الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إيزادورا.. شهيدة الحب

هند عصام
هند عصام

( أيتها الصغيرة الجميلة ....أيتها الطيبة البريئة ...والزهرة الناضرة ...التى ذبلت فى ربيع العمر ...يا ملاكى الطاهر الذى رحل ..دون وداع..) هذا ما سطر على مقبرة شهيدة الحب فى تونا الجبل وهكذا رثاها والدها فمن تكون هذه شهيدة الحب التى بنى لها والدها مقبرة  تعد أيقونة من مزارات تونا الجبل إنها شهيدة الحب  "إيزادورا "فجمال قصص الحب الفرعونية القديمة لا تنتهى، ويبقى لها بريقها مهما مرت السنوات والأيام، وفي زمن القدماء المصريين حكايات الحب  والغرام  كثيرة، سجلتها جدران المعابد والمقابر الفرعونية ولا تزال شاهدة حتى يومنا هذا على حب ومشاعر قلوب نبضت باسم الحب.

من تكون "إيزادورا" هيا بنا نتعرف على إيزادورا وتعنى "إيزيس"  ولماذا سُميت بشهيدة الحب فأخذني قلمى فى رحلة زمنية عمرها أكثر من 2300 عام  تقريبا في منطقة تل العمارنة جنوب مدينة المنيا وتحديدا بمركز ملوى كان يقع الإقليم الخامس عشر من أقاليم الصعيد في عصر الإمبراطور  الرومانى «هارديان» في القرن  الثانى  قبل  الميلاد حيث كانت إيزادورا الفتاة  الإغريقية  ابنة حاكم الإقليم فتاة فائقة الجمال عاشقة أبيها ومدلالته ، أميرته الوحيدة تعيش فى قصر على ضفاف النيل حيث الفخامة والأسوار العالية والخدام والحشم وكان قصر أبيها حاكم الإقليم يطل على البر الشرقي للنيل الذي يضم قصور وبيوت الأحياء، بينما البر الغربي يضم المقابر، ولم تعلم "إيزادورا" أن قلبها سينبض بالحب هناك على الجانب الغربي للنيل.

وبدأت قصة إيزادورا عندما خرجت ذات يوم إلى المشاركة فى  أحتفال من أحتفالات  "تحوت"  رمز الحكمة والقلم فى مصر القديمة وكانت إيزادورا فى أولى خطوات الأنوثة بعد أن تخطت السادسة عشر من عمرها   فكنت ساحرة الجمال تخطف قلوب وأنظار الجميع عيونها البراقة اللامعة بالحب والحماس للمستقبل المنتظر لها الذى لا تعلمه ، وعندما كانت إيزادورا تعبر بالقارب إلى البر الغربى شعرت بشيء غريب ولكنه جميل وكأنه هو الحب المنتظر وما وأن وضعت قداميها على البر الغربى وعيونها البراقة وقعت عليها السحر الحب المنتظر "حابى" وقالت لنفسها هذا هو الشيء الغريب الذى شعرت به فى القارب وبالفعل خطف قلبها من أول نظره وخطفت هى قلبة وعلقة وكل حواسه من أول نظرة  وحابى كان ضابط فى الجيش المصرى من عامة الشعب وليس من أسرة أرستقراطية مثلها فالحب لا يعرف معنى الفوارق الاجتماعية  وبدأت قصة حب حابى وإيزادورا سراً خوفاً من أبيها فكانت كل ليلة تهرب من القصر ليلاً  كى ترى حبيبها فكانت تعبر النهر كل ليلة بالقارب إلى البر الغربى مدينة (خمنو) الأشمونين حالياً حيث لقاء الحبيب وقضاء أسعد دقائق عمرها وهو الأخر كان يغامر ويختلق الحيال حتى يرها فكان هو الاخر ياتى إليها لمقابلتها فى حدائق القصر الواسعة كى يرى عينيها الجميلاتان وأستمر حب العاشقين الطاهر الرقيق بين القلبين لمدة ثلاث سنوات ولا أن الحب المستحيل لا يدوم كثيراً فعلما والدها بأمرهما وغضب غضباً شديداً وأمر بحبس أميرته داخل قصرها كى لا ترى الضابط حابى حبيبها الأول والأخير ودخلت إيزادورا فى نوبة من الحزن و الأكتئاب الحاد لمنعها عن حبيبها الأول وجميعنا نعلم ما هو الحب الأول فهو تجربة حيه لا يعانيها الا من يعايشها لانه أول شعور وإحساس نقى يدخل القلب فالحب الأول لن يتركناً أبداً وهذا ما حدث مع إيزادورا كانت لا تتحمل بعد حبيبها وعاناً الحبيبان حابى وإيزادورا وحزينو حزن شديد  فالحزن هو الثمن الذى ندفعه من أجل الحب مثلما قالت ملكة بريطانية العظمة الملكة إليزابيث الثانية  ، فكم من المرات حاولت إيزادورا الهروب إلى حبيبها وكم غامر هو فى مداهمات عديدة إلى القصر كى يرى حبيبتة ولكن حراس القصر منتشرين فى كل مكان وكانت هى تحت حراسة مشددة بأمر من أبيها ، وزادا حدت الحزن والأكتئاب على الحبيبان وفى مرة من المرات نجحت إيزادورا فى الهروب من القصر وأخذت القارب وأبحرت إلى البر الغربى حيث الحبيب المنتظر الذى ذبلت عينيه من الأنتظار لرؤيت حبيبته وفى الليل عندما كان حابى جالساً فى انتظار حبيبته إيزادورا كل ليلة فرأى قارب من بعيد فهبا واقفاً وأمتلأ قلبه بالسعادة وامتلأت عينيها بالدموع وعندما وضعت قداميها على البر أسرعت إليه وأسرع هو إليها وأحتضنها وكانت تبكى وهو يبكى مثل لقاء الأم بأبتها الغائبة وقضت الأميرة إيزادورا وقت سعيد مع حبيبها حابى ولكن سريعا ما مر الوقت وحان موعد الرحيل وكان حابى لا يعلم أنه أخر لقاء بحبيبته وعند عودتها إلى القصر تخلالها الحزن و الإكتئات مره أخرى وشعرت أن هذا هو أخر لقاء بحبيبها حابى وهذه السعادة لن تعود إليها أبداً وقررت إلا تكون حبيسة القصر مرة أخرى فقررت تنهى حياتها بسبب أبيها الذى تسبب فى حرمانها من حبيبها حابى وألقت بنفسها فى النهر لتكون أخر لحظاتها فى الحياة هو لقاء حبيبها وغرقت فى مياة النهر المقدسة وأصبحت  أول شهيدة فى الحب الفرعونى. 

