لعل ما يطرح السؤال عن هل الشهادات المرضية حرام ؟ أو بصيغة أدق هل الشهادات المرضية للحصول على إجازة من العمل حرام؟ ، هو اعتماد بعض الناس الشهادات المرضية الزائفة كأحد أهم الحلول للتهرب من أعبائهم الوظيفية ، وحيث إن العمل عبادة ، فقد حدد الشرع الحنيف هذه المسألة وحقيقة هل الشهادات المرضية حرام ؟ أو بصيغة أدق هل الشهادات المرضية للحصول على إجازة من العمل حرام ؟.
هل الشهادات المرضية حرام
قال الدكتور حسن القصبي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، إن شهادة الزور تُعَد من أكبر الكبائر، وفي العصر الحديث تتجلى في أمثلة عديدة مثل شهادات الأطباء والمهندسين والمدرسين.
وأوضح “ القصبي ” في إجابته عن سؤال: ( هل الشهادات المرضية للحصول على إجازة من العمل حرام؟)، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر شهادة الزور باعتبارها من الكبائر بعد الشرك بالله وعقوق الوالدين، مما يعكس أهمية هذا الموضوع.
ونبه إلى أن شهادة الزور في العصر الحديث تتجلى في أمثلة عديدة مثل شهادات الأطباء والمهندسين والمدرسين، فالطبيب الذي يمنح شهادة مرضية دون أن يكون الشخص مريضاً بالفعل من شهادة الزور ، وكذلك المهندس الذي يكتب تقريراً زائفاً عن صلاحية مبنى، يُعتبران من الممارسات التي تدخل ضمن نطاق شهادة الزور.
وأضاف أن المدرس أيضًا الذي لا يؤدي عمله بأمانة ويمنح درجات غير مستحقة يعدّ أيضاً من مظاهر شهادة الزور، موضحًا أن شهادة الزور تعني قول الزور والباطل بدلاً من الصدق، وهذا يشمل العديد من الأفعال التي تؤدي إلى ظلم الناس وإلحاق الأذى بهم.
وأكد أن الشهادة يجب أن تكون لإحقاق الحق ونصرة المظلوم، وأن استخدام الشهادة بشكل غير صحيح يُعتبر من الكبائر، مستشهدًا يالحديث النبوي الذي يقول: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" فأجاب الصحابة: "بلى يا رسول الله".
وأشار إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرالشرك بالله سبحانه وتعالى ، ثم عقوق الوالدين، ثم قال وهو متكئ: "وشهادة الزور، وشهادة الزور، وشهادة الزور"، مما يدل على شدّة التحذير من هذا الفعل وضرورة تجنبه.
حكم الشهادة المرضية الكاذبة
وأفادت دار الإفتاء المصرية ، بأن نفس المسلم مطبوعة على الصدق والأمانة، والعمل الذي كُلِّف به الإنسان هو أمانة اؤتمن على أدائها، ولا يجوز التفريط في الأمانة؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ولفتت إلى أن الطبيب الذي يمنح الشهادة المرضية هو مستشار في بيان من يحق له التفرغ والراحة من عمله بسبب عدم اللياقة الصحية وحدها لا بسبب غيرها من الأعذار والظروف، والمستشار مؤتمن، فيجب عليه أن يكون أمينًا في شهادته صادقًا في تقريره، ولا يجوز له أن يمنح شهادة مرضية لمن لا يستحقها، وإلا كان كاذبًا في شهادته.
حكم تقديم الأعذار الطبية الكاذبة لجهة العمل
ونوهت " الإفتاء" بأن الحكم على تصرفات الموظفين في أخذهم للمأموريات والإجازات المرضية إنما يكون بحسب مطابقتها للوائح والنظم التي نظم بها ولي الأمر هذه الوظائف، والتي التزمها الموظف عند توقيعه لعقد العمل، ويفرق فيها بين أمرين: الأول: قيام الموظف بعمل المأموريات والإجازات المرضية التي تكون بعلم رؤسائه في العمل ويكون الأمر فيها مخولًا إليهم في السماح بها من عدمه حسب نظام العمل ولوائحه؛ فهذا جائز شرعًا.
