في صباح الجمعة 17 أكتوبر 2025، استيقظ المصريون على خبر تصدّر العناوين ووسائل الإعلام المحلية.. تحريك أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات بقرار رسمي من الحكومة، بدءًا من الساعة السادسة صباحًا.
هذا القرار الذي جاء في ظل أوضاع اقتصادية عالمية مضطربة، أثار تساؤلات واسعة بين المواطنين حول أسباب الزيادة، وتأثيرها على الأسعار والخدمات، وكيف تنوي الحكومة الحد من آثارها على حياة المواطن اليومية.
تثبيت الأسعار لمدة عام.. خطوة لتحقيق التوازن
أعلنت الحكومة أن أسعار المنتجات البترولية ستُثبّت لمدة عام كامل كحد أدنى، رغم الزيادة المعلنة اليوم، مؤكدةً أن هذه السياسة تأتي ضمن خطة أوسع لدعم قطاع البترول وتقليل الفاتورة الاستيرادية، وزيادة الإنتاج المحلي.
وفي بيان رسمي، أوضحت وزارة البترول والثروة المعدنية أن القرار هدفه الأساسي تحقيق استقرار نسبي في السوق المصرية، قائلة: "عقب الزيادة الأخيرة، قررت الحكومة تثبيت أسعار بيع المنتجات البترولية داخل السوق المحلية دون زيادة إضافية لمدة عام، مع استمرار جهود قطاع البترول في تشغيل معامل التكرير بكامل طاقتها القصوى وسداد متأخرات الشركاء الأجانب."
وأشارت الوزارة إلى أن الدولة تعمل على تحفيز الشركات العاملة في مجال الطاقة من خلال حوافز جديدة تضمن استمرار الإنتاج وخفض الفجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع، وهو ما يسهم في تخفيف الأعباء المالية عن الموازنة العامة.
الأسعار الجديدة للبنزين والسولار وغاز السيارات
جاءت الأسعار الجديدة للمنتجات البترولية على النحو التالي:
بنزين 95: 21 جنيهًا/لتر بدلًا من 19 جنيهًا
بنزين 92: 19.25 جنيهًا/لتر بدلًا من 17.25 جنيهًا
بنزين 80: 17.75 جنيهًا/لتر بدلًا من 15.75 جنيهًا
السولار: 17.50 جنيهًا/لتر بدلًا من 15.50 جنيهًا
غاز السيارات: 10 جنيهات/م³ بدلًا من 7 جنيهات
هذه الزيادات تأتي بعد فترة طويلة من تثبيت الأسعار، في ظل محاولات الحكومة موازنة التأثيرات الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط عالميًا وتقلبات سعر صرف الدولار.
حساب استهلاك الوقود.. كم ستكلفك "تفويلة" البنزين اليوم؟
يعتمد معدل استهلاك الوقود في السيارات على مجموعة من العوامل أبرزها حجم المحرك ونوع الوقود المستخدم وكفاءة السيارة الميكانيكية.
ويمكن لأي سائق حساب استهلاكه من الوقود عبر معادلة بسيطة:
قسمة المسافة المقطوعة على كمية البنزين المستهلكة.
أي أن السيارة التي تقطع 400 كم وتستهلك 40 لترًا، يكون معدلها 10 كم لكل لتر من الوقود.
أما السيارات الحديثة، فتُظهر عادةً على شاشاتها الرقمية معدل الاستهلاك لكل 100 كم، ما يساعد السائقين على مراقبة استهلاكهم بدقة أكبر، خصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار الحالي.
تحركات حكومية لضبط الأسواق ومنع الاحتكار
من جانبه، أصدر الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، توجيهاته بتشكيل غرفة عمليات مركزية بديوان عام الوزارة وغرف فرعية في جميع المحافظات، لمتابعة تنفيذ قرار الأسعار الجديد ميدانيًا وضمان توافر المنتجات دون انقطاع.
وأكد الوزير أهمية التواجد الميداني للأجهزة الرقابية داخل محطات الوقود ومستودعات البوتاجاز، والتأكد من الالتزام بالأسعار الرسمية. كما شدّد على أن الوزارة لن تتهاون مع أي مخالفات أو محاولات للاحتكار، موضحًا أن: "فرق الرقابة التموينية متواجدة على مدار الساعة، وسيتم اتخاذ إجراءات قانونية رادعة ضد أي جهة تحاول استغلال القرار لتحقيق مكاسب غير مشروعة."
وأشار الوزير إلى أن التنسيق مستمر بين وزارتي التموين والبترول لضمان استقرار السوق وتأمين حركة تداول المنتجات البترولية، مؤكدًا أن المتابعة تتم لحظيًا وعلى مدار الساعة.
