قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عبد السلام فاروق يكتب: محدش يجرب مصر.. رسالة إلى نتنياهو والعالم

عبد السلام فاروق
عبد السلام فاروق

لا أعرف إن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد نسي تاريخ هذه المنطقة حقاً، أم أنه يتعامى عنه، أم أنه ببساطة يختبر ذاكرتنا الجماعية ليرى إلى أي مدى يمكن أن تمحى. لكني أرى أن رسالة واضحة قد التبست عليه، أو ربما أراد أن يمررها على استحياء ليرى رد فعلنا: فكرة تهجير الفلسطينيين من معبر رفح.


الرد المصري، من وجهة نظري، جاء كالصاعقة. كان واضحاً، حاسماً، ولا يحتمل التأويل. "محدش يجرب مصر". ليست مجرد عبارة تتردد في المقاهي؛ لقد أصبحت عنوان بيان رسمي من دولة لها ثقل تاريخي وجيوسياسي لا يخفى على أحد. هذه العبارة، في رأيي، تختصر استراتيجية كاملة.
ما يفعله نتنياهو ليس جديداً. إنها نفس اللعبة القديمة التي نعرفها جميعاً: خلق واقع جديد على الأرض، ثم فرضه على العالم كأمر واقع. لقد حاولوا ذلك في 1948 و1967، وها هم يحاولون اليوم تحت غطاء الحرب على "حماس". الفكرة من وجهة نظري بسيطة ومعقدة في آن واحد: تصفية القضية الفلسطينية ليس بإنهائها، بل بنقلها. تحويل الصراع من صراع على الأرض إلى أزمة لاجئين تتحملها الدول المجاورة، وتحديداً مصر والأردن.
لكن الجديد اليوم، برأيي، هو الوضوح المصري المطلق في رفض هذه اللعبة. لم يعد هناك مجال للتعامل الدبلوماسي المبهم أو المرن. لقد رسمت مصر خطاً أحمراً واضحاً للعالم أجمع: أي محاولة لتهجير الفلسطينيين خارج غزة تعني الحرب. هذا الموقف لا يعكس فقط التزاماً أخلاقياً بقضية عادلة، بل إدراكاً استراتيجياً عميقاً لمخاطر هذا التهجير على أمننا القومي.
هنا يجب أن أسأل: لماذا هذا الموقف الحازم من القاهرة؟
أولاً، الأمن القومي المصري ليس شعاراً نرفعه؛ إنه خط دفاعنا الأول. استقبال ملايين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، كما يتمنى نتنياهو، لن يكون عملاً إنسانياً مؤقتاً. سيحول شبه الجزيرة إلى قاعدة دائمة للصراع والفوضى، ستكون برميل بارود على حدودنا مباشرة، وستستخدم كذريعة دائمة للتدخل الإسرائيلي تحت مسمى "ملاحقة الإرهابيين". إنها إستراتيجية "تصدير الأزمة" التي تتبعها إسرائيل، ونحن نرفض أن نكون سلة المهملات لها.
ثانياً، البعد العربي والإسلامي. مصر لم، ولن، تتخلى عن دورها القيادي في المنطقة. قبول التهجير هو خيانة لتاريخنا كحاضنة للقضايا العربية، وتخلي عن دورنا كقلب للأمة. إنه سيقوض مصداقيتنا إلى الأبد، ويحولنا من دولة قائدة إلى دولة تابعة، تفرض عليها الشروط.
ثالثاً، الرسالة إلى الداخل الإسرائيلي والعالم. أرى أن مصر تريد أن تقول للغرب، وخاصة للداعمين الأقوياء لإسرائيل في واشنطن: "كفاكم". لقد بلغ السيل الزبى. هناك حد للصمت على إنشاء "كانتونات" في الضفة، وحصار غزة، ومصادرة الأراضي، والآن محاولة طرد شعب بكامله. مصر تضع نفسها، في تقديري، كحائط الصد الأخير ضد سياسة "الأرض المحروقة" الديموغرافية.
