شهدت الأيام الماضية حالة من الجدل في الأوساط الفنية والثقافية بعد تغيير القاعدة الأصلية لتمثال محمد علي باشا القائم في ميدان المؤسسة بمدينة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وهو التمثال الذي أنجزه النحات الدكتور شمس القرنفلي، أستاذ النحت الميداني والعميد السابق لكلية الفنون التطبيقية بجامعة بنها، وتم الكشف عنه عام 2014 كإهداء من الكلية إلى المحافظة بتكلفة وصلت وقتها إلى نحو 120 ألف جنيه.
القضية بدأت حين فوجئ الفنانون والمثقفون بتبديل القاعدة الأصلية للعمل الفني بأخرى جديدة لا تتناسب مع تصميم التمثال، ما اعتبره كثيرون تشويهاً للمنظر العام واعتداءً على الصياغة الفنية التي أبدعها النحات.
واعتبرت نقابة الفنانين التشكيليين أن ما جرى يمثل تجاوزاً خطيراً، خاصة أن قاعدة التمثال ليست مجرد عنصر إنشائي بل جزء أصيل من تكوينه الفني، يؤثر في توازن الشكل وإيقاعه الجمالي.
في بيان رسمي، أبدت النقابة رفضها القاطع لما حدث، مؤكدة أن التغيير تم دون الرجوع إلى الفنان صاحب العمل أو النقابة المختصة، وهو ما يمثل مخالفة صريحة لأبسط القواعد المهنية وانتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية. وأوضحت أن أي تعديل أو نقل لعمل فني ميداني يجب أن يتم في إطار تشاوري يحفظ حقوق الفنان ويصون القيمة البصرية للعمل، باعتبار أن تلك الأعمال ليست ملكاً للجهة المنفذة فحسب بل ملك للذائقة العامة والمجتمع.
وأضاف البيان أن مثل هذه الممارسات غير المسؤولة تسيء للفن المصري وتشوّه الذوق العام، لافتاً إلى أن التماثيل والأعمال الميدانية تمثل ثروة قومية يجب التعامل معها بوعي وحساسية، لا باعتبارها مجرد كتل صخرية قابلة للهدم أو الاستبدال.
وطالبت النقابة بضرورة إعادة القاعدة الأصلية أو تنفيذ قاعدة بديلة تحاكي التصميم الأول بالتشاور مع الفنان المنفذ وتحت إشراف متخصصين من النقابة.
من جانبه، شدد عدد من النقاد والفنانين على أن القضية تتجاوز حدود القاعدة الجديدة، لتفتح باب النقاش حول غياب المعايير الفنية في التعامل مع التماثيل والميادين العامة، إذ غالباً ما تتخذ قرارات عشوائية بالتغيير أو النقل من دون مشاركة المتخصصين، ما يؤدي إلى إهدار قيم فنية ومعنوية كبيرة.
القضية أعادت أيضاً طرح سؤال مهم حول مفهوم الملكية الفكرية للأعمال الفنية الميدانية: هل يحق للجهات الإدارية تعديل العمل بعد استلامه؟ أم أن الشكل الفني يظل ملكاً لصاحبه لا يجوز المساس به إلا بموافقته؟ وهو ما أكدته النقابة، معتبرة أن التغيير الأخير يمثل انتهاكاً لحقوق الفنان الأصيلة التي يكفلها القانون.
ورغم أن محافظة القليوبية لم تُصدر حتى الآن توضيحاً مفصلاً حول أسباب التغيير، فإن الأصوات تتعالى مطالبة بفتح تحقيق في الواقعة، ومحاسبة المسؤول عن هذا الإجراء غير المدروس، الذي أثار استياء قطاع واسع من التشكيليين والمثقفين.
في النهاية، تكشف أزمة تمثال محمد علي عن خلل واضح في إدارة المشهد البصري للميادين العامة، وغياب آلية مؤسسية للتعامل مع الأعمال الفنية التي يفترض أن تعكس صورة مصر الحضارية أمام مواطنيها وزائريها، وتبقى الرسالة الأهم التي وجهتها نقابة الفنانين التشكيليين هي أن الفن ليس مجالاً للاجتهادات الفردية، بل مسؤولية وطنية تتطلب وعياً، احتراماً، وتقديراً لقيمة الإبداع.