الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما فوائد معرفة أسباب النزول وكيف نتحقق منها؟ علي جمعة يوضح

علي جمعة
علي جمعة

واصل الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حديثه عن مكانة السنة وأهميتها في الوحي الإسلامي والشريعة الخاتمة، وذلك من خلال عرضه لأهم جوانب التشريع النبوي عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.

فوائد معرفة أسباب النزول 

وقال علي جمعة: “لقد جاءت السنة النبوية الشريفة لتبين آيات القرآن‏،‏ من قبيل بيان المجمل وتوضيح المشكل وتخصيص العام وتقييد المطلق،‏ ومن جملة ما بينته السنة أسباب نزول آيات القرآن‏، وهي تمثل ركنا أصيلا في فهمها‏، فإن كثيرًا من آيات القرآن لا يمكن فهمها فهما صحيحا بمعزل عن معرفة سبب نزولها‏,‏ ومهما حاول المفسر الوصول إلى مقصد النص القرآني بعيدا عن سبب نزوله فإنه لا يزداد إلا تخبطا وبعدا عن المعنى المقصود من النص”.

وأوضح أن سبب النزول -كما عرفه الزرقاني- هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه. (مناهل العرفان)، لافتاً إلى أنه من هنا أهمية معرفة سبب نزول الآية، قال القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز (البرهان للزركشي).

وشدد على أن لسبب النزول فوائد جمة: منها أنه يبين وجه الحكمة الباعثة على التشريع، ومن أمثلة ذلك ما نجده في سبب نزول آيات الملاعنة: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [النور:6-7] فقد روى البخاري عن سهل بن سعد أنها نزلت عندما سأل عويمر العجلاني النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فنزلت الآيات. (البخاري) فوضح سبب نزول الآيات -كما ورد في السنة- الحكمة الباعثة على تشريع اللعان وأنه صورة استثنائية لا تدخل في حد القذف.

أمثلة على أسباب النزول

وأوضح علي جمعة أن من الأمثلة الواضحة لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت آية (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) [البقرة:187] عمد عدي بن حاتم رضي الله عنه إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض, فجعلهما تحت وسادته, فجعل ينظر في الليل فلا يستبين له, فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك, فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار» (البخاري).

وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم منهجا وسطا في التوضيح, فلم يسهب في الشرح وذكر ما لا فائدة منه, إنما اهتم ببيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل تأخيرا, أو تلك التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريقه, أما فيما عدا ذلك فقد تركه للمسلمين ليشحذوا فيه زناد عقولهم تفكيرا وتدبرا.

وعلى هذا النهج فصلت السنة مجمل القرآن الكريم في مسائل كثيرة; ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) , فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال أفعاله وأحاديث عدد ركعات الصلاة وكيفيتها, ومقدار الزكاة ونصابها.

كما خصص عليه الصلاة والسلام العام، ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على المسلمين, فقالوا: يا رسول الله, أينا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك, إنما هو الشرك» (البخاري).

وكذلك قيد المطلق، حيث حددت السنة القطع في السرقة باليد اليمنى من المفصل وذلك شرحا لآية: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة:38], كما أوضح المبهم مثل قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر (البخاري).

وتابع علي جمعة: “إننا إذا أعدنا الفكر والتأمل في هذه المسائل ندرك أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم إلا مقرونا بالسنة النبوية المشرفة, ذلك أن السنة النبوية والقرآن الكريم كليهما وحي من الله عز وجل, مصداقا لقوله سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)”.