مع انطلاق أعمال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الدوحة، خطفت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأضواء لتتحول إلى محور اهتمام واسع في الإعلام الإسرائيلي وأوساطه السياسية، فقد أثارت تصريحاته بشأن اتفاقيات السلام وتداعيات السياسات الإسرائيلية تفاعلاً بارزاً في تل أبيب، حيث اعتُبرت بمثابة رسالة مباشرة تحمل دلالات تتجاوز القاعة العربية لتصل إلى دوائر صنع القرار في إسرائيل.
نشر الصحفي الإسرائيلي روعي كايس، المتخصص في الشأن العربي بهيئة البث الإسرائيلية، عبر حسابه الشخصي على منصة "إكس" مقتطفات من خطاب الرئيس المصري، مركزاً على تصريحاته المتعلقة باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. وأبرز كايس حديث السيسي الذي وجّه خلاله رسائل واضحة للشعب الإسرائيلي قائلاً: "إن ما يجري حالياً يقوض مستقبل السلام، ويهدد أمنكم وأمن جميع شعوب المنطقة، ويضع العراقيل أمام أي فرص لعقد اتفاقيات سلام جديدة، بل ويجهض اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة."
وتابع الرئيس السيسي في خطابه محذراً: "حينها ستكون العواقب وخيمة، وذلك بعودة المنطقة إلى أجواء الصراع، وضياع ما تحقق من جهود تاريخية لبناء السلام والمكاسب التي تحققت من ورائه، وهو ثمن سندفعه جميعاً بلا استثناء."
كما أضاف: "فلا تسمحوا بأن تذهب جهود أسلافنا من أجل السلام سدى، ويكون الندم حينها بلا جدوى."
وجاءت كلمة الرئيس السيسي هذه في إطار كلمة مصر التي ألقاها خلال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المنعقدة في الدوحة، والتي خُصصت لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته الإقليمية.

كما كتب الصحفي الإسرائيلي جاكي حوجي، المتخصص في الشأن العربي، على صفحته عبر منصة "إكس"، أن الرئيس المصري "ألمح إلى أن اتفاقية السلام مع إسرائيل باتت في خطر"، مشيراً إلى أن السيسي خاطب الإسرائيليين بوضوح قائلاً: "ما يحدث يقوض اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة، وفي هذه الحالة ستكون العواقب وخيمة، وقد تعود المنطقة إلى أجواء الصراع، وستضيع كل الإنجازات التاريخية التي بنيت من أجل السلام هباء."

جاءت ردود الفعل في الصحافة العبرية بارزة ومباشرة؛ فقد عنونت صحيفة معاريف العبرية تغطيتها بقولها: "السيسي هدد بإلغاء اتفاقيات السلام." بينما تصدرت تصريحات السيسي الصفحة الأولى لصحيفة هآرتس تحت عنوان: "الإجراءات الإسرائيلية تخرب اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة."
وتعكس هذه التغطيات الإسرائيلية، سواء عبر وسائل الإعلام أو حسابات الصحفيين المتخصصين، اهتماماً استثنائياً بمواقف القاهرة الرسمية، نظراً لكون مصر طرفاً محورياً في أي ترتيبات تخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووسيطاً رئيسياً في جهود التهدئة وملف إعادة الإعمار.

كما أن القاهرة صاحبة أقدم اتفاقية سلام عربية مع تل أبيب منذ توقيع معاهدة "كامب ديفيد" عام 1979، ما يفسر حساسية أي إشارة مصرية إلى مستقبل هذه الاتفاقية في ظل التوترات الراهنة.
إن المتابعة الدقيقة التي خصصتها وسائل الإعلام العبرية لتصريحات الرئيس المصري في قمة الدوحة تكشف حجم القلق داخل إسرائيل من أي تغيير في الموقف المصري تجاه اتفاقية السلام، التي مثّلت طوال أكثر من أربعة عقود أحد أعمدة استقرارها الإقليمي. فرسائل السيسي لم تقتصر على التلويح بخطر انهيار الاتفاقيات القائمة، بل جاءت بمثابة إنذار استراتيجي بأن استمرار السياسات الإسرائيلية الحالية في غزة والضفة يفتح الباب لمرحلة غير مسبوقة من الاضطراب.
ومن ثم، فإن خطاب السيسي لا يُقرأ فقط كرسالة سياسية آنية مرتبطة بظرف الحرب، بل كإعادة تعريف لدور القاهرة التاريخي باعتبارها حارس بوابة السلام في المنطقة، ما يعني أن تجاهل هذه التحذيرات قد يضع إسرائيل أمام معادلة مختلفة كلياً عما اعتادت عليه منذ معاهدة كامب ديفيد.