الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. عمرو الديب يكتب: حول الحاجة لإصلاح مجلس الأمن الدولي

د. عمرو الديب
د. عمرو الديب

في ظل الانقسام الكبير في العالم، وانتقال الصراع بين اللاعبين الكبار إلى مواجهات قد ترتقي لأن تتحول إلى صدام عسكري، نجد أن هذا الوضع الصعب المشحون تسببت فيه المنظمات الدولية التي لم ترقَ لمستوى الحدث، رغم ضراوة الخلافات واشتعال الحروب في أكثر من بقعة حول العالم.

من المعروف أن روسيا تقوم الآن بصياغة مبادئ الإصلاح ، والتي تقترح زيادة عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع حق التصويت.كما طالبت روسيا بدورها عن فكرة نقل مقر الأمم المتحدة إلى دولة حيادية في ظل تحكم الولايات المتحدة الأمريكية بقرار المنظمة، لكن وبصرف النظر عن استحالة هذا الأمر على المديين القريب والبعيد، لكن أن تولد الظروف الجيوسياسية مثل هذه الفكرة هو بحد ذاته تغيير، لأن المجلس لم يعد مفيداً كما كان عليه في السابق، ويتوجب إصلاح جذري إن أراد الجميع عودة الهدوء والاستقرار الدوليين..

يدرك اللاعبون الجيوسياسيون الرئيسيون أن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو مسألة وقت، وبالتالي، هناك نهجان يتنافسان مع بعضهما البعض: النهج الأول يقوم على الحاجة إلى إعادة بناء العالم على مبادئ التعددية القطبية، والنهج الثاني يدافع عن صيغة عالم أحادي القطب، ما يعني أن التضاد القائم سيخلق حالة من عدم اليقين في هذا المجلس، فربما نجد مستقبلاً مجلساً مساوياً في صلاحياته لمجلس الأمن الحالي، لكن من دول هي نفسها التي ضاقت ذرعاً بتصرفات أنصار القطب الواحد.

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، يعد إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرصة لخلق آليات إضافية للسيطرة العالمية،حيث ترغب الولايات المتحدة في استبدال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالشكل الذي تم وضعه في إطار قمة تحالف الديمقراطيات، وهذا يؤكد مجدداً أن انقسام المجتمع الدولي قاب قوسين أو أدنى، وستشهد المرحلة المستقبلية معسكرين ربما ليس في شكلهما العسكري، لكن التنافس سيكون كبيراً خاصة على الصعيد الاقتصادي، لأن ما يلائم واشنطن، ربما لن تقبل به موسكو وبكين.

وجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة، التي تُعقد على أراضيها اجتماعات مجلس الأمن الدولي، أثبتت نفسها منذ فترة طويلة كشريك منحاز، وهذا ما تبين خلال مماطلتها بمسألة منح التأشيرات للوفد الروسي في الامم المتحدة، كما أن رفض منح التأشيرات لممثلي مختلف البلدان عموماً وروسيا بشكلٍ خاص، والضغط على الأمين العام للأمم المتحدة، يشهد على الدور غير العادل للولايات المتحدة في الأمم المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، ليس صعباً الاستنباط حول ماذا تريد واشنطن الآن، فإن من مصلحتها طرح فكرة إصلاح مجلس الأمن ظاهرياً، لتقوم بما تريد وهي توسيع صلاحياتها من خلال ضم أعضاء جدد، إنما بعيداً عن منحهم صفة العضوية الدائمة لتبقى المتحكمة بمسألة "حق النقض – الفيتو"، فتحصل من ذلك على خلق وهم بأن غالبية الدول تدعم سياساتها، وبنفس الوقت تقدم ميزة لحلفائها التابعين.

وقد يكون هذا الموقف مناسباً للدول الصغيرة التي تسيّرها وتستغلها واشنطن كيفما أرادت، لكن بالمقابل، إن موقفها غير مقبول في الهند والبرازيل والاتحاد الأفريقي ومنظمة الدول الإسلامية، وإن أردنا طرح بعض الأمثلة، الهند تواصل التعاون مع روسيا، ورافضة للإملاءات الأمريكية فيما يتعلق بالعقوبات، المملكة العربية السعودية، كان موقفها حازماً في اتفاق أوبك+، فضلاً عن نيتها رفع أسعار النفط للقارة الأوروبية، وفي ذلك ضربة مزدوجة للولايات المتحدة، أكبر دولتين في القارة اللاتينية "الأرجنتين والبرازيل"، يدرسان توحيد عملتهما، هذا عدا ما يحدث من قرارات في منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة البريكس والاتحاد الاقتصادي الأورواسي، وغير ذلك الكثير.

من الناحية الإيجابية، لا يزال من الممكن إصلاح مجلس الأمن، من خلال جذب أعضاء دائمين جدد في الأمم المتحدة مع حق النقض، هذا إن حصل على موافقة ثلثي الدول الأعضاء.

لكن كل ما سبق يمكن معالجته بالحوار، والاجتماعات المكثفة للوصول إلى حلول مرضية أو على الأقل منح الأوضاع هدنة وإن كانت مؤقتة، لكن غير المقبول هو المناقشات التي سمعناها مؤخراً، حول تقييد حق النقض للاتحاد الروسي، فهي إن صحت مدمرة، المطمئن فيها أن ما من دول معينة أو منظمات دولية تتمتع بمثل هذه الصلاحيات، مع الإشارة إلى أنه حتى إذا تمكنت الولايات المتحدة من حرمان روسيا من حق النقض، فستكون الصين هي التالية، ونتيجة لذلك، سيحصل العالم أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة على جميع أدوات الحكم العالمي في يديه، لكن الأمر المؤكد هو أن مكان روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يستند إلى اتفاقية فيينا ولا يخضع للمراجعة .

وكما أشير أعلاه، أصبحت الاتحادات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة البريكس، والاتحاد الاقتصادي الاوراسي، ورابطة دول جنوب شرق آسيا مراكز ثقل جديدة في العالم الحديث، ويمكن لممثليها التقدم لشغل مقاعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن نقول إن الهيمنة الأمريكية قد ضعفت أو في طريقها إلى الانحلال، الحقيقة الواضحة أن قطباً جديداً ميزته القوة الاقتصادية التي ستبتلع الاقتصادات الأخرى، وهو ما سيفقد واشنطن تدريجياً لأهم حلفائها، لأن التبعية في العصر الحديث دائماً للأقوى اقتصاديا.