الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أيمن يوسف يكتب: التشابك العصبي للأخلاق

د. أيمن يوسف
د. أيمن يوسف

طغت نتائج علم الدراسات العصبية المعرفية Cognitive Neuroscience على أغلب حقول علم الفلسفة والفكر والمنطق والتربية كتيار ثوري في مناهج البحث في العلوم الإنسانية، نظرا للنتائج الضخمة التي أوردها هذا العلم في ربط علم وظائف الأعضاء (المتمثل هنا في الدماغ) وبين تفسير السلوك والتوجهات والانماط الفردية والجماعية، بل وفي تفسير الركائز الحضارية للمناطق الجغرافية التي تميز حضارة عن حضارة أخرى.

ولم يعد متصورا تفسير "الأخلاق" وتعديلها بعيدا عن معرفة طبيعة المشابك العصبية التي يكونها الدماغ من اجل التحلي بقيمة أخلاقية معينة أو التخلص من أخرى، فالدماغ في عمله يتميز بتشكيل مليارات من المشابك العصبية عبر التشابك العصبي المستمر بين خلية عصبية وأخرى من أجل تنفيذ وظائف فسيولوجية او سيكولوجية يحتاجها الفرد تنقل الأوامر بين الخلايا العصبية المختلفة، وتشكل الموصلات العصبية طبيعة هذا التشابك وفقا للوظيفة المرجوه سواء كانت وظيفة حركية او حسية او ذهنية، هذا النمودج المبسط يمكننا تطبيقه أيضا على السمات الأخلاقية التي قد يمتلكها فرد ويفتقدها شخص اخر، وذلك وفقا لطبيعة المشابك العصبية التي يستطيع ان يشكلها دماغ فرد لصفة أخلاقية معينة ولا يستطيع تشكيلها فرد آخر، ويتدخل في ذلك نشاط المعدلات العصبية التي يلعب وجودها وشكل نشاطها الدور الرئيسي في تشكيل هذه المشابك التي تحمل تلك السمات الأخلاقية، ويدعم نشاطها أيضا سلسلة المواد البنائية والجينية التي توفر المواد الايضية والتمثيل الغذائي لذلك.

إن الحرص على تكوين كائنات أكثر أخلاقية لا يتوقف فقط على النموذج المعرفي/ التفاعلي القائم على أبجديات الثقافة والموروث والنشأة ومصالح الجماعة الإنسانية من اجل الاستمرار وحفظ النوع والتواصل بين الافراد وحماية المجتمعات، بل يتوقف أيضا في حقيقته على نمط وجودة تكوين المشابك العصبية وتوفر عناصر بنائية في الاستقلاب والتمثيل الغذائي والهرموني وأوامر الحمض النووي السليمة والمنضبطة التي تنحي التحورات الجينية وترسل أوامر أكثر انضباطا في تشكيل الوعي الوجودي والإنساني والمجتمعي وفي تشكيل "الأخلاق"