نظم المؤتمر العربي حول “عمل الأطفال وسياسات الحماية الاجتماعية في الدول العربية” جلسة نقاشية بعنوان “دور الإعلام في التوعية وتعبئة المجتمع حول سياسات الحماية الاجتماعية للأطفال العاملين”، وذلك بتنظيم مشترك بين المجلس العربي للطفولة والتنمية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، وبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند).
واستعرضت الدكتورة سوزان القليني، أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس، دراسة موسعة حول دور الإعلام في التصدي لعمالة الأطفال، مؤكدة أن الظاهرة تمثل تحدياً تنموياً وإنسانياً، وانتهاكاً واضحاً لحقوق الأطفال، لا سيما الذين يعملون في ظروف قاسية محرومين من التعليم والحماية، مشيرة إلى أن عمالة الأطفال تتسبب في آثار عميقة ومخاطر جسدية ونفسية واجتماعية تهدد مستقبلهم، وهو ما يجعل للإعلام التنموي دوراً محورياً في رفع الوعي وتعبئة المجتمع لدعم سياسات الحماية الاجتماعية.
أسباب انتشار عمالة الأطفال
وأوضحت القليني أن أبرز أسباب انتشار عمالة الأطفال في العالم العربي تشمل الفقر والحاجة الاقتصادية، والنزاعات المسلحة، وضعف نظم التعليم، إلى جانب المعايير الاجتماعية المتسامحة مع الظاهرة، بالإضافة إلى ضعف إنفاذ القوانين الرادعة لهذه الممارسات.
وتطرقت القليني إلى أدوار الإعلام التنموي في مواجهة الظاهرة، ومنها رفع الوعي بمخاطر عمالة الأطفال وحقوقهم، وتغيير القيم والمعايير الاجتماعية التي تقبل تشغيل الأطفال، وربط الأسر بالخدمات المتاحة، إضافة إلى توفير معلومات حول برامج الدعم، وتعبئة المجتمع للمشاركة في حماية الأطفال، فضلاً عن دعم جهود المناصرة لتحسين التشريعات والسياسات ذات الصلة.
وكشفت القليني أن القطاع الزراعي يمثل النسبة الأكبر من مجالات عمل الأطفال في العالم العربي، يليه قطاع الخدمات أو ما يعرف بـ”العمالة المظلمة”، ثم القطاع الصناعي. وتحدثت عن الآثار المدمرة لعمالة الأطفال على المستويات التعليمية والاجتماعية، مثل التسرب الدراسي وتدني التحصيل وفقدان فرص اللعب والتفاعل الاجتماعي، إلى جانب المخاطر الصحية والجسدية المتمثلة في الإصابات والأمراض والتعرض للمواد الخطرة، فضلاً عن الآثار النفسية مثل العنف وتدني احترام الذات.
وأشارت إلى أن مصر والأردن والمغرب قدمت أنجح النماذج العربية في الحملات الإعلامية لمكافحة عمل الأطفال، بفضل التوعية المكثفة وتنوع الوسائل وبناء شراكات فعالة مع المجتمع المدني ومؤسسات الدولة.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات لتعزيز دور الإعلام التنموي في حماية الأطفال، أبرزها: دعم صانعي السياسات لوضع توجيهات واضحة وتخصيص موارد للحد من الظاهرة، بالإضافة إلى تعزيز التشريعات المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال، بجانب تمكين الإعلاميين عبر التدريب وتطوير أدوات التغطية المسؤولة، والدمج بين الإعلام الرقمي والتقليدي في نشر رسائل التوعية، وتعزيز دور المنظمات الأممية والمجتمع المدني في بناء القدرات وتطوير الشراكات.
تراجع عمالة الأطفال بالخليج
واستعرض الأستاذ جاسم الحمراني، مدير إدارة السياسات الاستراتيجية بالمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لدول الخليج العربية، ظاهرة انحسار عمل الأطفال في دول مجلس التعاون الخليجي، موضحاً أن انخفاض معدلات عمل الأطفال في دول الخليج جاء نتيجة حزمة من العوامل البنيوية، أبرزها ارتفاع دخل الفرد، وارتفاع مستوى الرفاهية الاقتصادية، وخصوصية البنية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس، وهي عوامل ساهمت مجتمعة في تراجع الحاجة إلى عمل الأطفال بشكل جذري.
وأشار إلى الدور المحوري الذي تلعبه السياسات التعليمية في هذا النجاح، حيث تبلغ نسبة الالتحاق بالمدارس 98% في المراحل الأساسية، الأمر الذي جعل المدرسة الخيار الأكثر جذباً للأطفال، بدعم من البيئة الأسرية التي تتميز بارتفاع متوسط الدخل، مما يحد من أي دوافع اقتصادية لعمالة الأطفال.
كما شدد الحمراني على أن دول المجلس تمتلك منظومة تشريعية صارمة تمنع تشغيل من هم دون السن القانونية للعمل (15–18 عاماً)، مع فرض غرامات وعقوبات رادعة على المخالفين. مشيراً إلى أبرز التشريعات الخليجية، ومنها: السعودية التي لديها نظام حماية الطفل ونظام العمل، واللذان يفرضان غرامات كبيرة على المنشآت أو الأفراد المخالفين، مع حظر تشغيل من هم دون 15 عاماً وتشديد الاشتراطات على الفئة من 15 إلى 18.
وتابع: أيضاً الإمارات لديها قانون وديمة الاتحادي رقم 3 لسنة 2016، الذي يفرض العقوبات بالحبس والغرامة على أي انتهاك لحقوق الطفل، بما في ذلك حالات العمل المخالفة للقانون. بالإضافة إلى دولة الكويت التي وضعت قانون حقوق الطفل رقم 21 لسنة 2015، ويتضمن عقوبات تصل إلى الغرامات، وإلغاء تراخيص المنشآت، ومنع تشغيل من هم دون 15 عاماً.
واختتم الحمراني بعدد من التوصيات لتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، أبرزها: وضع سياسة منظمة لعمل الأطفال، وتطبيق آليات صارمة للحماية، وتعزيز سياسات الحماية الاجتماعية المشروطة المرتبطة باستمرار التعليم، ودعم الرقابة الذاتية لدى الأسر والمؤسسات، بالإضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في الرصد والمتابعة والكشف المبكر عن حالات العمل غير الظاهر أو الاستغلال الرقمي، وتعزيز دمج التعليم مع التدريب والعمل الآمن للفئات المسموح لها، بما يتوافق مع المعايير الدولية.