في تصعيد غير مسبوق من حيث الحدة والنطاق، استمرت الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل حتى وقت متأخر من مساء الأحد، وسط تحذيرات متبادلة واستهداف مباشر للمنشآت الحيوية والمراكز المدنية في كلا البلدين، ما ينذر بتدهور خطير قد يزج بالمنطقة في أتون حرب شاملة.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، شدد في تصريحات حاسمة على أن إسرائيل ستكثف عملياتها العسكرية ضد إيران، قائلًا: "نحن لا نقوم بردود فعل مؤقتة، بل نرسم مسارًا لتعزيز أمننا لسنوات قادمة."
قصف جديد من إيران
أعلنت وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية أن إيران أطلقت، مساء الأحد، "دفعة جديدة من الصواريخ والطائرات المسيّرة" على الأراضي الإسرائيلية، ضمن عملية أطلق عليها اسم "الوعد الصادق 3".
وبحسب البيان الإيراني، فإن العملية شملت "مئات من الصواريخ الباليستية المتنوعة"، استهدفت مباني سكنية، ومنشآت للبنية التحتية، في محاولة لإحداث تأثير مباشر على الداخل الإسرائيلي، ما يشير إلى تصعيد في استراتيجية المواجهة بعيدًا عن الأهداف العسكرية التقليدية.
تحذيرات متبادلة بالإخلاء
اللافت في مشهد التصعيد هو التبادل المعلن لتحذيرات الإخلاء بين الجانبين.
فقد أصدر الجيش الإيراني تحذيرًا دعا فيه المدنيين الإسرائيليين إلى إخلاء المناطق القريبة من المنشآت العسكرية والعلمية الرئيسية، حفاظًا على حياتهم، في ما يبدو كتمهيد لمزيد من الاستهدافات الدقيقة لتلك المنشآت.
وفي المقابل، كان الجيش الإسرائيلي قد أصدر، قبل ذلك بساعات، تحذيرًا مشابهًا للإيرانيين، داعيًا السكان المقيمين بجوار منشآت إنتاج الأسلحة ومراكز القيادة إلى المغادرة الفورية، في إشارة صريحة لاحتمال تنفيذ هجمات إضافية تستهدف قلب البنية العسكرية الإيرانية.
إسرائيل تضرب العمق الإيراني
ردًّا على الهجمات الإيرانية، شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية الدقيقة، استهدفت منظومات صواريخ أرض-أرض في مناطق غربي ووسط إيران. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن سلاح الجو قصف ودمر أهدافًا عسكرية داخل العاصمة الإيرانية طهران.
وفي تطور خطير، كشف نائب وزير الخارجية الإيراني، سعيد خطيب زاده، أن مبنى وزارة الخارجية في طهران تعرّض للقصف أيضًا، ما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص، دون ذكر تفاصيل دقيقة حول الأضرار أو عدد المصابين.
وبحسب ما ورد من مصادر أمنية إيرانية، قُتل رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني، محمد كاظمي، ونائبه في هجمات منفصلة في وقت سابق من اليوم، ما يُعد ضربة قاسية للأجهزة الأمنية الإيرانية.
ترامب يرفض خطة اغتيال خامنئي
في سياق موازٍ، نقلت شبكة CNN الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض خطة إسرائيلية لاستهداف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، مؤكدين أن إسرائيل كانت تضغط من أجل تنفيذ العملية لكن البيت الأبيض رفض الموافقة.
وفي رد سريع، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمتحدث باسمه وجود أي خطة من هذا النوع، ووصفا التقارير بأنها "كاذبة وخطيرة".
ارتفاع حاد في عدد القتلى والمصابين
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن الإعلام الإيراني إلى مقتل ما لا يقل عن 224 شخصًا وإصابة 1481 آخرين في أنحاء متفرقة من إيران، منذ بدء المواجهات، أغلبهم من المدنيين. ووصفت وسائل الإعلام الإيرانية الضحايا بأنهم "شهداء العدوان الصهيوني"، مع نشر صور مروعة من مواقع القصف.
أما في إسرائيل، فقد سقط 14 قتيلًا على الأقل، وأصيب أكثر من 380 شخصًا، نتيجة القصف الإيراني المتكرر خلال الـ24 ساعة الماضية.
