استعرضت الدكتورة سهير عبد المنعم، أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بحثًا بعنوان: "التنظيم القانوني للعلاقة الإيجارية القديمة للمساكن في ضوء العدالة الاجتماعية".
تنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر
وأوضحت أن موضوع البحث يتلخص في دراسة التنظيم القانوني للعلاقة الإيجارية القديمة للمساكن المخصصة لغرض السكنى فقط، دون تلك المخصصة لأغراض أخرى، وذلك في إطار العدالة الاجتماعية والمعايير الدولية والدستورية المتعلقة بالحق في السكن الملائم.
وأضافت أن الهدف من البحث هو اقتراح سياسة تشريعية لتنظيم العلاقة الإيجارية القديمة بصفة خاصة، وإيجار الأماكن المخصصة لأغراض السكن بصفة عامة، بشكل يحقق التوازن بين حقوق المستأجرين ومصالح الملاك، وذلك استنادًا إلى آراء طرفي العلاقة الإيجارية ومجموعة من الخبراء، إلى جانب المعايير والتجارب الدولية والدستورية المتعلقة بخصوصية الحق في السكن.
وأشارت إلى أن البحث اعتمد على المنهج الوصفي التحليلي الذي يجمع بين الأسلوب الكمي والكيفي لتحليل البيانات، كما استند إلى عينات من المستأجرين والمؤجرين لوحدات إيجار قديم، تم سحبها بواسطة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، من بيانات تعداد المنشآت لعام 2017، بحيث تمثل مستويات مختلفة للمناطق السكنية في المجتمع البحثي، موزعة على محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، باستخدام الأسلوب العشوائي المنتظم، وتم التطبيق الميداني من أغسطس 2019 حتى يناير 2020.
الإيجار القديم أمام البرلمان
واستخدم البحث عددًا من الأدوات، منها استمارات استبيان طُبقت على المستأجرين والملاك، ودليل مقابلة موجه للخبراء، ودليل لتحليل قضايا الإيجارات، وآخر لتحليل عدد من مشروعات القوانين المقترحة.
وقالت إن عدد الأسر التي تقيم في مساكن إيجار قديم يُقدَّر بمليون ونصف المليون أسرة، من إجمالي 10.3 مليون أسرة تقيم في المحافظات الحضرية، وتتركز النسبة الأكبر في محافظة القاهرة بنسبة 44.7%، تليها الجيزة ثم القليوبية. كما أشارت إلى أن عدد الأسر التي تعتمد على نمط حيازة السكن بالإيجار تراجع إلى أدنى مستوياته خلال العقود الأخيرة، من 29% عام 1986 إلى 17% خلال الفترة من 2006 حتى 2017، بحسب آخر تعداد للمنشآت.
وتضمنت الدراسة مجموعة من التوصيات، أبرزها ثلاثة مقترحات، جاء أولها تحت عنوان "عدالة إصلاحية"، ويهدف إلى إدخال تعديلات على التنظيم القانوني للإيجار القديم، بما يتماشى مع ضوابط الجيل الثاني للسيطرة على الإيجار، وتضمن ما يلي:
1. زيادة القيمة الإيجارية بما يواكب ارتفاع الأسعار وتكاليف الصيانة، لتحقيق عائد مادي معقول لأصحاب العقارات، والحد من ظاهرة الشقق المغلقة، وذلك وفقًا لأحد معيارين:
المعيار الأول: عمر المبنى، وفقًا لنصي المادتين 7 و8 من القانون رقم 136 لسنة 1981، على أن تكون الزيادة دورية كل ثلاث سنوات بحد أدنى 8% من القيمة الإيجارية التي تُتخذ أساسًا لحساب الضريبة العقارية، على غرار التجربة المغربية.
المعيار الثاني: المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمستأجرين، وذلك بتقسيم كل محافظة إلى أربعة مستويات لإقرار الزيادة، بحيث تتراوح بين 5 إلى 8 أضعاف القيمة الحالية، مع زيادة دورية كل ثلاث سنوات تتناسب مع طبيعة المستويات السكنية.
