يعد إخراج الزكاة الخاصة بالصائمين، قبل الخروج من مصلى عيد الفطر المبارك، هي أحد الأمور التي تشغل الأذهان، خاصة في ظل الجدال حول كيفية إخراجها مالاً أم طعاماً؟ هل تجزئ إذا ما أخرجت قبل الصلاة فقط أم أنه يجوز إخراجها في كامل اليوم الأول؟
وفي التقرير التالي نوضح أحكام الزكاة للصائمين والمعروفة بـ "زكاة الفطر أو صدقة الفطر".
حكم الزكاة عن الصوم
زكاة الفطر هي الزكاة التي سببها الفطر من رمضان، وقد فرضت في السنة الثانية للهجرة، وهي زكاة أبدان لا مال، وفريضة واجبة؛ لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس: صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر وعبد، ذكر وأنثى من المسلمين»، رواه مسلم.
وتجب عن كل مسلم عبد أو حر، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، ويخرجها الإنسان عن نفسه وعمن يعول، وتخرجها الزوجة عن نفسها أو يخرجها عنها زوجها، وقد وصفت زكاة الفطر بأنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.
وروى أبى داود عن ابن عباس -رضي الله عنهما -أنه قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».
الحكمة من الزكاة
وقال الشيخ سليم حمدي، من علماء الأزهر، إن الله أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولا تحصر ولا تستقصى، ومن هذه النعم نعمة المال، ثم شرع الإسلام الإنفاق في سبيل الله، وجعله واجباً عن طريق الزكاة، ومستحباً عن طريق الصدقة، وكلاهما طهارة للنفس والمال معاً، فالزكاة في حقيقتها وجوهرها تعتبر من أهم أركان الإسلام ودعائم الإيمان، ولأهميتها ومكانتها ومنزلتها قرنت بالصلاة التي هي عماد الدين في اثنين وثمانين موضعاً في القرآن الكريم.
وأضاف الواعظ بمجمع البحوث الإسلامية أن من الأسرار التي تكمن في هذا الربط والاقتران بين الصلاة والزكاة كما يقول المفسرون أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة متضمنة للإحسان على عبيده، ومن الأسرار كذلك أن الصلاة بها ومن خلالها تصلح العلاقة بينك وبين ربك، والزكاة بها ومن خلالها تصلح العلاقة بينك وبين الناس، ولذلك يقولون: إذا أردت أن تقوي العلاقة بينك وبين الله فعليك بالصلاة، وإذا أردت أن تقوى العلاقة بينك وبين الناس فعليك بالزكاة.
واختتم أن الزكاة شُرعت طهارة للنفس من رزيلة البخل، وطهارة للقلب من رزيلة الذنب، وطهارة للبدن من الداء والمرض، فأجرها عظيم وثوابها كبير، ولذلك جعلها الله تعالى من صفات المتقين، ومن عظيم فضلها وثوابها أن الله تعالى يغفر بها الذنوب ويمحو بها الخطايا، فكم من صدقة رحم الله بها معذبا، وفرج بها هما، وأزاح بها غما، وكشف بها ضرا، ولذلك جعلها الله تعالى أثرا باقيا حتى بعد موت صاحبها.
هل تخرج زكاة الفطر نقودا أم طعاما؟
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى، إنه كل عام يحدث خلاف بين الكثير حول إخراج زكاة الفطر مالًا أم نقودا، لكن الفقهاء حسموا هذا الخلاف، والمفتى به فى الأزهر هو أنه يجوز إخراج زكاة الفطر مالا، والدليل على ذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا معاذ بن جبل قاضيًا إلى اليمين وأمره بأن يأخذ الصدقات فقال لهم سيدنا معاذ: “ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ..”.
وأضاف أنه يجوز إخراج زكاة الفطر نقودا وهذا ما ذهب إليه الشافعية، والغرض من إخراج زكاة الفطر هو إشباع الفقير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “طعمة للمسكين وطهرة للصائم”، وإذا كانت زكاة الفطر طعمة للمسكين فنحن نراعى فيها مصلحته، فإذا كان فى حاجة للمال فنعطي له مالا، وإذا كانت مصلحته فى الطعام فلنعطي له طعامًا.
حكم إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد
لا يجوز للمُسلم تأخير زكاة الفطر لبعد صلاة العيد، فيجب عليه دفعها للفقراء والمحتاجين قبل ذلك الوقت، وتأخير زكاة الفطر لبعد صلاة العيد غير جائز شرعًا، فلا يجوز للمُسلم المُزكي أن يتأخر على الفقراء والمحتاجين.
فلا يجوز إعطاء الوالدين أو الأبناء من الزكاة ولو كانوا فقراء؛ لأن الزكاة لا تخرج لأصول المُزكي ولا لفروعه، حيث إنه واجب عليه النفقة عليهم.
من جانبه، قال الدكتور شوقى علام، مفتي الجمهورية، إن الذي عليه جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول الحسن بن زياد من الحنفية: أن وقت وجوب أداء زكاة الفطر مُضيق، فمن أَداها بعد غروب شمس يوم العيد من دون عذرٍ كان آثمًا، وكان إخراجها في حقه قضاء.
وأضاف «علام»، في إجابته في وقت سابق عن سؤال: «ما حكم تأخير زكاة الفطر بعد صلاة العيد؟»، عبر البوابة الإلكترونية لدار الإفتاء المصرية، أن جمهور الحنفية ذهبوا إلى أن وقت وجوب زكاة الفطر مُوسع، والأمر بأدائها غيرُ مقيدٍ بوقتٍ، ففي أي وقتٍ أخرجها كان فعله أداء لا قضاء، لكن يُستحب إخراجُها قبل الذهاب إلى المُصَلى.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الفقهاء اتفقوا على أن زكاة الفطر لا تسقط بخروج وقتها؛ لأنها وجبت في ذمة المزكي للمُستحقين، فصارت دَيْنًا لهم لا يسقطُ إلا بالأداء؛ قال شيخ الإسلام البيجوري الشافعي في "حاشيته" على "شرح الغزِّي على متن أبي شجاع": [ويجوز إخراجُها -أي زكاة الفطر- في أول رمضان، ويُسَنُّ أن تُخرَج قبل صلاة العيد؛ للاتباع إن فُعِلَت الصلاةُ أولَ النهار، فإن أُخِّرَت استُحِبَّ الأداءُ أولَ النهار، ويكره تأخيرُها إلى آخر يوم العيد -أي قبل غروب شمسه- ويحرم تأخيرُها عنه لذلك -أي: لآخر يوم العيد، وهو ما بعد المغرب- بخلاف زكاة المال فإنه يجوز تأخيرُها له إن لم يشتد ضرر الحاضرين].
ونبه إلى أن الإثم عند الجمهور منوطٌ بالاختيار والعَمد والاستطاعة، فمَن كان غير قادرٍ أو كان ناسيًا؛ يجب عليه إخراجُها قضاء عند الجمهور وأداء عند الحنفية مع ارتفاع الإثم عنه، وعليه وفي واقعة السؤال: فالأصل إخراج زكاة الفطر لمستحقيها قبل صلاة العيد، لكن إن حصل من الأعذار للمزكي أو للَّجنة ما أخر إخراجها؛ فلا حرج في إخراجها بعد ذلك في يوم العيد، أو بعده.