ضربات على مدن إسرائيلية
وأكدت السلطات الإسرائيلية أن مدينة حيفا شمال البلاد تعرضت لقصف صاروخي مباشر، ما أدى إلى دمار كبير في أحد المباني السكنية، كما استهدفت الصواريخ الإيرانية بلدة زافدييل الجنوبية، مخلفة إصابات وأضرار مادية واسعة.
ما يجري حاليًا بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرّد جولة تصعيد عابرة، بل هو صراع يضرب العمق العسكري والمدني للطرفين، ويمتدّ ليشمل رسائل متبادلة للعالم، وتدخلات دولية غير مباشرة.
ومع استمرار الضربات، وتبادل التحذيرات، وتوسّع رقعة الدم، يزداد القلق الدولي من انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

المنطقة لا تحتمل المزيد من التصعيد
وفي هذا السياق، شدد الدكتور عمرو حسين، المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، على أن العالم يتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة المتمثلة في الضربات العسكرية التي نفذتها إسرائيل ضد أهداف داخل إيران، معتبرًا إياها تصعيدًا جديدًا وخطيرًا من شأنه أن يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وينذر بانعكاسات تتجاوز الحدود الجغرافية للصراع.
وأضاف حسين في تصريحات ل “صدى البلد” أن هذه العمليات، مهما كانت مبرراتها الأمنية والسياسية، تعكس فشلًا واضحًا في احتواء التوترات عبر المسارات الدبلوماسية، وكرّست منطق القوة على حساب الشرعية الدولية وحق الشعوب في الاستقرار والتنمية، لافتًا إلى أن تجارب العقود الماضية أثبتت أن الحلول العسكرية لا تُنتج استقرارًا حقيقيًا، بل تعمّق الأزمات وتؤسس لصراعات جديدة أكثر تعقيدًا.
وأشار إلى أن المنطقة لا تحتمل المزيد من التصعيد العسكري، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة في عدة دول، وانهيارات البنى التحتية في دول النزاع، وتداعيات الأزمات الإنسانية في غزة وسوريا واليمن، إلى جانب التأثيرات المباشرة على أسواق الطاقة العالمية، التي باتت أكثر هشاشة أمام أي اضطراب أمني في الخليج أو مضيق هرمز.
وشدد حسين على أن المجتمع الدولي بات مطالبًا بتحرك عاجل لوقف هذا النهج التصادمي، وتهيئة بيئة مناسبة للحوار وتسوية الخلافات ضمن أطر سياسية عادلة، بدلًا من الانجراف نحو سياسات القصف المتبادل التي لا تخلّف سوى الدمار وعدم الاستقرار.
وفي ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، اعتبر الدكتور حسين أنه لا يمكن التعامل معه بسياسة الضربات المتفرقة أو محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة، بل يجب العودة إلى إطار تفاوضي شامل يراعي هواجس الأمن الإقليمي، ويضمن التزام طهران بالاتفاقات الدولية، في ظل رقابة شفافة تحقق التوازن بين حق الدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية ومتطلبات الأمن الجماعي.
وأضاف أن استمرار الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية قد يُشعل ردود فعل مماثلة من جانب طهران أو حلفائها في المنطقة، مما يُنذر بانزلاق الوضع إلى حرب متعددة الجبهات تشمل دول الجوار وتهدد أرواح المدنيين، وتُغذي موجات نزوح جديدة، وتُعيق محاولات التنمية التي تتطلع إليها شعوب المنطقة منذ عقود.
وحذر الدكتور عمرو حسين من مغبة استمرار دوامة التصعيد، داعيًا الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة القوى الدولية الفاعلة إلى التحرك العاجل لوقف الأعمال العدائية، واستئناف مفاوضات جادة وشاملة تعالج جذور التوترات الأمنية والسياسية بعيدًا عن منطق الانتقام وردود الفعل.
كما دعا وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية إلى الاضطلاع بدور مسؤول في توعية الرأي العام بخطورة التصعيد، وتغليب أصوات السلام والاحتكام إلى القانون الدولي، مؤكدًا أن الطريق إلى استقرار الشرق الأوسط لا يمر عبر الصواريخ والقنابل، بل عبر طاولة التفاوض والثقة المتبادلة.
وختم بالقول: "لقد آن الأوان لتنتصر إرادة الشعوب على إرادة السلاح، ولتبنى المنطقة على أسس التنمية والسلام لا على أنقاض المواجهات المفتوحة."