القرار مدروس ويهدف لتحقيق التوازن
أكد الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن قرار الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار جاء في إطار رؤية اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين كلفة الإنتاج العالمية والواقع المحلي، مع الحفاظ على استمرار دعم استقرار السوق وتوفير الطاقة دون انقطاع.
وقال الشامي في تصريحات خاصة إن القرار ليس الهدف منه الضغط على المواطن، وإنما تخفيف الأعباء عن الموازنة العامة للدولة في ظل ما تشهده الأسواق العالمية من تقلبات حادة في أسعار النفط وارتفاع تكاليف الاستيراد وتراجع قيمة العملات في العديد من الدول.
بين الأسعار العالمية والتكلفة المحلية
وأوضح الخبير الاقتصادي أن سعر برميل البترول عالميًا تجاوز خلال الأشهر الماضية متوسطات التقديرات السابقة، مما انعكس مباشرة على تكلفة إنتاج وتكرير ونقل الوقود داخل مصر.
وأضاف أن استمرار تثبيت الأسعار لمدة عام كامل كان خطوة جريئة من الحكومة لتحمل الفارق الكبير في التكلفة، إلا أن التطورات الإقليمية والعالمية فرضت إعادة النظر للحفاظ على استدامة منظومة الطاقة.
وأشار إلى أن قرار الزيادة الأخيرة يتماشى مع المعادلة السعرية التي تعتمدها لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، والتي تضع في اعتبارها ثلاثة متغيرات رئيسية: أسعار النفط العالمية، سعر صرف الدولار أمام الجنيه، تكاليف النقل والتداول.
ضمان استمرار الإنتاج وسداد التزامات الدولة
وأكد الدكتور هاني الشامي أن من أهم إيجابيات القرار استمرار تشغيل معامل التكرير بكامل طاقتها القصوى، وهو ما يضمن توفير المنتجات البترولية دون أزمات أو نقص في السوق المحلي.
كما أشار إلى أن الدولة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى سداد مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع البترول، وإقرار حوافز جديدة تشجع على زيادة الإنتاج المحلي، مما يسهم في تقليل الفاتورة الاستيرادية مستقبلاً.
وقال الشامي: "هذه الإجراءات تدعم الثقة في الاقتصاد المصري، وتجعل قطاع الطاقة أكثر جذبًا للاستثمار، وهو ما ينعكس إيجابًا على المدى الطويل في زيادة الإنتاج المحلي وتقليص الاعتماد على الخارج".
قرارات صعبة لكنها واقعية
وشدد الخبير الاقتصادي على أن مثل هذه القرارات قد تكون صعبة في توقيتها، لكنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، مؤكدًا أن مصر اختارت الطريق الأكثر واقعية وهو مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية بقرارات مدروسة ومسؤولة.
وأضاف أن الحكومة تعمل على موازنة كلفة الإنتاج مع قدرة المواطن، وأن هذه الزيادة لن تكون متكررة بشكل عشوائي، بل تأتي في إطار منظومة تسعير واضحة.
مصر تسير نحو الاكتفاء وتعزيز الكفاءة
اختتم الدكتور الشامي تصريحه بالتأكيد على أن مصر تتحرك بثبات نحو تحقيق الاكتفاء النسبي من الطاقة، مشيرًا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت توسعًا كبيرًا في مشروعات الغاز الطبيعي ومجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، وهو ما يقلل تدريجيًا من الحاجة إلى رفع الأسعار مستقبلًا.
وقال: "رفع الأسعار اليوم خطوة لحماية استقرار السوق، لكنها أيضًا جزء من خطة أوسع لبناء قطاع طاقة قوي ومستدام يجعل مصر في موقع متقدم بين دول المنطقة."
بين تحديات اليوم ورؤية الغد
قرار الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار اليوم لا يمكن فصله عن المشهد الاقتصادي العالمي المعقّد، ولا عن التحديات التي تواجهها الدول المستوردة للطاقة.
لكن في المقابل، يعكس القرار توجهًا واضحًا نحو إصلاح هيكل الدعم وتحقيق الاستدامة المالية، مع الحفاظ على استقرار السوق ومنع الأزمات.
وبينما يشعر المواطن بثقل القرار اليوم، إلا أن أهدافه بعيدة المدى تتمثل في ضمان أمن الطاقة المصري وتعزيز قدرة الدولة على الإنتاج الذاتي.
وبذلك، يبدو أن مصر اختارت أن تواجه الواقع الاقتصادي بشجاعة وشفافية، واضعة نصب عينيها بناء مستقبلٍ أكثر استقرارًا واستدامة لأجيالها القادمة.