قال الدكتور ممدوح المصري أستاذ الآثار وعميد كلية الآداب بجامعة طنطا، حول الحدث التاريخي المرتقب والمتمثل في الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر المقبل، إن هذا الحدث يمثل ذروة الإنجازات الثقافية والحضارية في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط على مستوى مصر بل على مستوى العالم أجمع، لما يحمله من رسائل رمزية وإنسانية وتاريخية عميقة، تؤكد أن مصر لا تزال مهد الحضارات وقلب التاريخ الإنساني النابض.
وأكد الدكتور المصري، في تصريح خاص لموقع صدى البلد، أن افتتاح المتحف المصري الكبير في هذا التوقيت الذي يتزامن مع الذكرى الـ 103 لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، ليس مجرد تدشين صرح أثري جديد، بل هو تجديد للعهد مع التاريخ، وإعادة تقديم الحضارة المصرية القديمة بعيون العصر الحديث، مشيرًا إلى أن هذا المتحف يجمع بين عبقرية الماضي وروعة التكنولوجيا المعاصرة في تجربة ثقافية وسياحية فريدة.

تحليل الافتتاح ودلالاته الحضارية
وأوضح الدكتور ممدوح المصري، أن الافتتاح الرسمي للمتحف الكبير، وما يتضمنه من عرض كامل لمجموعة الملك توت عنخ آمون، يمثل نقلة نوعية في مفهوم العرض المتحفي عالميًا. فالمتحف لا يكتفي بعرض القطع الأثرية، بل يقدم سردًا بصريًا ودراميًا لتاريخ الملك منذ ميلاده وحتى وفاته، في مشهد يعيد إحياء روح مصر القديمة بأسلوب عصري يدمج بين التراث، والفن، والتقنيات الرقمية المتقدمة.
وأشار إلى أن موقع المتحف الفريد بجوار أهرامات الجيزة يمنحه بعدًا بصريًا وتاريخيًا استثنائيًا، فالمتحف والأهرامات يمثلان معًا جسرًا حضاريًا بين الماضي والمستقبل. كما أن الربط بينهما عبر ممشى أثري بطول 2.5 كيلومتر يُعد تصميمًا يحمل في طياته رؤية فلسفية عميقة تعكس رحلة الإنسان المصري نحو الخلود.
الأبعاد الثقافية والسياحية والاقتصادية
وفي تحليله للجانب التنموي والاقتصادي، أكد الدكتور ممدوح المصري أن هذا المشروع العملاق سيساهم في تحويل مصر إلى مركز عالمي للسياحة الثقافية، لافتًا إلى أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى للعرض الأثري، بل هو مؤسسة ثقافية متكاملة تضم قاعات عرض، وسينما، ومركز مؤتمرات، ومتحفًا للأطفال، ومناطق ترفيهية وتجارية، ما يجعله منظومة اقتصادية وثقافية مستدامة تعزز من مكانة مصر عالميًا وتدعم خططها لزيادة عدد السياح إلى 30 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2030.
وأضاف أن التعاون المصري الياباني في تنفيذ المشروع وتطويره يعكس قيمة الدبلوماسية الثقافية التي تتبناها الدولة المصرية، مشيرًا إلى أن مشاركة هيئة "جايكا" اليابانية في التمويل وتدريب الكوادر المصرية على أحدث تقنيات الترميم والنقل يعكس احترام العالم لمكانة مصر الثقافية والحضارية.
مراكب الشمس.. رمز الخلود وتجسيد العقيدة
وفي حديثه عن مراكب خوفو داخل المتحف الكبير، قال الدكتور ممدوح المصري إن عرض مركبي الشمس جنبًا إلى جنب لأول مرة في التاريخ هو إنجاز أثري وروحي عظيم، حيث تمثل المراكب في العقيدة المصرية القديمة رمزًا للعبور إلى العالم الآخر ورحلة الإله رع عبر السماء.


وأوضح أن المتحف أعاد إحياء هذا الرمز القديم بتقنيات حديثة تتيح للزائر رؤية مراحل الترميم وإعادة التجميع أمام عينيه، مما يمنح التجربة طابعًا تفاعليًا وتعليميًا فريدًا. وأشار إلى أن تصميم القاعة بثلاثة مستويات يتيح للزائر التفاعل مع الأثر من زوايا مختلفة، وكأنه يشارك في رحلة الشمس الأبدية.
واجبات الافتتاح على مصر ومستقبل المتحف
وشدد الدكتور ممدوح المصري على أن هذا الحدث التاريخي يضع على عاتق الدولة المصرية مسؤولية ثقافية كبرى، تتمثل في الحفاظ على هذا الصرح، واستثماره علميًا وثقافيًا وسياحيًا بأقصى طاقة ممكنة. كما دعا إلى تعزيز برامج التوعية والزيارات التعليمية لطلاب المدارس والجامعات، حتى يظل المتحف منارةً للهوية الوطنية ومصدر فخر للأجيال القادمة.

وأكد أن الافتتاح المنتظر للمتحف المصري الكبير سيكون بمثابة إعادة كتابة للتاريخ المصري بلغة الحاضر، وسيجعل من مصر وجهة رئيسية لكل باحث ومحب للحضارة والإنسانية، قائلًا: "المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى للحجر، بل رسالة للعالم مفادها أن مصر ما زالت تصنع التاريخ، وتقدمه للعالم في أبهى صوره".
واختتم الدكتور ممدوح المصري حديثه، قائلاً إن افتتاح المتحف المصري الكبير هو انتصار للثقافة المصرية ورسالة حضارية خالدة تُعلن أن مصر رغم مرور آلاف السنين لا تزال قادرة على الإبداع والتأثير وبناء الجسور بين الماضي والمستقبل. فهو ليس فقط افتتاحًا لمتحف، بل ميلاد جديد لروح الحضارة المصرية القديمة في ثوب حديث يليق بعظمة هذا الوطن وتاريخه الممتد منذ فجر الإنسانية.