أثار الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو جدلاً واسعاً في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد خطاب ناري دعا فيه دول العالم إلى "توحيد الجيوش من أجل تحرير فلسطين"، مستحضراً رموز التحرر في أمريكا اللاتينية وموجهاً انتقادات حادة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
دعوة مباشرة لحمل السلاح
في كلمته الأخيرة، لم يكتفي بيترو بتوجيه نداء سياسي أو ديبلوماسي، بل ذهب أبعد من ذلك حين دعا دول العالم وشعوبها للانضمام إلى الجيوش وحمل السلاح من أجل تحرير فلسطين.
وأضاف بلهجة حاسمة: "أدعو جيوش آسيا وشعوب السلاف الذين هزموا هتلر ببسالة، وجيوش أمريكا اللاتينية جيوش بوليفار وغاريبالدي وسان مارتن وأرتيغاس وسانتا كروز، لقد اكتفينا من الأقوال".
رموز التحرر حاضرة في الخطاب
أعاد الرئيس الكولومبي في خطابه إلى الأذهان رموز التحرر في أمريكا الجنوبية وأوروبا، من بينهم سيمون بوليفار، القائد التاريخي الذي قاد استقلال أمريكا الجنوبية عن الاستعمار الإسباني، والمناضل الإيطالي جوزيبي غاريبالدي الذي لعب دوراً محورياً في توحيد إيطاليا، إضافة إلى خوسيه دي سان مارتن الثوري الأرجنتيني، وخوسيه خيرفاسيو أرتيغاس الذي يُعتبر مؤسس الهوية الوطنية في الأوروغواي، وأندريس دي سانتا كروز القائد العسكري البوليفي البارز.

الحرية أو الموت
استشهد بيترو بكلمات بوليفار الشهيرة "الحرية أو الموت"، مؤكداً أن ما يحدث في غزة لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل يطال إنسانية العالم أجمع.
وقال: "القصف لا يستهدف غزة وحدها، ولا الكاريبي فقط كما يحدث الآن، بل الإنسانية التي تنادي بالحرية".
لا تفوق لشعب على آخر
شدّد الرئيس الكولومبي على رفضه لفكرة "الشعب المختار"، قائلاً: "لا يوجد عِرق متفوق ولا شعب مختار من قبل الرب، فالشعب المختار لدى الرب هو كل البشرية".
وطالب الأمم المتحدة بالتحرك الفوري لوقف "الإبادة في غزة"، داعياً المجتمع الدولي إلى تبني حلول إنسانية عاجلة
صواريخ غزة وصوت بيترو
أكد بيترو أنه سيواصل التحدث عن فلسطين وعن غزة "ما دامت الصواريخ التي تمزق أجساد الأطفال والرضع الأبرياء في فلسطين تسقط كل ثانية"، معتبراً أن صمته في هذا التوقيت سيكون خيانة لمبادئ الحرية والعدالة التي ناضل من أجلها قادة التحرر عبر التاريخ
انتقادات حادة للولايات المتحدة وحلف الناتو
وجه الرئيس الكولومبي سهام انتقاده المباشر للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، معتبراً أنهما يسهمان في قتل الديمقراطية عالمياً.
وقال: “من واشنطن ومن حلف الناتو تقتل الديمقراطية وتصنع تيارات استبدادية وشمولية على مستوى عالمي”، ودعا لرفع "العلم الأحمر والأسود للحرية أو الموت الذي رفعه بوليفار، إلى جانب اللون الأبيض رمز السلام والأمل"
اتهامات لواشنطن بقتل الديمقراطية
لم يخفي بيترو غضبه من السياسات الأمريكية، مؤكداً أن "الولايات المتحدة لم تعد تُعلّم الديمقراطية بل تقتلها عبر سياساتها تجاه المهاجرين وجشعها، فهي اليوم تُعلّم الطغيان".
