الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسطورة الغناء

منى أحمد
منى أحمد

بعد مرور ما يقرب من نصف قرن علي وفاة كوكب الشرق يتم اختيارها من قبل  المجلة الامريكية الأشهر رولنجستون  قي قائمة تضم أعظم 200 مغن عبر التاريخ , تلك الموهبة قلما يجود الزمان علينا بمثلها مرة اخري, فهي الرمز العربي الذي توحد عليه العرب بل وتجاوز تأثيرها الحيز الجغرافي ليمتد عبر أنحاء العالم,  وتخطت بموهبتها حاجز الأبداع ذاته وسطر التاريخ أسمها في أخلد صفحاته.

إنه وهج امرأة فاقت في هيمنتها على الشعوب حدود السيطرة ,صنعت المستحيل وكسرت الحواجز الجغرافية وكانت الفنانة الوحيدة التي تستقبل استقبال الملوك والرؤساء, تجلت فيها عظمة مصر فازالت الهوة بين الطبقات الاجتماعية في العالم, فسحر صوتها الرؤساء والأمراء العمال والفلاحين الاثرياء والفقراء.
في عام 1967 كان برونو كوكاتريكس مالك صالة الأوليمبيا قد سار علي نهج جديد بالانفتاح علي موسيقي العالم ,وأثناء زيارته للقاهرة قبل حرب67ولقائه بوزير الثقافة المصري د. ثروت عكاشة أقترح عليه استضافة الأوليمبيا لأم كلثوم.

بالفعل ذهب كوكاتريكس إلى فيلا ام كلثوم فى الزمالك, يقترح عليها إقامة حفلين يومى 13و15 نوفمبر 1967, إلا انه فوجئ بطلبها أجرا لم يدفع لفنان عالمي حتي تاريخه ,وهو ما كان محل خلاف, لكنه في النهاية رضخ لطلبها ,فهي أيقونة الشرق التي يجتمع علي حبها الملايين من المحيط للخليج.

حدثت نكسة67 كانت اجواء النكسة تلقي بظلالها علي  كل عربي في جميع دول العالم ,وظن كوكاتريكس أن أم كلثوم لن تحيى الحفلتين المتفق عليهما ,إلا أنه فوجئ بإصرارها على إحياء الحفلات, فسيدة الغناء العربي عقدت العزم علي التبرع باجر حفلاتها كاملة للمجهود الحربي.

وبدأ التجهير للحفل ومع الأجر الكبير لكوكب الشرق أضطر مسرح الأوليمبيا لمضاعفة ثمن التذاكر, التي كانت تتراوح في ذلك الوقت ما بين 30 ل50 فرنك فرنسي إلى 300 فرنك لتحقيق  المردود التجاري.
واصطدم كوكاتريكس بأن الغالبية العظمي من العرب المقيمن بفرنسا لا يستطيعون شراء تذاكر بهذا المبلغ الخيالي بحسابات هذه الحقبة ,نظرا لمستواهم المادي المحدود.

وبعد مرور شهرين من طرح تذاكر الحفل لم يبع منها الا عدد قليل, فلم يتوقع أحد أن تغرد الست خارج الوطن اعقاب النكسة, ويستشعر كوكاتريكس خطورة الخطوة التى اقدم عليها بالاتفاق مع أم كلثوم بهذا الاجر الخيالي, واعتبرها صفقة خاسرة فلم يسبق له طيلة مسيرته الطويلة أن شعر أنه علي حافة الإفلاس مثلما شعر بذلك في صفقة أم كلثوم.

لكن وما أن وطأت قدم كوكب الشرق عاصمة النور, وتأكد أحيائها الحفلتين حتي بدأ توافد الحضور من كل الأطياف والطبقات ,العمال بجانب السفراء والأمراء بجانب المغتربون العرب الذين يتوافدون من جميع أنحاء أوروبا الي باريس.

وتم مد جسور جوية خصيصا بين دول الشرق الأوسط وباريس لنقل المريدين لفن الست, والغريب أن الفرنسيون أحتلوا20% من المقاعد رغم حاجز اللغة ,وحضر اليهود الشرقيون بكثافة, الأمر الذي أثار دهشة مدير المسرح فسال أحدهم عن سبب وجوده في حفل عائده موجه لدعم جيش مصر فأجابه إنها أم كلثوم.

وحفل أستحق أن يسجل فى ذاكرة التاريخ, فلم يسهر الأوليمبيا  الذي حقق أكبر دخلٍ فى تاريخه الطويل حتى هذا الوقت المتأخر من خريف 1967.

الساعة الثانية صباحا والجمهور لا يبالي رغم أنه فى وقت كهذا تكون باريس كلها فى حالة سبات, لكن في تلك الليلة الأمر مختلفا ,فالست تشدو والحضور مسحور فقد سيطرت سيدة الغناء العربى على قاعة الأوليمبيا تحت سحرها لمدة خمس ساعات بين التنهدات آن والدموع آن اخر.

لم تنته رحلة فرنسا عند هذا الحد ولم يتوقف الاحتفاء بأم كلثوم فى فرنسا طيلة أسبوع بعد حفلتها, التي وصفها الفرنسيون بالحدث إلاسثتنائي ولما لا فالمبدع استثنائي, وكرمها الرئيس الفرنسي شارل ديجول في رسالة وصفا فيها الست (بضمير الامة), وبدلا من الأحساس بالهزيمة كان صوت أم كلثوم تجسيدا لمصر المنتصرة مبددا لأثار العدوان.

خصصت الصحف الفرنسية صفحات كاملة لحفلات كوكب الشرق, وجاء عنوان جريدة لوموند عندما تغنى أيقونة الفن المصرى أم كلثوم تهتز الرؤوس من شدة النشوة كما تهتز أغصان النخيل على النيل. 

ويمر125عاما علي ميلاد أيقونة الابداع ,وهي متربعة بلا منازع علي عرش الأغنية العربية.