2. اعتبار تكاليف الصيانة الدورية أو الاستثنائية دينًا على كل وحدة سكنية، تحت رقابة القضاء، مع إدارة مخصصة لكل عقار.
3. قصر امتداد عقد الإيجار على الزوجة والأبناء والوالدين وأبناء الابن المستحقين للوصية الواجبة.
4. منح المؤجر الحق في استرداد الوحدة السكنية لضرورة يقدرها القضاء له أو لأحد أبنائه أو للوصية الواجبة، مع تقرير تعويض مناسب للمستأجر، على غرار المادة (3) من القانون الملغى رقم 121 لسنة 1947، وقانون الإيجارات المغربي، مع إمكانية تدخل الدولة لتوفير مسكن بديل في كل حالة.
5. فتح الباب أمام قروض ميسرة لكل من المالك والمستأجر لشراء الوحدة السكنية، كما هو الحال في العديد من المدن الأمريكية.
أما المقترح الثاني، فقد طُرح في حال تبني سياسة تشريعية لإلغاء نظام الإيجار القديم للمساكن المخصصة لأغراض السكن، وتضمن ما يلي:
1. تحديد فترة انتقالية مناسبة، حيث تقترح الدراسة مدة عشر سنوات، حفاظًا على الحقوق المكتسبة وتحقيقًا للسلم الاجتماعي.
2. زيادة الإيجار خلال تلك الفترة وفقًا للضوابط سالفة الذكر، مع تطبيق زيادة دورية كل ثلاث سنوات.
3. وأشارت الدراسة إلى أن هذا المقترح يثير تساؤلات حول نمط الإيجار الذي سيُطبق لاحقًا، في ضوء المعايير الدولية والدستورية المتعلقة بالسكن الملائم والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن معايير التنمية المستدامة التي تضع الحاجات الأساسية في أولوية الاهتمام.
أما المقترح الثالث، فقد ركز على إعادة النظر في القانون رقم 4 لسنة 1996، باعتباره يمثل عدالة تصحيحية وتوزيعية في آن واحد، في حال تطبيقه على الإيجار لأغراض السكن، مع التأكيد على وجود الدولة كفاعل رئيسي في توفير الأراضي المخططة للعمران بوجه عام.
وأكدت الدراسة ضرورة ألا يُترك إيجار السكن لآليات السوق (العرض والطلب) على إطلاقه، لاسيما بعد أن أدت الوقفة الحازمة للدولة إلى وقف البناء المخالف والحفاظ على الأراضي الزراعية، مما أدى إلى إنهاء القطاع غير الرسمي الذي كان يوفر نحو نصف احتياجات محدودي الدخل من السكن، وهو ما يجعل الأرض المخططة للعمران موردًا أكثر ندرة.
وأشادت الدراسة بإنجازات الدولة في إطار تطبيق قانون الإسكان الاجتماعي، لتوفير وحدات لذوي الدخل المتوسط والمنخفض، سواء بالتمليك أو الإيجار، لكنها تساءلت: هل تستطيع الدولة وحدها تلبية احتياجات الأجيال القادمة، في ظل ندرة الأرض والمياه، والزيادة السكانية المستمرة، وارتفاع التكاليف؟
واختتمت الدكتورة سهير عبد المنعم تصريحها مؤكدة أن "قانون الإيجار رقم 4 لسنة 1996 يشكل هَمًّا للمواطن المصري"، وذلك وفقًا للدراسات الميدانية التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
وكان من أبرز مقترحات الدراسة في هذا السياق:
قصر تطبيق هذا القانون على الإيجار الفاخر وفوق المتوسط.
تحديد حد أدنى لمدة الإيجار بما يضمن استقرار السكن ويُراعي مصالح الأطراف.
جعل الزيادة في قيمة الإيجار دورية كل ثلاث سنوات، بدلًا من الزيادة السنوية.