ما بين 15- الى 16% ، فان المعدلات قد تقل عن ذلك بكثير في دول مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي ساهم في أن تلتهم خدمة الدين معظم ايرادات الدول الأفريقية.
  • كما أن ارتفاع حجم الدين الخارجي بالعملات الأجنبية، حيث يمثل حوالي 60% من إجمالي الدين؛ وبالتالي فإن تعرض الدول المقترضة لتقلبات في ظروف السوق العالمية مع تقلب أسعار الصرف وتراجع قيمة عملاتها المحلية أمام الدولار وغيره من العملات الدولية ، يزداد عبء الديون ، فعلى سبيل المثال، فقدت عملة بوتسوانا وجنوب أفريقيا حوالي 8٪ من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي واليورو منذ تفشي وباء كورونا، الأمر الذي يؤثر على تكاليف الديون والفوائد المرتبطة بها كذلك مع التوقعات الأقل مواءمة للسياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة.
القمة الأمريكية الإفريقية.. أزمة الديون

إن تكلفة مساعدة إفريقيا على تجاوز عاصفة الديون هذه ضئيلة للغاية، في حين أن تكاليف التقاعس عن مساعدتها باهظة إلى حد لا يمكن تصوره. 

ويتعين على جميع شركاء إفريقيا الماليين، بما في ذلك المؤسَّسات المتعددة الأطراف، والدائنين من القطاع الخاص، وحكومات الدول الغنية، أن تجتمع مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا وغيرها من أصحاب المصلحة الأفارقة للتوصل إلى حل شامل حتى تتمكن إفريقيا من إعادة  التنمية من جديد واستغلال مواردها وثرواتها الهائلة.