وطالب الأمم المتحدة بإطلاق إصلاح جذري شبيه بـ "جيش عالمي" يعمل من أجل "وقف الإبادة في غزة وإنقاذ العالم"
ترامب في مرمى الانتقادات
لم تخلُ كلمة بيترو من هجوم مباشر على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث قال إن الأخير "لا يسمح فقط بسقوط الصواريخ على الشباب في منطقة البحر الكاريبي، ولا يسجن المهاجرين ويقيدهم بالسلاسل فحسب، بل يغض الطرف أيضاً عن إطلاق الصواريخ على النساء والأطفال في غزة"، معتبراً أن ذلك يجعله "شريكاً في جريمة الإبادة الجماعية".
خلفية عن مواقف ترامب الأخيرة
تأتي انتقادات بيترو في وقت كان ترامب قد أعلن في 16 سبتمبر الجاري أن قوات بلاده قتلت ثلاثة أشخاص في المياه الدولية بدعوى أنهم كانوا على متن قارب محمّل بالمخدرات انطلق من فنزويلا، وذلك في ثاني واقعة خلال الشهر نفسه بعد استهداف سفينة أخرى مطلع سبتمبر أسفر عن مقتل 11 شخصاً.
هذه الأحداث أضافت بعداً إضافياً لانتقادات بيترو، الذي ربط بين سياسات واشنطن الخارجية وما يحدث في غزة والكاريبي.
غوستافو بيترو: أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا
يُعد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو شخصية استثنائية في تاريخ بلاده، إذ أصبح عام 2022 أول رئيس يساري يتولى السلطة في كولومبيا، بعد مسيرة سياسية ارتبطت بالتيارات التقدمية والديمقراطية.
ولد بيترو عام 1960، وفي شبابه انضم إلى حركة "إم-19" اليسارية المسلحة، وهي التجربة التي أسست لفكره السياسي اللاحق، حيث جمع بين مفاهيم التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار، مستلهماً تاريخ حركات التحرر في أمريكا اللاتينية.

رؤية جديدة لدور كولومبيا في العالم
منذ وصوله إلى الحكم، حرص بيترو على رسم سياسة خارجية مختلفة، تضع كولومبيا ضمن معادلة "الجنوب العالمي"، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية التقليدية.
وقد وجّه انتقادات متكررة لسياسات واشنطن في أمريكا اللاتينية ومناطق النزاع، معتبراً أن بلاده يجب أن تلعب دوراً مستقلاً يوازن بين القوى العالمية ويمنح صوتاً للشعوب المهمشة.
القضية الفلسطينية في قلب خطابه
القضية الفلسطينية احتلت موقعاً محورياً في خطاب بيترو الدولي، حيث اعتبرها امتداداً لمعركة عالمية ضد الاستعمار والهيمنة.
وفي أعقاب الحرب في غزة، اتخذ الرئيس الكولومبي خطوات جريئة غير مسبوقة، شملت طرد السفير الإسرائيلي من بوغوتا وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب.
كما وصف ما يتعرض له الفلسطينيون بأنه "إبادة جماعية"، ليصبح واحداً من أبرز الأصوات المدافعة عن الفلسطينيين في أمريكا اللاتينية.
أزمة دبلوماسية مع إسرائيل
في أكتوبر 2023، دخلت العلاقات الكولومبية الإسرائيلية مرحلة من التوتر الشديد بعد تصريحات لبيترو شبّه فيها الجيش الإسرائيلي بالنازيين.
وردّت إسرائيل بوقف جميع صادراتها الأمنية إلى كولومبيا، بينما قابلت بوغوتا الخطوة باستدعاء سفيرها من تل أبيب، احتجاجاً على القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة.
موقف كولومبيا من فلسطين
كولومبيا كانت قد اعترفت رسمياً بدولة فلسطين في عام 2018، وتؤكد مواقفها الدبلوماسية أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية، مع الدعوة إلى سلام عادل ودائم يقوم على حل الدولتين.
هذا الموقف تكرّس بشكل أوضح في عهد بيترو، الذي جعل القضية الفلسطينية جزءاً أساسياً من أجندة بلاده الخارجية.