وعندما علما والدها بأمر أميرة قلبه وقع عليه الأمر كالصاعقة فكانت صدمة كبيرة لوالدها وندم ندما شديدا وإنتشل جثمانها من النهر وقام بتحنيطها وبنى لها مقبرة تخلد ذكراها ووضع جثمانها علي سرير جنائزى ونقش  بداخلها  رثاء  لابنته  محبوبته. أما حابي العاشق الذي مات قلبه  الحبيب الملكوم الذى ظل يفكر فى حبيبته طول حياته  قرر عدم الزواج مطلقا وكان يزور قبر عشيقته يوميا ويشعل لها الشموع حتى يؤينسها ولا تكون روحها وحيدة حتى يذهب إليها .

يذكر أن  مقبرة "إيزادورا" بنيت من طراز فريد فهى برقم (١) بين مقابر (تونا الجبل )بمحافظة المنيا فى جنوب مصر ، وتبدو كما لو كانت منزلا على الطراز الجنائزى المصرى مقام من الطوب اللبن المحروق ، وكانت جدرانه  مغطى بالكامل بمادة الجص الأبيض من الخارج والداخل ،ويكون الصعود له ببعض السلمات ،والتى تؤدى إلى مذبح صغير ، يقع خلفه مدخل المقبرة المكونة من حجرتين ،وعلى جانبى المدخل المؤدى للحجرة الثانية  حيث يرقد  الجثمان الطاهر فوق سرير جنائزى فاخر ، وهو مكون من بناء مرتفع  قليلا من اللبن طوله متران به عمودان ، ويعلوه نموذج على شكل قوقعة مغطاة بالجص ، أقامت عليه وزارة الآثار فاترينة ، وحددت سنة البناء فى عام ١٢٠ قبل الميلاد والتى واكبت عصر الامبراطور هادريان (١٣٨-١١٧) قبل الميلاد.

ويقال أن  إيزادورا  قصتها  أثرت على الأدباء والشعراء فى العصر الحديث حتى عميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين تاثر بقصتها وقام  ببناء استراحته الشهيرة التى  كتب  فيها رواية  دعاء  الكروان  ..  بجوار قبرها وأطلق عليها شهيدة الحب وكان يوقد لها كل يوم شمعة مثلما كان يفعل حبيبها حابي .


-