أعتقد أن أي مواجهة، إن حصلت، ستكون زلزالاً إقليمياً سيدخل الجميع في دوامة لا يعرف أحد عواقبها. إسرائيل تدرك هذا جيداً. والقوى الدولية تدركه. لذلك فإن التصريح المصري هو في جوهره استباق لهذه المغامرة الخطيرة. هو محاولة لوضع النقاط فوق الحروف قبل فوات الأوان.
من وجهة نظري، تحول معبر رفح من معبر حدودي إلى رمز. رمز للسيادة المصرية، وللإرادة المصرية، وللالتزام الأخلاقي والسياسي تجاه القضية الفلسطينية. التلاعب بهذا المعبر هو تلاعب بكرامتنا نحن.
إن رفضنا لتصريحات نتنياهو هو إعلان للعالم أن حقبة جديدة قد بدأت، حقبة لن تسمح فيها القوى الإقليمية بتغيير الخرائط الديموغرافية بالقوة. إنها صيحة مدوية بأن على المجتمع الدولي أن يفيق من سباته، وأن على اللاعبين في هذه المسرحية أن يعيدوا حساباتهم.
أرى أن الموقف المصري الحازم لا ينفصل عن سياق استراتيجي أوسع، يعيد تشكيل تحالفات المنطقة وتوازنات القوى فيها. ما نشهده اليوم هو فصل جديد من فصول الصراع الطويل، حيث تتحول التصريحات إلى اختبارات إرادة، والحدود إلى خطوط نار، والمواقف إلى استراتيجيات وجود.
لعقود، اضطلعت مصر بدور الوسيط. لكن محاولة إسرائيل فرض واقع التهجير يمثل انتهاكاً فجاً لهذه الوساطة، ويحولنا من وسيط إلى طرف مباشر في المواجهة. هذا التحول ليس خياراً مصرياً، بل هو فرض إسرائيلي. لكننا، بوعي استراتيجي، اخترنا أن نرفض هذا الخيار المفروض، وأن نعيد تعريف دورنا ليس كطرف في الصراع، بل كـ "حام للحدود الديموغرافية للأمة". أي محاولة لعبث إسرائيلي بتركيبة غزة الديموغرافية ستعتبر اعتداء على أمننا القومي، وسيتم الرد عليها ليس كقضية فلسطينية فحسب، بل كقضية مصرية وجودية.
رسائل متعددة:
أعتقد أن خطابنا الحازم لم يوجه فقط لإسرائيل، بل للعديد من اللاعبين: للإدارة الأمريكية والغرب: كشف تناقض خطابهم حول "حقوق الإنسان" بينما يتغاضون عن محاولات التهجير القسري، وهي جريمة حرب. نقول لهم: "كفاكم ازدواجية". ولدول الخليج: تذكير بأن أمنهم مرتبط بأمننا، وأن الاستقرار ليس تجارة فقط، بل قضية أمنية وجودية. ثم للأمة العربية والإسلامية: دعوة غير مباشرة للخروج من الصمت والوقوف في خندق واحد.
سيناريوهات ممكنة:
السيناريو الأول: تصعيد محدود: قد تستمر إسرائيل في استفزازات عند المعبر. ردنا سيكون بحزم وتعزيز وجودنا، وربما تعطيل العمل بالمعبر كرسالة.
والسيناريو الثاني: تصعيد إقليمي: إذا أقدمت إسرائيل على عمل عسكري واسع لفرض التهجير، فسيكون الرد مختلفاً جذرياً وقد يفتح الباب لمواجهة إقليمية أوسع.
أما السيناريو الثالث فهو: التراجع الإسرائيلي: أعتقد أن الضغط المصري الحازم والضغوط الدولية قد يجبران إسرائيل على التراجع عن خطتها علناً. هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، فإسرائيل تدرك أن مواجهة مصر مختلفة تماماً.
ما نفعله اليوم هو إعادة تعريف قواعد اللعبة. لم تعد القضية الفلسطينية قضية "مفاوضات" فحسب، بل أصبحت قضية "حدود وجودية" لا يمكن تجاوزها. رفضنا هو إعلان أن عصر التهام الأرض وطرد السكان قد ولى.
"محدش يجرب مصر" هي فلسفتنا الجديدة: قوة الردع الاستباقي بالكلمة والحزم قبل الرصاص. ومصر، بحكمتها وتاريخها، تؤكد مرة أخرى أنها حجر الزاوية في استقرار هذه المنطقة. ومن يمس هذا الحجر، يهدم البيت كله.