بيترو يكتب في الجارديان
وفي يوليو 2024، نشر الرئيس الكولومبي مقالاً في صحيفة الجارديان" البريطانية، شدد فيه على أن الحكومات تتحمل واجباً أخلاقياً وقانونياً في مواجهة إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي في غزة.
وحذر من أن تقاعس المجتمع الدولي سيجعله شريكاً في الجرائم ويقوّض النظام العالمي.
إجراءات عملية ضد إسرائيل
ضمن هذا التوجه، علّقت كولومبيا صادرات الفحم إلى إسرائيل، بينما قامت دول أخرى مثل جنوب أفريقيا برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية، وماليزيا بحظر دخول السفن الإسرائيلية إلى موانئها.
هذه الخطوات، وفق بيترو، تعكس مسؤولية دول الجنوب في الدفاع عن العدالة وحقوق الشعوب.
العدالة للفلسطينيين
اختتم بيترو مقاله بالتأكيد أن الفلسطينيين "يستحقون العدالة"، مشدداً على أن التاريخ "سيحاسب كل من يتقاعس عن هذه المسؤولية".
إلغاء تأشيرته الأمريكية
عاد الرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بيترو إلى العاصمة بوغوتا ليل الجمعة، قادماً من الولايات المتحدة، في ظل أزمة دبلوماسية مفاجئة بعد أن أعلنت واشنطن إلغاء تأشيرته بسبب ما وصفته بـ"أفعال تحريضية" أثناء وقفة احتجاجية مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك.
تصريح مثير بعد وصوله
فور وصوله إلى بوغوتا، كتب بيترو عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: "لقد وصلت إلى بوغوتا، لم يعد لدي تأشيرة للسفر إلى الولايات المتحدة.. لا يهمني".
هذا التصريح عكس تحدياً واضحاً للقرار الأمريكي، وأكد على استقلاليته السياسية في مواجهة الضغوط الخارجية.

جواز سفر أوروبي يفتح الأبواب
الرئيس الكولومبي أشار إلى أنه لا يحمل الجنسية الكولومبية فقط، بل يمتلك أيضاً جواز سفر إيطالياً يجعله مواطناً أوروبياً، وهو ما يعني أنه لا يحتاج إلى تأشيرة مسبقة لدخول الولايات المتحدة، في إشارة إلى أن القرار الأمريكي لن يشكل عائقاً كبيراً أمام تحركاته على الساحة الدولية.
شخص حر في العالم
قبل مغادرته نيويورك متوجهاً إلى بلاده، شدد بيترو على أنه يعتبر نفسه "شخصاً حراً في العالم"، في إشارة إلى أن قرارات واشنطن لا تحد من حريته في التنقل أو التعبير، وهو ما يعكس نهجه المستقل منذ وصوله إلى السلطة.
قرار الخارجية الأمريكية
وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أعلنت مساء الجمعة أنها ستلغي تأشيرة الرئيس الكولومبي، مشيرة إلى أنه شارك في وقفة احتجاجية بنيويورك مؤيدة للفلسطينيين، وخلالها "حض جنوداً أميركيين على عصيان الأوامر والتحريض على العنف"، على حد تعبيرها.
اتهامات بـ"الأفعال المتهورة"
في بيان نشرته على منصة "إكس"، أوضحت الخارجية الأمريكية أن "أفعال بيترو المتهورة والتحريضية" دفعتها لاتخاذ قرار إلغاء التأشيرة، في خطوة اعتُبرت تصعيداً غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، خصوصاً مع تزايد مواقف الرئيس الكولومبي المناهضة لسياسات واشنطن في المنطقة.
تداعيات سياسية متوقعة
القرار الأمريكي قد يفتح الباب أمام توتر جديد في العلاقات بين واشنطن وبوغوتا، خاصة أن بيترو يسعى منذ توليه الرئاسة إلى انتهاج سياسة خارجية مستقلة تربط كولومبيا أكثر بالجنوب العالمي، بعيداً عن النفوذ التقليدي للولايات المتحدة.