في مشهد يجمع بين الفخامة المعمارية ورمزية القوة التاريخية، ينتصب تمثال ضخم من الجرانيت الأحمر لرمسيس الثاني داخل بهو المتحف المصري الكبير غرب القاهرة.
ويقف "ملك الملوك" الفرعوني، بوزنه الذي يناهز 80 طناً، في قلب صرح حديث صمم بأسلوب معماري معاصر تحيطه واجهات من الألباستر المضيء عند الغروب، تعكس مزيجاً من الحداثة والجذور المصرية.
وبهذة الكلمات الرائعة، وصفت مجلة فاينانشيال تايمز استعدادات الاحتفال الرسمي لافتتاح المتحف المصري الكبير الذي كان من المقرر أن يكون في الثالث من يوليو المقبل.
متحف بحجم أمة
يعد المتحف، الذي وصف بأنه الأكبر في العالم المخصص لحضارة واحدة، بمثابة تجربة جديدة في المتاحف المصرية، تقوم على التكنولوجيا الحديثة والتفاعل مع الزائر.
بدأ العمل عليه منذ نحو عشرين عاماً، بتصميم من مكتب هينجان بنج الأيرلندي، وتنفيذه بواسطة شركة "حسن علام" المصرية.
وتبلغ مساحته نحو 500 ألف متر مربع – أكبر من المتحف البريطاني أو متحف المتروبوليتان في نيويورك – بكلفة بلغت مليار دولار (تعادل 1.4 مليار اليوم)، بينها 750 مليون دولار كقروض ميسرة من اليابان.
يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، منها ما يقارب 5,600 قطعة من مقبرة توت عنخ آمون وحدها، وقد تم ترميم 57 ألف قطعة في مركز الترميم التابع للمتحف، الذي يضم 19 معملاً ويديره فريق كبير من علماء الآثار، أغلبهم من النساء.
احتفاء بالهوية.. وتكريس للسلطة
منذ تأسيسه، حمل المتحف أبعاداً سياسية إلى جانب قيمته التراثية.
أعلن عن المشروع في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 1992، ثم خضع لتطورات في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي جعل منه رمزاً لاستعادة "الهيبة المصرية" داخلياً وخارجياً.
تأجيل الافتتاح الرسمي
رغم أن قاعات المتحف مفتوحة للزوار منذ أكتوبر الماضي، فقد تم تأجيل حفل الافتتاح الرسمي، المقرر له الأسبوع المقبل، بسبب تصاعد التوتر في الشرق الأوسط نتيجة الحرب بين إسرائيل وإيران.
وتروي المعروضات في المتحف قصة مصر القديمة عبر أربعة عصور رئيسية وثلاثة محاور موضوعية: المجتمع، الملكية، والمعتقدات.
المعروضات لا تكتفي بإبراز عظمة الملوك، بل تسلط الضوء على تطور الفن من التمثيل الرمزي إلى الواقعي، كما في تماثيل أمنحتب وأخناتون.
وتشمل كنوزاً مثل كرسي الملكة حتب حرس، والتمائم، والمراكب الشمسية التي عُثر عليها بجوار هرم خوفو، والتي تُعد من أقدم وأضخم القطع الأثرية على الإطلاق.
يطرح التقرير رؤية مزدوجة: فمن ناحية، يعد صرحاً ثقافياً مذهلاً يعيد لمصر موقعها في قلب الحضارة العالمية، لكنه من ناحية أخرى، يسلط الضوء على علاقة الثقافة بالسلطة.
فالمتحف لا يروي فقط قصة الملوك، بل يستخدم كذلك كأداة لصياغة "شرعية معاصرة" مستندة إلى رموز الماضي.