وسط صدمة إقليمية وعالمية من القصف الإسرائيلي غير المسبوق على العاصمة القطرية الدوحة، تستعد الدول العربية والإسلامية للرد من خلال قمة طارئة تعقدها قطر، ما يضع العالم أمام مشهد سياسي جديد، تتقاطع فيه خيوط المصالح والتحالفات والمصداقيات المتآكلة، خاصة تلك المتعلقة بالولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب.
فبين بيانات الإدانة الحادة وتصريحات الشجب المنتظرة، تظهر أسئلة أعمق: هل تمثل هذه القمة نقطة تحول فعلية في الموقف العربي والإسلامي، أم أنها ستكون مجرد ورقة ضغط دبلوماسية دون آليات تنفيذية؟ وماذا تخفي التصريحات المنمقة خلف الكواليس السياسية المضطربة؟
الضربة التي اخترقت "الخطوط الحمراء"
القصف الإسرائيلي المفاجئ لموقع يزعم أنه تابع لقيادات "حماس" داخل الدوحة لم يكن مجرد خرق عسكري، بل مثل اختبارا خطيرا لمكانة قطر السيادية، كما طرح تساؤلات مصيرية حول احترام إسرائيل لحلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديدا للدول التي لعبت دور الوسيط بين إسرائيل و"حماس"، ومنها قطر نفسها.
الهجوم الذي وقع باستخدام أسلحة أمريكية، خارج نطاق التنسيق المسبق مع واشنطن بحسب ترامب، جاء في لحظة كانت فيها الدوحة تمارس دورا نشطا في الوساطة، ما يفسر إسرائيليا على أنه استهداف ضمني لهذا الدور.
ترامب في الزاوية.. "إهانة شخصية" و"ضربة للمصداقية"
وفقا لتقارير أمريكية فقد وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في موقف حرج، بعد أن حاول سريعا التنصل من مسؤوليته عن الهجوم، مؤكدا أن القرار كان إسرائيليا خالصا، وأنه حاول تحذير قطر عبر مبعوثه ستيف ويتكوف لكن دون جدوى.
غير أن الرد القطري جاء صريحا، نافيا تلقي أي تحذير مسبق، بل أن الاتصال الأمريكي جاء بعد بدء القصف، ما جعل محاولات ترامب لتقليل الخسائر الدبلوماسية أشبه بـ"إنكار غير مقنع"، خاصة في ظل تقارير إعلامية أميركية شككت بإمكانية عدم علم واشنطن المسبق بالضربة.
ووصفت صحيفة نيويورك تايمز الهجوم بـ"المفاجأة المألوفة"، في إشارة إلى سلسلة عمليات إسرائيلية سابقة جرت دون تنسيق كاف مع الحليف الأميركي.
أما CNN، فذهبت أبعد، معتبرة أن ما حدث كان "ضربة مدمرة لمصداقية ترامب"، وشككت في قدرة الرئيس الأمريكي على لعب دور الوسيط النزيه في الصراع، بعد أن تم تجاهل دوره واختراق نفوذه داخل المنطقة.
قمة الدوحة.. بين الرمز والرد
تنطلق القمة الطارئة في العاصمة القطرية وسط توقعات بقرارات غير مسبوقة، قد تشمل تجميد العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل، وتفعيل تحركات في مجلس الأمن والمنظمات الدولية، وهو ما ترى فيه بعض الدول العربية فرصة نادرة لإعادة إحياء مفهوم "العمل العربي المشترك".
مشاركة مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعكس اهتماما إقليميا بالغا بضرورة تشكيل جبهة موحدة ضد التصعيد الإسرائيلي، فيما شددت اتصالات القاهرة مع أنقرة والرياض وإسلام آباد على ضرورة رفع مستوى التنسيق السياسي والدبلوماسي إلى أقصى درجة.
كما يتوقع أن تقدم القمة قرارات تجمع بين الرمزية السياسية والإجراءات الفعلية، مثل التهديد بمقاطعة اقتصادية، أو دعم تحركات قضائية أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، خصوصا مع تصاعد اتهامات "الإبادة الجماعية" بحق إسرائيل في غزة.
هل تغير القمة قواعد اللعبة؟
وفقا لوسائل إعلام قطرية ترى مصادر سياسية مطلعة أن قمة الدوحة تمثل نقطة اختبار جدية للنظام العربي – الإسلامي، فإما أن تصدر قرارات قوية تغير من قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، أو تتحول إلى مجرد منصة للبيانات الإنشائية.