لم تعد مشكلة الأخلاق مجرد حديث مجالس او شكوى عابرة نتبادلها كلما ضاق بنا الحال، بل اصبحت ازمة حقيقية تضرب جذور المجتمع وتهدد قيمه الأساسية.
كل يوم نصحو على اخبار تكشف انحدارا جديدا، وجريمة اغرب من التي سبقتها، وواقعة لا يمكن لعقل سليم أن يتصور حدوثها في مجتمع كان يتميز يوما بالشهامة والنجدة والرحمة. ان ما نراه اليوم ليس مجرد انفلات، بل تحول خطير في منظومة الاخلاق التي عرفناها وعشنا عليها.
يكفي ان نتابع ما يحدث على السوشيال ميديا لنفهم حجم التغيير. أصبح السب والسخرية والتشهير عادة، واصبح التنمر بين الطلاب امرا عاديا، وكأن احترام الآخرين لم يعد قيمة تستحق الحفاظ عليها.
الجرائم ايضا زادت بشكل لافت، جرائم قتل لأسباب تافهة، اعتداءات في الشارع دون خوف او خجل، استغلال، نصب الكتروني، سرقة، وخيانة امانة. حتى العلاقات الانسانية التي كانت قائمة على المحبة اصبح يهددها الطمع والانانية والمصلحة. كل ذلك يشير الى ان المجتمع يعيش مرحلة خطيرة من تآكل القيم التي كانت تجمع الناس في رباط واحد.
وعندما نقارن أخلاق الناس قديما بما نراه اليوم ندرك حجم الفجوة. في الماضي كان للعيب وزن، وكانت الكلمة شرفا يلتزم به الإنسان حتى لو خسر كل شيء. كان الجار يطمئن على جاره، والناس تتعاون دون انتظار مقابل، وكان الكبير يحظى بالاحترام، والصغير يجد من يحتضنه ويوجهه. كانت الأسرة لها دور واضح في التربية، والمدرسة تغرس القيم قبل العلم، والشارع نفسه يربي الطفل قبل ان يربيه اهله.
أما اليوم فكثيرون يتعاملون بمنطق المصلحة أولا، لا يراعون مشاعر الآخرين، ولا يرون في الخطأ مشكلة طالما لا توجد عقوبة مباشرة. تغيرت المفاهيم حتى عند الشباب، فصار البعض يبحث عن الشهرة السريعة ولو على حساب الكرامة أو القيم.
لا يمكن القاء اللوم على جيل بعينه، فالمسؤولية مشتركة بين الاسرة والمدرسة والاعلام والمجتمع كله. غياب القدوة، وتسارع الحياة، والانشغال بالمظاهر، وتراجع دور الحوار داخل البيوت، كلها عوامل ساهمت في تفاقم هذه الازمة. لذلك فان اصلاح الاخلاق لن يتحقق بالقوانين وحدها، بل يحتاج الى وعي واعادة بناء حقيقية داخل النفوس. نحتاج الى ان نستعيد ثقافة الاحترام، وان نعلم ابناءنا معنى الرحمة، وان نعيد هيبة الكلمة، وان نذكر انفسنا بان المجتمع لا يقوم بالقوة بل يقوم بالأخلاق.
إن أزمة الأخلاق ليست قدرا محتوما، لكنها جرس إنذار. اذا تجاهلناه سنستيقظ على مجتمع لا يشبه ما كبرنا عليه، مجتمع متباعد، قاس، يخلو من القيم التي تميزنا. اما اذا تحركنا الآن، فبإمكاننا إعادة البناء واستعادة ما فقدناه قبل ان يصبح من المستحيل إصلاحه.