الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماذا تريد النساء ؟

نهال علام
نهال علام

ورب الشمس والقمر، ومن جعل كفيها جسراً وممر لدعوات هي المدد في سنوات العمر، أنها ليست نصف الكون الذي أرسى دعائم الوجود ولكنها رحم الحياة الذي أوجدها.
فالبداية آدم لكن المسيرة حواء، تلك التي أوجدها الله للاحتواء، فقد كانت لنبي الله الجنة ولكن دون خليلته كان يشعر بالوحشة، لذا حباه الله إياها لتأخذ الإنسانية منحاها.

أنه شهر النساء المقترن بالجود والعطاء، فهو الشهر الذي نحتفل فيه بيوم الشهيد ويوم الأم التي انجبت الوليد، ولأن وجود المرأة يمحو التعاسة ففي العشرين من مارس نحتفل بيوم السعادة، وحيث أن المتشابهات تجمعهن المناسبات والذكريات، ففي ذات الشهر نحتفل بيوم الأرض فكليهما ينتظر البذور ليطرح النور ويمنح السرور، وذلك يجعل الاحتفال بأعياد الربيع الملازم لأعياد النساء أمراً منطقياً، يعضده يوم المياه التي خلق الله من بين شفافيتها كل ما هو حي، فحى على الصلاة التي هي الوصل للسماء وكذلك النساء فهم الوصل لروضة الله في أرضه.

نواجه الاتهام بأن أمنا أخرجت أبانا من الجنة، ولا أدري ما يغضب البعض في تلك الذلة التي كانت الدافع وراء إلهام البشر ودفعه ليتجلى، فالشغف والفضول والإصرار الذي يميز أبناء آدم ويهبهم سبباً قوياً لاستقبال الصباح إنما بعض چينات خالصة من أمنا حواء، لذا كان على أول أنثى حملت الحياة دون أن تعلم فحواها، أن تهبها المخاض دون التفكير إذا كان ميلادها من الحسنات أم الموبقات.

فالمرأة أنجبت قبل أن تحمِل نطفة، تمخضت الحياة دون أن يكون في رحمها علقة، بدأت الرحلة بفكرة ولو على جنوحها ومن يكيل لها الاتهام بجنونها، إلا أنها منحت البشرية الفرصة ألا تذهب أيامها سدى، فكل شبر في الأرض يحمل بين ذراته حكاية، فهناك من مرّ وأيضاً هؤلاء الذين اختاروا الكرّ والفرّ، كلها ذكريات الأرض التي لم تكن يوماً نساية لذا لم يعرف بنوها كلمة النهاية، فكل خاتمة هي إذن ببداية والفضل كله لأمنا حواء ذات الصبابة وأول من انجبت البنين والصبايا.

شهر المرأة يتجدد فيه السؤال عما تريده بنات حواء اللواتي ثارت أمهن على الجنة! لذا إذا اردت أن تفهم المرأة فعليك بقراءة موجودات الكون المؤنثة لتعرف ما تسعى خلفه تلك المخلصة..
أليست السعادة والمعرفة والصداقة والعلاقة والحرية مؤنثة! ألا ترى أن السماوات والحكايات والحضارات متوجة بالتاء المربوطة! الشجرة والورقة والكلمة والنغمة كلهن ينتمين لحواء، ألم تلاحظ أن الرسالة والثقافة والقراءة والكتابة كلهن مجتمعات بذات الصفة!

ولأن التضاد يوضح المعنى ويدعمه، فعليك عزيزي الرجل أن تتعرف على نفسك من منظور نسائي لتفهم تلك الرأس العنيدة حتى تبلغ الحياة مستقرها المنشود، فالمرأة سماء لكن تنظر إليك أنك أرضها فهي سفينة وأنت بحرها، فهي معرفة وأنت عِلمها، وكونها كلمات وحكايات يجعل منك الحروف التي تنتظرها، فهي نغمة لكن أنت لحنها، فهي السعادة المرهونة بك لتكون عادة، إنها الصداقة وتاج العلاقة ولكن إذا كنت مخلصاً لطقوسها ستصبح شجرة أنت وتدُها.

هي الموهبة فكن الشغف، هي المهارة وأنت الفن، هي فتنة تشتعل بحضورك، وثورة يطفئها وجودك، هي الصلاة التي تهفو للوصل، والحكمة التي لا قيمة لها إلا بالذِكر، والبلسمة عندما يطأك الجرح، هي النصيحة وأنت القرار، هي الحرية وإليكَ الفرار، هي الطفلة التي تبحث عن حضن مشمول بالعفو عن هفواتها الصغار، هي المحبة التي تزهر بالعشق، هي التوبة وقبلة المستغفر، هي الذاكرة وأنت الحدث، هي الطمأنينة والسكينة إذا كنت لها الأمان، إنها الحياة التي تتحدى الموت لتألفه، نعم هي الرسالة.. فكن أنت نبياً لها.