وتابعت: والثاني: من يقوم بتقديم المأموريات والإجازات المرضية الوهمية الكاذبة تهاونًا منه وتكاسلًا، وهذا مُحرَّمٌ شرعًا ومخالِفٌ قانونًا؛ لما اشتمل عليها من كذب ومفاسد، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ويرجع عن هذه المعصية، ويسعى في إتقان عمله والقيام بواجبه؛ حتَّى يُحلِّلَ كسبه ويطيب عيشه، ويحرص على خدمة مجتمعه ووطنه.
وبينت أنه على الطبيب أن يتحرى في كتابة الإجازة المرضية دون تقصير أو تهاون، وأن يصرح في التقرير بما يطابق حالة المريض دون تغيير أو تلاعب بالألفاظ؛ لأنه الفيصل في تحديد المرض من عدمه، وهو في ذلك مستشار، والْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ، وإلَّا اشترك مع المتمارض في الإثم.
ولفتت إلى أن مَنْحُ الإجازات المرضية لموظفي الخدمة المدنية له إجراءات مقننة تضبطه، ولوائح معتمدة تنظمه، وتسري أحكامه على جميع العاملين المدنيين بالجهاز الإداري بالدولة؛ من الوزارات، والأجهزة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، وإذا مرض الموظف مرضًا يقعده عن مزاولة عمله، أو يقلل من كفاءته، أو مرضًا يتسبب العمل في ازدياده وتفاقمه أو يقلل من برئه وعلاجه: فله في كل ذلك الحقُّ أن يحصل على إجازة مرضية، وفق هذه اللوائح والقوانين التي تنظم ذلك.
واستطردت : أما إذا كان الموظف صحيحًا لا علة به ولا مرض: فلا يجوز حينئذٍ أن يدَّعي المرض ويأخذ بناء على ذلك إجازة مرضية؛ لأنه يكون بذلك مقصرًا في وظيفته التي تعاقد عليها وائتمن على أداء مهامها، وذلك لأن العلاقة بين الموظف وبين صاحب العمل (عامًّا حكوميًّا أو خاصًّا) تُكَيَّف من الناحية الفقهية على أنها علاقة إجارة؛ لأن الإجارة عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم؛ كما في "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني الشافعي (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية).
واستندت لما قال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 159، ط. دار الفكر): [وهي -أي: الإجارة- قسمان: واردة على عين؛ كإجارة العقار، ودابة، أو شخص معينين، وعلى الذمة؛ كاستئجار دابة موصوفة، وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء] اهـ.
تحذير الموظفين من إظهار التمارض للحصول على الإجازات
وأكدت أن التمارض منهي عنه شرعًا؛ لأنه كذب وإخبار بغير الحقيقة، وفيه إنكار لنعمة الصحة التي هي من أعظم النعم، وشكر النعمة يُبقيها ويَزيدُها، وكفرانها يُذهبها ويُبيدُها، والأصل في المسلم أن يكون صادقًا؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» متفقٌ عليه.
ودللت بما ورد عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: "حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» رواه أحمد في"مسنده" والترمذي في "السنن" وصححه والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وحذرت، قائلة: ولا بُد أن ينأى الموظف بنفسه عن الكسل والتثاقل عن أداء الواجبات وإنجاز المهمات؛ لأن الكسل لا يُعدُّ عذرًا شرعيًّا يوجب الحصول على الإجازة المرضية؛ بل هو جرثومة قاتلة، وداءٌ مهلك، يعوق من العمل الجاد والسعي الحميد في نهضة الأمم وتقدم الشعوب، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ من العجز والكسل؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» متفقٌ عليه.