قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عشاء التهجير.. ترامب ونتنياهو يرسمان خريطة غزة بالنار

غزة
غزة

في لحظة وُصفت بـ"الحاسمة" من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء أول أمس الإثنين، برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على مائدة عشاء خاصة في البيت الأبيض، وسط أجواء مشحونة بالتوتر الإقليمي، وتفاؤل أمريكي حذر بإمكانية إنهاء التصعيد العسكري في قطاع غزة.

يأتي هذا اللقاء في أعقاب حرب استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، شهدت تدخلًا عسكريًا مباشرًا من جانب الولايات المتحدة، وتركت تداعياتها على مجمل المعادلة الإقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بملف غزة، ومستقبل التوازنات الإسرائيلية – الفلسطينية.

عرض أخير لحماس.. أم مناورة أمريكية؟

قبيل العشاء، تحدث الرئيس ترامب للصحفيين، مؤكدًا أن "حماس تريد التفاوض والتوصل إلى وقف إطلاق نار"، مشيرًا إلى أن “العرض الحالي قد يكون الأخير”، مضيفا أن الأمور تسير بشكل جيد، وأنه لا عقبات كبيرة تحول دون التوصل إلى هدنة.

وقد فُهمت تصريحات ترامب، على أنها إما فرصة أخيرة للتسوية، أو محاولة ضغط إضافية لدفع الأطراف إلى القبول بصفقة تحمل تنازلات غير مسبوقة.

هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعًا حول فحوى "العرض الأخير"، وما إذا كان يتضمّن مطالب تتجاوز وقف إطلاق النار إلى شروط تتعلق بالترتيبات السياسية والإنسانية في قطاع غزة، بما في ذلك إعادة الإعمار مقابل التهجير، وهي النقطة التي فجّرها نتنياهو لاحقًا خلال اللقاء.

نتنياهو يرشح ترامب لنوبل.. ويطرح مشروع التهجير مجددًا

في مشهد بدا مُخططًا بعناية، استغل نتنياهو اللقاء للإشادة بالرئيس الأمريكي، مُعلنًا أنه "يرشحه لجائزة نوبل للسلام"، باعتباره "يُرسي السلام في منطقة تلو الأخرى"، وفق تعبيره.

إلا أن الجانب الأخطر في حديث نتنياهو تمثّل في الترويج العلني لخيار تهجير سكان قطاع غزة، حيث قال صراحة إن من حق الفلسطينيين "المغادرة لمن يريد"، وأعنه يعمل مع واشنطن على "إيجاد دول تمنحهم مستقبلًا أفضل". 

وهذا التصريح، الذي بدا متناغمًا مع التصريحات الأمريكية حول الحلول الإنسانية، يُشير إلى وجود خطة إسرائيلية أمريكية مشتركة لتشجيع التهجير الجماعي تحت غطاء «الاختيار الفردي»، وهو ما يُعتبر، في القانون الدولي، تهجيرًا قسريًا مغلفًا بمصطلحات إنسانية.

رسائل سياسية وعسكرية بعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية

اللقاء جاء بعد انقضاء الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران على خلفية الهجمات التي طالت المنشآت النووية الإيرانية، والتي دعمتها واشنطن عبر ضربات جوية دقيقة، وصفها ترامب بأنها ضرورية لحماية إسرائيل.

وقال: "نأمل ألّا نضطر إلى المزيد"، معتبرًا أن إيران "باتت تحترم إسرائيل والولايات المتحدة أكثر"، في إشارة إلى أن الردع العسكري الأمريكي باقٍ في المنطقة، لكنه قد يُستخدم كأداة تفاوضية.

كما كشف ترامب أن "استئناف المفاوضات مع طهران بات قريبًا جدًا"، ما يُشير إلى أن أمريكا تحاول موازنة الضغط العسكري مع الانفتاح السياسي، في إطار استراتيجية احتواء مزدوج.

خريطة جديدة وتسويات مشروطة

وخلال العشاء، أعاد نتنياهو التأكيد على رؤيته للحل الفلسطيني، قائلاً إن الفلسطينيين "يجب أن يحكموا أنفسهم دون المساس بأمن إسرائيل"، مع تشديده على أن "السيطرة الأمنية ستبقى دائمًا في يد تل أبيب"، هذه التصريحات أعادت التذكير بـ"صفقة القرن"، ولكن بنسخة معدّلة، يُعاد فيها رسم الحدود والسكان على أساس أمني لا سيادي.

وكان من بين الحاضرين أيضًا السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، فيما كشف ترامب عن طلب إسرائيلي برفع العقوبات عن سوريا، ضمن إطار تفاهمات إقليمية أكبر قد تتضمّن مقايضات غير معلنة، ترتبط بإعادة ترتيب خارطة النفوذ في المشرق العربي.

اللقاء بين ترامب ونتنياهو تجاوز كونه مناسبة بروتوكولية، وتحول إلى منصة رسمية لترويج تهجير غزة، وتثبيت الرؤية الإسرائيلية للحل النهائي، بدعم أمريكي معلن.

وفي ظل غياب موقف دولي رادع، يُخشى أن يتحول «العرض الأخير» الذي تحدّث عنه ترامب إلى خطة مفروضة بالقوة، لا خيار أمام غزة سوى الرضوخ أو المواجهة.

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، إن الموقف الأمريكي في التعامل مع الأزمة في قطاع غزة بات واضحًا وجليًا، ويتلخص في "ترك الخيار للفلسطينيين بين الهجرة أو البقاء تحت الحصار والقصف"، مشيرًا إلى أن التصريحات التي سبقت لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، وما تضمنته من حديث عن "عرض أخير"، تندرج ضمن إطار الضغوط الأمريكية الإسرائيلية المتواصلة لفرض وقائع ميدانية جديدة في غزة.

وأضاف الرقب ، في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن ما يُسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" ليس سوى واجهة لمشروع إسرائيلي أمريكي متكامل، يهدف إلى تنفيذ أجندات الاحتلال تحت غطاء إنساني، داعمًا الجيش الإسرائيلي في عملياته ومخططاته.

وقال إن الحديث المتكرر من جانب نتنياهو وترامب عن الرغبة في إنهاء التصعيد، يخفي في طياته توجهًا نحو دفع سكان غزة إلى الهجرة القسرية، وهو ما لم يعد يُخفى حتى في التصريحات الرسمية.

وشدد على أن الخطط الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من غزة تُنفّذ بدعم أمريكي مطلق، وتُطرح أمام العالم دون خجل أو مواربة، وسط صمت دولي مخزٍ وعجز أممي عن وقف هذا المخطط الخطير، الذي يُنذر بتغيير ديموغرافي واسع النطاق في المنطقة.

وأكد الرقب أن ما يجري ليس مجرد هدنة تُبحث، بل إعادة تشكيل لواقع غزة تحت ضغط السلاح والجوع والنار، معتبرًا أن اللقاء "الحاسم" بين ترامب ونتنياهو ما هو إلا محطة إضافية في مشروع التهجير، لا تفاوضًا حقيقيًا من أجل السلام.