حواء والأرض كلاهما وهبا أنفسهم لآدم مخلصين له اليقين، وإذا اردنا أن نري ما جنت يده على مرّ السنين فانظر لثورة الطين، وهو ثورة الطبيعة على الممارسات التي تعدت حدود طاقتها، وكذا هي حواء لازالت تبحث عمن يقدرها، ولا ندعي أن النساء ملائكة ولا أن الأرض دوماً تصرفاتها لائقة، فكليهما له تقلباته وتغير في مستقره وتفاعلاته ولكن في النهاية هما الحِصن والحُضن الذي إذا احسنت إليه صار بلا حُزن.

فلا تبتغي النساء في شهرهن إلا الطبطبة على قلوبهن، فرفقاً بهن، لا تدهسوا أحلامهن، ولا تحطموا امنياتهن، ولا تتلاعبوا بمشاعرهن، عاملوهن بما يستحقن من كفاءة وعلم وليس بما يمتلكن من مقومات أنثوية، ولا ترغمهن على تقديم تنازلات نفسية وتضحيات جسدية، أمنوا بما لديهن ولا تعايروهن بهرموناتهن، فكلنا أمام مطرقة الهرمونات سواء فتلك حجة ضيزى.

فالمرأة فوضى من المشاعر ولكنها هي الفوضى القادرة على ترتيب بعثرة العالم، فلا يفل الحديد إلا قلب لين ولكن ذو سمت سديد، كونوا قوامون عليهن بما منّ الله عليكم من الصبر والإيمان فأنتم لهن سلوان.

والآن عزيزي آدم هل عرفت ماذا تريد حواء؟ تلك الدرة القابعة في هدؤ بحرك لا تبالي بما يحدث من مد وجزر على سطحك، فهي تغوص في باطنك فهو ملجأها وملاذها، إنه شهر المرأة وهو ناقوس في هذا العالم حتى لا ننسى تفاصيلها الأثيرة التي بسببها نحن على الأرض الحرة، التي لعبت فيها المرأة أدوار عدة حتى المهمشات منهن في منزلها طبيبة في المرض وطاهية عند الجوع وعاملة عندما يستدعي الأمر التدخل الفني، فما بالك بمن استطعن خوض غمار التمكين! انجازاتهن خير من يتحدث عنهن، فلقد عرف التاريخ قبل أن تبزغ شمسه ب٢٧٠٠ عام ميريت بتاح كبيرة الأطباء في مصر القديمة، وتوالت اسهامات السيدات فنجد أن العلاج الكيميائي لمرض السرطان واكتشاف فيروس العوز المناعي المسبب للإيدز هي اكتشافات نسائية.

من الكافولة وغسالات الصحون وحتى اختراع السترات الواقية للرصاص والواى فاي وذلك مروراً بمساحات السيارات الأمامية وتدفئة السيارة الداخلية وتهدئة صوت الطائرات الجوية كلها اختراعات نسوية، كما حازت ستة عشر امرأة على جائزة نوبل منذ انشائها وجائت معظم تلك الجوائز في ميادين مختلفة غالبيتها متعلقة بحقوق الإنسان وإرساء العدالة والسلام.

وإذا تحدثنا عن مساهمات النساء الدينية فنتذكر سيفورا زوجة نبي الله موسى التي وهبها الله الفطنة لتعلم أنه قوي وأمين فتسأل والدها أن يستأجره ويكون ذلك بداية طريق رسالته، وسيدة نساء العالمين البتول الطاهرة مريم والدة المسيح، كانت السند والظهر والوتد لرسالة الله السماوية وتحملت من أجل إعلاء كلمته مالا يوصف من الأذية، وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد التي كانت أول المصدقين وبشارة المسلمين التي استقبلت الرسول الصادق الأمين محمد خاتم المرسلين فكلهن نساء عظيمات خالدات قدمن الكثير من التضحيات.

كل عام وأنتن طيبات يا نساء العالم دمتن سعيدات هانئات ولكل صخب الحياة غير مباليات، ولن ننسى تحية خاصة لكل أم شهيد كُتب لقلبها الفقد والحزن وهي تقدم ثمرة عمرها للأرض الطيبة، فكما سعت حواء للأرض تسعى بناتها بالزود بالأبن والزوج والأب حفاظاً على ورثتها سالمة.