مع اقتراب لحظة الافتتاح المنتظرة، تتجه أنظار العالم إلى سفح الأهرامات، حيث يقف المتحف المصري الكبير كأعظم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، يجسد عبقرية المصريين في صون تراثهم وإعادة تقديمه للعالم بروح العصر.
فهذا الصرح العملاق، الذي استغرق تشييده سنوات من العمل المتواصل والتخطيط الدقيق، لم يكن مجرد مبنى أثري أو متحف تقليدي، بل حلم وطني تحول إلى واقع.
على مساحة تزيد عن نصف مليون متر مربع، تظهر العراقة مع الحداثة في مشهد بصري يأسر الزائر منذ لحظة دخوله، حيث يستقبله تمثال رمسيس الثاني في البهو العظيم، فيما تمتد القاعات الواسعة لتضم أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تحكي تفاصيل دقيقة من حياة المصري القديم، من ملوك الفراعنة إلى حرفيي المعابد وملوك السلالات.
ولأن التجربة لا تقتصر على مشاهدة الآثار فحسب، فقد صمم المتحف ليكون رحلة تفاعلية فريدة، توظف أحدث تقنيات العرض والإضاءة والواقع الافتراضي، بما يتيح للزوار العيش في قلب الحضارة المصرية القديمة بكل ما فيها من رموز وأسرار وجلال.
عبد الرحيم ريحان لصدي البلد: المتحف المصري الكبير يضم كنوزًا أثرية تعرض لأول مرة أمام العالم
قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إن اختيار موقع المتحف المصرى الكبير بجوار الأهرامات له دلالة رمزية كبيرة، موضحًا أن اسم مصر ارتبط بالهرم الأكبر باعتباره العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع.
وأكد أن تصميم واجهة المتحف على شكل مثلثات تنقسم إلى مثلثات أصغر، جاء في إطار رمزي للأهرامات، طبقًا لنظرية رياضية لعالم بولندي تتحدث عن التقسيم اللانهائي للمثلث، لتعكس عبق الحضارة المصرية القديمة وتحمل دلالات تاريخية عميقة.
وأشار إلى أن الواجهة تضم سبعة أهرامات مضيئة، حيث يرمز الرقم (7) إلى دلالات عقدية وتراثية في الهوية المصرية، لافتًا إلى أن الواجهة الشرقية للمتحف مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، منها اثنان يحتوي كل منهما على ثلاثة أهرامات مضيئة، في مشهد ديناميكي يعكس عبقرية المصرى القديم في البناء.
وأوضح أن الواجهة الشمالية للمتحف تضم الهرم السابع الزجاجي الشفاف، تأكيدًا على استمرارية الدور الريادي لمصر حضاريًا، مشددًا على أن تنفيذ الواجهة تم بأيادٍ مصرية وخامات محلية من رخام سيناء، مثلما كان يفعل المصري القديم.
وأضاف أن الواجهة الرئيسية على هيئة مثلثات متتالية كتبت عليها أسماء ملوك ورؤساء مصر من مينا إلى الرئيس السيسي داخل خراطيش بلغ عددها 568 ملكًا، بالإضافة إلى كشافات بألوان الطيف الأساسية.
وأكد أن المتحف المصرى الكبير يُعد مجمعًا ثقافيًا وتعليميًا وسياحيًا وترفيهيًا متكاملًا على مساحة 500 ألف متر مربع، منها 45 ألف متر مربع للمبنى ذاته، بينما تشمل بقية المساحة المراكز الخدمية المصاحبة.
وأوضح أن المبنى الرئيسي يضم 12 قاعة عرض مزودة بأحدث التقنيات الصوتية والضوئية، لاستقبال الزوار في تجربة استثنائية.
وتابع الدكتور ريحان قائلًا إن تمثال الملك رمسيس الثانى، بطل الحرب والسلام، يستقبل زوار المتحف في البهو العظيم، مؤكدًا أن نقله إلى موقعه الدائم في 25 يناير 2018 كان لحمايته من التلوث، وكان ذلك إيذانًا ببداية العمل الفعلي في هذا الصرح العالمي.
وأشار إلى أن البهو يضم أيضًا عمود مرنبتاح المصنوع من الجرانيت الوردي بارتفاع 5.60 متر ووزن 17 طنًا، مؤكدًا أنه يمثل رمزًا لانتصارات الملك مرنبتاح على الليبيين في العام الخامس من عهده.
ولفت إلى وجود المسلة المعلقة التي تزن 110 أطنان، والتي صُممت بطريقة فريدة تسمح للزوار بالمرور أسفلها لمشاهدة خرطوش الملك رمسيس الثاني بعد 3500 عام، في تجربة بصرية فريدة.
وأوضح أن الدرج العظيم الممتد على مسافة 64 مترًا بارتفاع 25 مترًا يضم أكثر من 72 تمثالًا، في سيناريو عرض يبدأ بملوك مصر القديمة، مؤكدًا أن التصميم يتيح للزائر رحلة زمنية عبر العصور المصرية المختلفة.
وأضاف أن المتحف يضم 5 قاعات عرض دائمة، منها قاعتان لمجموعة الملك توت عنخ آمون التي تضم 5537 قطعة، تُعرض لأول مرة مجتمعة، ومنها القناع الذهبي والمقاصير الذهبية والعجلات الحربية والأسرة الملكية، مؤكدًا أنها تمثل أكمل كنز ملكي عُثر عليه في التاريخ.
وأشار إلى أن المتحف يعرض المراكب الجنائزية الخاصة بالملك خوفو، موضحًا أن عملية النقل تمت في أغسطس 2021 باستخدام عربة ذكية تم استقدامها من بلجيكا لنقل المركب كقطعة واحدة، في واحدة من أدق عمليات النقل الأثري في العالم.
وأكد أن المتحف يضم أيضًا مجموعة آثار تل الفرخة ومجموعة مقبرة حتب حرس، مشيرًا إلى أن هذه القطع تمثل فترات مبكرة ومهمة في التاريخ المصري القديم.
وشدد على أن المتحف المصري الكبير مؤسسة ثقافية حضارية متكاملة لا تقتصر على عرض الآثار فقط، بل تضم خدمات متكاملة للزوار، ومتحفًا للطفل، وقاعات محاكاة افتراضية، ومركز ترميم هو الأكبر من نوعه في العالم على مساحة 32 ألف متر مربع.
وأشار إلى أن الساحة الخارجية تضم مركزًا تدريبيًا للكوادر البشرية المتخصصة في مجال المتاحف والإرشاد السياحي، فضلًا عن ممشى سياحي يربط المتحف بالأهرامات الثلاثة، ومنطقة ترفيهية على مساحة 25 فدانًا.
وتوقع الدكتور ريحان أن تتجاوز أعداد السائحين 20 مليون سائح بعد افتتاح المتحف، مؤكدًا أن هذا الافتتاح سيكون نقطة تحول كبرى في السياحة المصرية، إذا توفرت الطاقة الفندقية الكافية وأسطول الطيران المناسب لدعم خطة الدولة للوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2030.